50 عاماً من التحديات والنجاح: من جامع التذاكر إلى مدير عام في الإمارات
في عام 1974، وفي سن التاسعة عشرة فقط، بدأ المغترب الهندي "بي عبد الجبار" رحلته الرائعة في الإمارات العربية المتحدة، حيث بدأ كجامع تذاكر في سينما "إلدورادو" في أبو ظبي. في ذلك الوقت، كان هذا هو المسرح المغطى الوحيد في المدينة ومكان تجمع شهير للمجتمعات المتنوعة من الهند وباكستان والعالم العربي، حيث كانوا يجتمعون جميعًا للاستمتاع بالسينما الهندية.
وقال جبار لصحيفة خليج تايمز: "كان المسرح دائماً يعج بالناس، خاصة عندما كان يتم عرض فيلم" ديليب كومار".
لقد بدأ جبار كوظيفة متواضعة في دار سينما مزدحمة، ثم تحول في النهاية إلى مهنة امتدت لخمسة عقود من الزمان. واليوم، وهو في السبعين من عمره، لا يزال يعمل بنشاط كمدير عام لقسم البيع بالجملة في مجموعة "بني ياس سبايك"، حيث يعمل ستة أيام في الأسبوع وليس لديه أي خطط للتقاعد قريباً.
خارج العمل، يستمتع بقضاء الوقت مع أطفاله الثلاثة وأحفاده الثلاثة، الذين يعيشون جميعاً في الإمارات العربية المتحدة. ويحرص جبار على صحته، حيث يحافظ أيضاً على روتين يومي للمشي لمدة ساعة ونصف تقريباً.
متجذرة في البساطة
وُلِد جبار عام 1955 في منزله الواقع على طريق ثايل كوروفا في كانور، كيرالا، وكانت سنواته الأولى تتسم بالبساطة. وبعد أن أكمل تعليمه حتى الصف السابع في مدرسة سانت أنتوني ثايل، التحق بمدرسة تشوفا الثانوية.
وقد ساعده أحد الجيران الذين يعملون في أبوظبي في تأمين تأشيرة دخوله، الأمر الذي مهد الطريق لانتقاله إلى الإمارات العربية المتحدة في 14 يونيو/حزيران 1974، وهو ما غيّر حياته. ويتذكر جبار قائلاً: "لقد كان زمناً مختلفاً. ففي ذلك الوقت، إذا التحقت بدورة تدريبية أساسية في الطباعة، لتمكنك من الحصول على وظيفة لائقة".
وبعد أن سافر من كانور إلى مانجالور، ثم إلى بومباي، استقل قارب دمراه ـ السفينة المفضلة للمغتربين من كيرالا ـ إلى دبي. وبعد إقامة قصيرة في دبي، استقر جبار في نهاية المطاف في أبو ظبي، المدينة التي سيعتبرها موطنه طيلة الخمسين عاماً التالية.
في عام 1976، وبعد فترة قصيرة قضاها في تحصيل التذاكر والعديد من الوظائف الأخرى، انضم جبار إلى شركة الماجد العامة كموظف. وتطورت الشركة التي يديرها الأخوان الإماراتيان هلال وعبد الله ماجد المهيري من التعامل في مواد البناء إلى أن أصبحت شركة رائدة في مجال الإمدادات الغذائية.
"معلمي"
وينسب جبار الفضل إلى معلمه عبدالله ماجد المهيري في تشكيل حياته المهنية. ويقول: "لم يكن متمكناً من القراءة أو الكتابة على الرغم من أنه كان يعرف كيفية التوقيع باسمه، لكنه كان جوهرة من البشر يتمتع بفطنة تجارية حادة. أعتبره معلمي". ويضيف: "كل ما يحتاجه موظفوه كان يوفره لهم دائماً. وكان لي شرف السفر معه على نطاق واسع لإبرام صفقات تجارية في أماكن مثل ألمانيا وهولندا وغيرها".
حتى بعد أن ترك جبار الشركة في عام 1990، استمر معلمه في إظهار كرمه الشديد. قال: "استمر السيد عبد الله في إظهار اللطف والكرم تجاهي حتى بعد أن تركت الشركة. لقد ذهب إلى حد عرض وظيفة على ابن أخي. وإذا لم أتواصل معه لبضعة أيام، كان يتصل بي بلطف ليوبخني على فقدان الاتصال".
وظلت علاقته بعبد الله ماجد مستمرة حتى رحيل الأخير عن عمر يناهز 91 عاماً.
فصل جديد
في عام 2000، انضم جبار إلى مجموعة بني ياس سبايك، حيث بدأ كمدير عام لقسم البيع بالجملة. وعلى مر السنين، شهد نمو الشركة الملحوظ من شركة ناشئة صغيرة تضم ثمانية موظفين إلى واحدة من أكبر موردي المواد الغذائية بالجملة في المنطقة، حيث توظف الآن أكثر من 1000 شخص وتدير 150 مركبة.
