تُعد أمل الهاشمي نموذجًا للمحترفة التي انتقلت بشغفها من قاعات الأخبار إلى فضاءات التدريب الإبداعي، مؤمنة بأن الكلمة ليست مجرد أداة للتعبير، بل قوة للشفاء والوعي والنمو الإنساني. في هذا الحوار مع "خليج تايمز"، تفتح الهاشمي صفحات تجربتها الغنية، متحدثة عن مسيرتها المهنية، ورسالة مشروعها "مجتمع كتابة"، ورؤيتها لمستقبل الكاتب في ظل تسارع العصر.
البداية ومدرسة الحياة الصحفية
تسترجع الهاشمي بدايتها في عالم الصحافة، مؤكدة أنها لم تنبع فقط من مهنة، بل من شغف حقيقي بالكلمة بدأ معها منذ المرحلة الإعدادية، ورغبة صادقة في فهم الناس والحياة من خلال الحكايات. تصف تلك المرحلة بأنها كانت "مدرسة للحياة"، حيث اكتسبت مهارات جوهرية مثل الدقة في المعلومة، والصدق في التعبير، واحترام التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق في أي نص.
وتقول: "تعلّمت كيف أوازن بين سرعة الحدث وعمق الفكرة، وبين المهنية والإنسانية في آنٍ واحد. ومع مرور الوقت، شعرت أن الصحافة هي بوابة لعوالم أوسع، مما دفعني للانتقال بخبرتي إلى مجالات كتابة الأفلام والتعليق الصوتي، ثم إلى البحث والتطوير في المشاريع الوثائقية، وأرى أن هذه التجارب فتحت أمامي فضاءات جديدة للسرد، جعلتني أرى الكلمة كصورة وصوت وإحساس، لا كحروف جامدة.
"مجتمع كتابة": رسالة لا مشروع
انتقلت الهاشمي من العمل الصحفي إلى تأسيس مشروعها الخاص في التدريب على الكتابة، حيث أسست "مجتمع كتابة" وتوضح قائلة: حين كنت أعمل في الصحافة، كنت أكتب قصص الآخرين، لكنني كنت أشعر دائماً أن هناك قصصاً كثيرة لم تُروَ بعد، شعرت بأن دوري لا يقتصر على نقل الحكايات، بل يمتد إلى تمكين الآخرين من رواية حكاياتهم بطريقتهم الخاصة، هذا الشعور ولّد شغفي بتأسيس مشروع لمساعدة الأفراد على اكتشاف أصواتهم الداخلية وتحويل الكلمة إلى مساحة للشفاء، والفهم، والوعي.
وتضيف، "مجتمع كتابة" منذ انطلاقه لم يكن مجرد ورش عمل عابرة، بل منصة حقيقية لبناء الوعي وتبادل الخبرة والتواصل الإنساني، فكل جلسة فيه تحمل طاقة مختلفة، لأن المشاركين أنفسهم يصنعون التجربة، بالنسبة لي مجتمع كتابة ليس مشروعاً، بل رسالة ممتدة، وأنا أنظر للكتابة بأنها طريقة للعيش والفهم والنمو.
وتلعب تجربتي الصحفية دورًا محوريًا في صياغة محتوى الورش والدورات التي أقوم بإعدادها، حيث منحتني حسّاً عالياً بالتحليل والقدرة على التقاط المعاني خلف السطور، لذلك أحرص على دمج ما هو إبداعي وما هو عملي، بين اللغة كفنّ والكتابة كأداة تفكير، معلّمة المشاركين أن النص ليس مجرد جمل منسقة، بل "رؤية وموقف من الحياة".
تحديات الكاتب الشاب: السرعة ومهارة الانتقاء
وتتناول الهاشمي أبرز التحديات التي تواجه الكتّاب الشباب في الإمارات اليوم، مشيرة إلى أن التحدي الحقيقي ليس في قلة الموهبة، بل في سرعة الإيقاع الذي يحيط بعالمهم، مما قد يدفع الكاتب للابتعاد عن العمق لصالح التفاعل اللحظي.
كما تسلط الضوء على ما تسميه "الفِلت"، وهي اللحظات والتفاصيل التي تفلت من انتباه الكاتب دون أن يلتقطها أو يوثقها، وتشدد على أن الكاتب الحقيقي هو من يتدرّب على ملاحظة الأشياء الصغيرة التي تمر أمامه. وتقول: "من المهم جدا أن يمتلك الشخص مهارة الانتقاء والاصطفاء، أي القدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو عابر، حتى لا تتحوّل الكتابة إلى تكديس للمشاهد، الفِلت والانتقاء والتمحيص معًا يعلّمان الكاتب أن يكون أكثر وعياً بما حوله". ولتجاوز هذه التحديات، تنصح الهاشمي الكاتب بأن يكتب باستمرار، ويقرأ أكثر مما ينشر، ويوازن بين التجربة الشخصية والفكر العام، مؤكدة أن "الكتابة، في جوهرها، ليست سباقاً نحو الإعجاب، بل رحلة نحو النضج والاتساق مع الذات".
نصائح وتحولات
لمن يريد تحويل شغفه بالكتابة إلى مصدر إلهام أو مشروع مهني، تقدم الهاشمي نصيحة جامعة بقولها، على الإنسان أن يبدأ من ذاته أولاً، لا من الصورة التي يريد أن يظهر بها، أن يكتب لأن الكتابة تناديه، لا لأنها رائجة، وأن يؤمن أن الشغف وحده لا يكفي، بل يحتاج إلى التزام، ووقت، ورؤية تجعل من الكلمة تجربة حيّة تُغيّر في الناس.
الإمارات تؤمن بقوة المرأة
وفي رؤيتها لدعم المجتمع الإماراتي للمرأة العاملة، تعبّر عن فخرها بأن الإمارات من الدول القليلة التي "منحت المرأة الثقة قبل المطالبة". وتؤكد أن الدعم متين، لكنه يكتمل حين تتعامل المرأة معه بوعي، وتكمل مسيرتها بثقة ومسؤولية، معتبرة أن مسؤولية المرأة الإماراتية هي المحافظة على هذه الصورة بالجدّية والإتقان.
الإلهام
وفيما يخص الإلهام، توضح الهاشمي أنه لم يأتِ من الرموز الكبرى وحدها، بل من الوجود الإنساني ذاته، ومن كل من مرّ في حياتها وترك أثراً، سواء كانوا معلمين أو أشخاصاً التقت بهم صدفة. تعتبر القدوة بالنسبة لها "نسيج من الناس والمواقف والمشاعر والتجارب" التي تراكمت لتصنع ما هي عليه اليوم، وتقول: لم يكن الإلهام محصوراً في محيطي المجتمعي، بل وجدته في أسفاري واندماجي مع ثقافات متنوعة عرّفتني أن الإنسانية لغتنا المشتركة.
الذكاء الاصطناعي والكتابة
أخيرًا، تطمئن الهاشمي الكُتاب حول مستقبل الكتابة في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، قائلة: "الذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا للكتابة، بل أداة جديدة في يد الكاتب الواعي". وتشدد على أن الكتابة في جوهرها هي "ولادة فكر وشعور"، وهذه منطقة لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يدخلها بالكامل. وتقول: إن الدمج ممكن وواعد، فـ "الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعدنا في الوصول إلى نصوص أكثر دقة وجمالًا، لكنه لن يستطيع أبدًا أن يكتب النبضة التي تميّزنا ككتاب.