سارة الكثيري.. تراث إماراتي يشفي مرضى الأورام

أخصائية التغذية السريرية في مدينة برجيل الطبية، تُجسّد نموذجاً ريادياً للمرأة التي كرّست علمها لخدمة الإنسان،
سارة الكثيري

سارة الكثيري

تاريخ النشر

في زمن تتعدد فيه التخصصات الطبية، تبرز شابة إماراتية استثنائية لم تكتفِ بالجانب العلمي، بل أضافت إليه لمسة إنسانية عميقة وروحاً وطنية. سارة مسلم الكثيري، أخصائية التغذية السريرية في مدينة برجيل الطبية، تُجسّد نموذجاً ريادياً للمرأة التي كرّست علمها لخدمة الإنسان، وتخصصت في مجال بالغ الحساسية: تغذية مرضى الأورام.

بعلمها وشغفها، تثبت الكثيري أن الغذاء الصحي، حتى وإن كان مستوحى من المطبخ الإماراتي، هو جزء لا يتجزأ من رحلة الشفاء، وأن الإنجاز الحقيقي هو استثمار المعرفة في تحسين جودة حياة المرضى.

البداية من جامعة زايد

منذ سنواتها الجامعية في تخصص الصحة العامة والتغذية بجامعة زايد، كان اهتمام سارة بعلاقة الغذاء بالصحة وجودة الحياة أمراً محورياً. ولكن شغفها العلمي دفعها لاكتشاف سُبل تحسين حياة المرضى عبر التوعية الغذائية السليمة، قبل أن تبدأ أولى خطواتها العملية في مدينة برجيل الطبية كأخصائية تغذية سريرية بترخيص من هيئة الصحة أبوظبي.

لاحقاً، تخصصت في تغذية مرضى الأورام، وهو مجال يتطلب دقة علمية وحساسية إنسانية عالية. تعبّر سارة عن هذا التحول قائلة: "في آخر سنة لي في الجامعة، بدأت أتابع بشكل مكثّف مواضيع تتعلق بتغذية مرضى السرطان، وكنت أشعر أن هذا المجال مختلف وحسّاس جداً، لأنه يمس حياة الناس في مرحلة صعبة. هذا الفضول والإصرار هو ما دفعني لأطلب تدريباً في هذا المجال، لأتعلم كيف يمكن للتغذية أن تكون شريكاً حقيقياً في علاج المريض ودعمه".

اللمسة الإنسانية: شغف قديم بالرعاية

بالنسبة لسارة، لم يكن اختيار المجال الصحي وليد اللحظة. هي تقول: "أتذكر أنني كنت أتطوع بشكل مستمر في المجال الصحي أثناء دراستي، سواء من خلال المشاركة في حملات التوعية أو مساعدة المرضى في المستشفيات. هذه التجارب المبكرة كانت مصدر إلهام دائم، وساهمت في ترسيخ شغفي، وجعلتني أطمح دائماً لتقديم الأفضل للمرضى وتحقيق أثر إيجابي في حياتهم".

هذا التعاطف هو ما تصفه بأكبر تحدٍ في عملها: "التغذية لمرضى السرطان مجال حساس جداً، وأكبر تحدٍ كان التعامل مع المريض نفسياً قبل كل شيء، لأنهم يمرّون بمرحلة تؤثر على تقبّلهم للطعام. تعلّمت أن التعاطف والاستماع هما الأساس، وأن كل مريض يحتاج أسلوباً خاصاً يناسب حالته".

تتويج بالإصرار

لمسيرة سارة الحافلة بالإصرار تتويج رسمي هذا العام، حيث عبّرت عن سعادتها بفوزها بالمركز الأول في جائزة "نافس" عن فئة وظائف الرعاية الصحية.

قالت الكثيري: "كان شعوراً لا يوصف فعلاً، لأن الفوز بالمركز الأول هذا العام له معنى خاص. السنة الماضية حققت المركز الثاني، وكان ذلك دافعاً قوياً لتحدي نفسي أكثر. لكن الحصول على المركز الأول في جائزة "نافس" يؤكد أن الاجتهاد والإصرار يصنعان الفرق، وأن التقدم الحقيقي هو الاستمرار وعدم التوقف عند أي إنجاز". وتؤكد أن هذا الفوز يمثل خطوة جديدة نحو أهداف أكبر، خاصة بعد منافسة قوية في القطاع الخاص على مستوى الدولة.

بيئة داعمة

تُرجع الكثيري جزءاً كبيراً من تفوقها إلى الدعم المؤسسي، حيث تقول: "كان لدعم البروفيسور حميد الشامسي أثر كبير في تطوير خبرتي المهنية. فقد منحني الفرصة للتعمق في مجال الأورام، وساعدني على إدراك أهمية التغذية في العلاج".

شددت سارة على أن البروفيسور الشامسي وجّهها نحو دمج أفضل الممارسات العلمية مع الأكلات المحلية بما يلائم ثقافة المجتمع، مؤكداً أهمية هذا التخصص في تحسين جودة حياة المرضى. كما مكنتها بيئة العمل في معهد برجيل للأورام مع فرق متعددة التخصصات من تعزيز مهارات التواصل والتنسيق واكتساب رؤية شاملة للرعاية.

التراث الإماراتي شريك في العلاج

في خطوة إبداعية، نجحت سارة في دمج الأكلات التراثية الإماراتية في برامج تغذية مرضى الأورام.

أشارت الكثيري إلى أن الكثيرين يعتقدون خطأً أن الأكلات الإماراتية لا تناسب المريض: "لكني اكتشفت العكس تماماً. تمكنت من دمج هذه الأكلات بطريقة صحية تتوافق مع احتياجات المريض الغذائية، مما ساهم في تحسين تجربتهم وتخفيف الأعراض الجانبية للعلاج. كما أن المرضى، خاصة كبار السن، شعروا براحة أكبر عندما شعروا أننا نحافظ على موروثنا الثقافي ونقدّمه لهم بأسلوب صحي يدعم علاجهم دون أن يشعروا بالحرمان من أطعمتهم المفضلة".

صناعة الجيل القادم وتصحيح المفاهيم

كجزء من دورها الرائد، قامت سارة بتدريب أكثر من 20 متدرباً، مؤكدة حرصها على غرس الشغف والمسؤولية المهنية والتعاطف. كما تُعتبر مهمة تصحيح المفاهيم الخاطئة عن تغذية مرضى السرطان أساساً في عملها، خاصة تلك التي تستند إلى مصادر غير موثوقة.

تختتم الكثيري حوارها بنصيحة للشباب الإماراتيين: "الالتزام بالتعلم المستمر، وطلب التوجيه من الخبراء، والعمل ضمن فرق متعددة التخصصات لاكتساب خبرة شاملة. كما أن تطوير المهارات العملية والبحثية وحضور الدورات المتقدمة ضروري لتحقيق أفضل نتائج للمرضى، مع المحافظة على الشغف". وتؤكد أن سر نجاحها هو مزيج من الشغف والإصرار والإيمان الراسخ بأثر العمل الإنساني.

موصى به

No stories found.
Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com