وأشار جبار إلى أن "كتور عبد الرحمن حاجي، صاحب المشروع، رجل أعمال ومحسن مذهل. يعاملني كأحد أفراد الأسرة. حتى أنه حضر حفلات زفاف جميع أطفالي في كانور وأصر على أن أستمر في العمل على الرغم من عمري".
ويشعر جبار بالفخر الشديد بالمبادرات الخيرية التي تقوم بها الشركة، بما في ذلك الشحنات إلى غزة عبر الهلال الأحمر، وهي قضية قريبة من قلبه.
العائلة والمجتمع
تزوج جبار من زوجته رحمة في عام 1979، وانضمت إليه في الإمارات العربية المتحدة في عام 1985 مع ابنتهما جمشينا البالغة من العمر ثلاث سنوات.
ترتبط حياة جبار الشخصية ارتباطًا وثيقًا برحلته في الإمارات العربية المتحدة، حيث تزوج رحمة في عام 1979، وبعد خمس سنوات من الانفصال بسبب ارتفاع تكاليف الإيجار، انضمت إليه في عام 1985، مصطحبة معها ابنتهما جمشينا البالغة من العمر ثلاث سنوات.
"بعد زواجنا، تولى زوجي مسؤولية ترتيب زيجات شقيقاته ومساعدة إخوته على الاستقرار. وفوق ذلك، كانت الإيجارات المرتفعة تجعل الأمور صعبة. لذا اضطررت إلى الانتظار لمدة 5 سنوات قبل أن أتمكن من الانضمام إليه"، تتذكر رحمة.
وأضافت "كنا نعيش في البداية في شقة صغيرة مكونة من غرفة نوم واحدة دون مطبخ مناسب. وكان إخوته ينضمون إلينا في كل وجبة. وكان زوجي يعمل بلا كلل على مدار الساعة".
لدى الزوجين الآن ثلاثة أطفال - جمشينا وجيسنا وجميش - وثلاثة أحفاد. قالت السيدة جبار بفخر: "عندما وصلت لأول مرة إلى الإمارات العربية المتحدة، لم يكن لدي عائلة هنا. اليوم، نحجز حافلة للتجمعات العائلية".
يصف أبناء جبار بأنه أب صبور وطيب القلب. تقول جمشينا: "لم أسمعه يصرخ أو يتحدث بوقاحة قط. لقد ساعدت هذه الصفة عائلتنا على تجاوز الأوقات الجيدة والسيئة وشكر الله على نعمه".
وأضاف ابن جبار، جيميش، الذي يعمل الآن في أحد البنوك المحلية في الإمارات العربية المتحدة: "لقد كان والدي وسيظل دائمًا مرشدًا لي، وكان موجودًا لتوجيهي في الاتجاه الصحيح. وكان دعمه هائلاً خلال الأوقات الصعبة، حيث علمني كيفية الوقوف عندما أسقط".
وتشعر الابنة الصغرى جيسنا بالسعادة لأن والدها ينشر حبه وفرحه بين أحفاده أيضًا. وتقول جيسنا: "لقد تعلمت العديد من الدروس من الصراعات التي واجهها في الحياة، ومن صدقه والرابطة الوثيقة التي يحافظ عليها مع الأسرة. وبصرف النظر عن كونه الأب الأكثر روعة، فهو أيضًا أفضل جد".
النظر إلى الوراء بالامتنان
كانت رحلة جبار التي استمرت 50 عامًا في الإمارات العربية المتحدة مليئة باللحظات المهمة، بما في ذلك لقائه مع الأب المؤسس للبلاد، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، في عام 1978 في مجلسه في المسجد الكبير القديم على طريق المطار في عام 1978.
عند التفكير في الخمسين عامًا التي قضاها في الإمارات العربية المتحدة، يشعر جبار بالامتنان العميق. "أنا مجرد رجل عائلة بسيط لديه أحلام متواضعة. الإمارات العربية المتحدة هي دولة تعمل على تمكين الناس العاديين من العيش بكرامة وتوفير حياة جيدة لأسرهم.
وقال "لا يسعني إلا أن أعرب عن خالص شكري لقادة الإمارات أصحاب الرؤية الثاقبة الذين منحونا الفرصة لعيش حياة ذات معنى، ليس لأنفسنا فحسب، بل وللأجيال القادمة".
بالنسبة لجبار، لا يزال التقاعد فكرة بعيدة المنال. وبدلاً من ذلك، يواصل عيش حياة مليئة بالهدف، مجسدًا روح المرونة التي بنت دولة الإمارات العربية المتحدة.