تُعد الفنانة الإماراتية عائشة سيف الحمراني من الأصوات البصرية الرائدة في المشهد الفني المحلي، حيث تتميز بقدرتها الفريدة على مزج الهوية الإماراتية العميقة بأساليب التعبير الفني الحديثة والرقمية. لم تكتفِ الحمراني بعرض أعمالها في المعارض، بل سعت لنقل الفن إلى قلب الحياة العامة، متخذةً من الرياضة منصةً للتعريف بالثقافة.
وتؤكد الحمراني لـ (خليج تايمز) أن الفن يجب أن يخرج من قاعات العرض ليصبح جزءاً من حياة الشباب اليومية، مُشيدةً بالتقارب الثقافي الذي تخلقه لغة الفن العالمية.
مرحباً بك عائشة، بدايةً نبارك لكِ هذا العمل الفني المميز الذي أزاحت دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي وفريق "نيويورك نيكس" الستار عنه في "منتزه الشيخة فاطمة". لنتحدث عن مصدر إلهامك، لماذا اخترتِ تصميم "المندوس" تحديداً ليكون محور العمل؟
- أخذت مفهوم "المندوس" نفسه وشكله الهندسي وحوّلته ليكون متوافقاً مع هوية فريق "نيويورك نيكس" البصرية وألوانه. السبب الرئيسي لاختياري "المندوس" (الذي يُعد رمزاً للتراث ويُستخدم لحفظ المقتنيات الثمينة) هو أنني بدأت أفكر بالقيم المشتركة بين أبوظبي والفريق الأمريكي.
وما هي هذه القيمة المشتركة التي وجدتها في هذا الرمز التراثي؟
-في الماضي، كان "المندوس" يُستخدم في كل بيت إماراتي لوضع الأغراض الثمينة للأجداد. أحببتُ أن أُترجم هذا المعنى بأن المجتمع هو الشيء الثمين الذي نملكه اليوم. وأردت أيضاً أن أُبرز الحرفة وصناعة "المندوس" نفسها، لأن شكله الهندسي شدّني، خاصة وأن ملعب كرة السلة يتميّز أيضاً بالتناغم والتناسق والتوازن الهندسي. الملعب كله تحول إلى لوحة فنية تعكس روح التراث والإبداع.
كم استغرقت مراحل العمل على هذا المشروع من التصميم حتى التنفيذ الميداني؟
-عملنا مع دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي على مرحلتي التصميم والتنفيذ. استغرق العمل الكامل حوالي أسبوعين، بينما استغرقت مرحلة التنفيذ الميداني على أرض الملعب خمسة أيام فقط مع الفريق، ويعطيهم العافية.
لديكِ رؤية قوية بضرورة تواجد الفن في المساحات المفتوحة. لماذا تُصرّين على هذا المفهوم في أعمالك؟
-أنا أؤمن بأن الفن لا يجب أن يكون فقط في صالات العرض والأماكن المغلقة، بل يجب أن يتواجد في الأماكن العامة حيث يجتمع الناس. الإنسان يجب أن يفكر في الأشياء الصغيرة الموجودة في حياته ويمنحها الامتنان والحب، وأنا كفنانة أُترجم هذا الشيء من خلال أعمالي الفنية التي أُحب أن تكون قريبة من المجتمع. هذا فخر لي.
ما هو تأثير هذا المشروع على الشباب الذين سيمارسون رياضتهم في هذا الملعب؟
أتمنى قبل كل شيء أن يتشرّب الشباب الفن حتى أثناء ممارستهم لهواياتهم. ليس بالضرورة أن يكون الشخص فناناً، لكن وجود الألوان والعناصر الجمالية في المساحات العامة يؤثر إيجابياً على النفسية، ويخلق ذاكرة جميلة ومتميزة لكل مكان. نريد أن يشعر الجميع بأنهم جزء من ثقافتنا.
بالعودة إلى بداياتكِ، ذكرتِ أنكِ كنتِ تتساءلين في صغرك عن غياب رسومات تشبهكِ أنتِ والناس "اللي من هني". كيف تطور هذا الشغف ليصبح تركيزكِ على الهوية المحلية؟
-في طفولتي، كنت أحب المواد الخام والجدران الفارغة لأرسم عليها، لكنني كنت أملّ بسرعة من الأشياء الجاهزة. في تلك الفترة (أوائل التسعينات والألفينات)، كانت أغلب الرسوم في التلفزيون أمريكية ويابانية، وكنت أتساءل دائماً: "ليش ما في شيء يشبهني أنا؟". التحول بدأ حوالي عام 2005-2006؛ عندما بدأت أشارك رسوماتي على الإنترنت، ولاحظت أن الرسومات التي فيها عناصر من ثقافتنا كانت تلقى قبولاً وانتشاراً أكبر. كنت أرى تلك العناصر عادية بحكم أنني أعيش هنا، لكن اكتشفت أن العالم يراها شيئاً غالياً ومميزاً، وأن الناس لديهم فضول تجاه ثقافتنا.
هل ساعدكِ الفن الرقمي والتقنيات الحديثة في دمج هذا التراث مع الحداثة؟
-بالتأكيد، الرسوم الرقمية مرنة جداً وسهلة، فهي تسمح لكِ بتغيير الألوان والأشكال بسرعة ودقة عالية، وهذا ساعدني كثيراً في تنفيذ هذا المشروع. تمكنا من جمع روح "نيويورك نيكس" من خلال الألوان والهوية البصرية، وطبقناها بدقة. الفن الرقمي يوصل بسرعة لجمهور أكبر ويسهّل عملية التنفيذ كثيراً.
ماذا يعني لكِ هذا التعاون مع فريق عالمي مثل "نيويورك نيكس"؟
أنا سعيدة جداً بهذا التعاون. حتى عندما تواصلوا معي، شعرتُ أنهم يعرفونني من قبل، وكان بيننا تفاهم جميل. هذا هو جمال لغة الفن، فهي لغة عالمية. أعجبهم جداً مفهوم "المندوس"، وبعضهم صار يعرف معناه. هذه التفاصيل الصغيرة تعني الكثير، لأنها تعكس التفاهم والتقارب الثقافي. أبوظبي اليوم ليست فقط حافظة للتاريخ والثقافة، بل هي أيضاً مرحبة وتشجع المبدعين على التعبير بلغاتهم الفنية للعالم كله.