

في الوقت الذي يقترب فيه فصل الشتاء، يتجه عدد متزايد من السكان إلى الصحراء للاستمتاع بالأنشطة الخارجية والنزهات وعروض السيارات.
غير أن الزوار الذين يخططون لهذه الرحلات غالباً ما يتركون خلفهم نفايات تُفسد الجمال الطبيعي للصحراء وتتسبب في أضرار بيئية خطيرة.
أطلق عدد من الشباب الإماراتيين من مختلف الإمارات مبادرات تطوعية لتنظيف المناطق الصحراوية ونشر ثقافة المسؤولية البيئية.
فهد السعدي
فكرة بسيطة تحولت إلى حركة تطوعية
يتذكر محمد المزروعي، أحد سكان رأس الخيمة، كيف بدأت جهودهم في تنظيف المنطقة عند مخرج 116 عام 2022 مع صديقه فهد السعدي فقط.
وقال المزروعي: «كنا نرى المكان في الصباح جميلاً، لكن مع حلول المساء يمتلئ بالنفايات. قررنا أن نتحرك ونقدم قدوة حسنة».
ما بدأ كمجهود صغير تحوّل لاحقاً إلى حركة تطوعية منظمة تضم أكثر من خمسين مشاركاً.
وأضاف: «نشتري أكياس القمامة والمياه وحتى نستأجر الشاحنات لجمع النفايات — كل ذلك من حسابنا الشخصي. كما دعمنا بعض أصحاب الأعمال المحليين بتقديم مكافآت رمزية لتحفيز الشباب».
ولا يقتصر عملهم على جمع النفايات فحسب، بل ينظمون أيضاً أماكن الجلوس وينشرون الوعي بين الزوار لضمان بقاء المنطقة نظيفة بعد التجمعات.
وأشار المزروعي قائلاً: «بدأنا نلاحظ الآن أن الناس يجمعون ممتلكاتهم بأنفسهم قبل مغادرة المكان — وهذا أعظم إنجاز بالنسبة لنا».
إصرار وعزيمة
يشارك حكيم الشحي (30 عاماً)، والمعروف بين المتطوعين بلقب «المبدع 700 رأس الخيمة»، في حملات تنظيف الصحراء منذ أكثر من عامين.
وأوضح أن الفكرة بدأت عندما لاحظ هو وصديقه محمد المزروعي تزايد النفايات في منطقة مخرج 116.
وقال الشحي: «بدأنا ننظف كل أسبوع خلال موسم الشتاء، وأصبحنا ننتظر هذا النشاط بشغف. أردنا حماية هذا المكان الجميل».
وشدد الشحي على أن تنظيف الصحراء يتطلب جهداً بدنياً كبيراً، خاصة في المناطق النائية البعيدة عن الطرق المعبدة.
وأوضح: «الأمر ليس سهلاً. نمشي لمسافات طويلة على الرمال الناعمة، ونتسلق الكثبان، ونحمل أكياس النفايات الثقيلة إلى نقاط التجميع. لكن الشعور بعد الانتهاء يجعل التعب كله يستحق العناء».
كما أكد الشحي أن الفريق يولي اهتماماً كبيراً للسلامة، إذ يضم عدداً من المتطوعين المدربين على الإسعافات الأولية والاستجابة للطوارئ والمزودين بحقائب إنقاذ.
وقال: «نحن نضع السلامة أولاً دائماً، وفريقنا يضم منقذين معتمدين مزودين بحقائب طبية وأجهزة اتصال».
ورغم صعوبة المهمة، أكد الشحي أن حافزهم هو حب الوطن والفخر بتمثيل شباب الإمارات خير تمثيل.
وقال مبتسماً: «نعمل كفريق واحد، ونعتبر هذا المكان مسؤوليتنا المشتركة. لا ننتظر الدعم الرسمي — فمبادرتنا نابعة من القلب ورغبتنا في إظهار الصورة الحقيقية لشباب الإمارات».
التوعية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي
قال متطوع آخر، محمد أحمد، إن المنطقة أصبحت أكثر شهرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما زاد من عدد الزوار القادمين من مختلف دول الخليج، وجعل حملات التنظيف أكثر ضرورة.
وأوضح أحمد: «في البداية لم يكن هنا الكثير من الناس، لكن بعد انتشار مقاطع الفيديو بدأ الزوار يتوافدون من مختلف أنحاء الإمارات والخليج. ومع هذا الازدياد، زادت النفايات، لذلك اضطررنا إلى التحرك».
وعلى الرغم من التحديات التي يواجهونها أثناء العمل في تضاريس وعرة وتحت أشعة الشمس الحارة، يواصل المتطوعون جهودهم بروح الفريق والإخلاص.
وقال: «ما يراه الناس في مقاطع الفيديو لا يُظهر حجم الجهد المبذول. نقضي ساعات في تسلق الكثبان والمشي لمسافات طويلة، لكن الرضا بعد الانتهاء من التنظيف يجعل كل شيء يستحق التعب».
وأضاف أن بعض التجار المحليين والمحسنين بدأوا بدعم حملاتهم من خلال تقديم هدايا للمتطوعين النشطين، كما يلتزم الفريق بمعايير سلامة صارمة ويتعاون مع وحدة إنقاذ معتمدة لضمان جاهزيتهم للطوارئ.
وتابع قائلاً: «نعتبر هذا المكان بيتنا. ننظفه معاً يداً بيد، لنعكس الصورة الحقيقية لشباب الإمارات».
ما وراء السطح
في دبي، تحدث محمد الهاشمي (36 عاماً) عن مشكلة تكرار رمي النفايات في مناطق التخييم الصحراوي، واصفاً إياها بأنها «مشكلة تتكرر كل موسم».
وقال الهاشمي: «الكثير من الناس يذهبون للتخييم ويتركون نفاياتهم خلفهم، مما يشوه المنظر ويزعج الزوار الآخرين»، مؤكداً أن النظافة مسؤولية فردية وجماعية في الوقت ذاته.
وأوضح أن البلديات تبذل جهوداً كبيرة لتنظيف المناطق القريبة من الطرق الرئيسية، إلا أن الوصول إلى عمق الصحراء يصبح أكثر صعوبة بسبب وعورة التضاريس وبعد المسافات.
وقال: «يتم تنظيف المناطق القريبة من الطرق أولاً، لكن كلما ابتعدنا أكثر داخل الصحراء أصبح العمل أصعب، ولهذا يجب أن يتعاون الجميع».
وأضاف الهاشمي أن الحفاظ على نظافة الصحراء واجب وطني وأخلاقي.
وقال: «الوطن بيتنا، والحفاظ على نظافته واجب على الجميع. فالوطن النظيف يعكس أخلاق شعبه».
كما أشاد بمبادرات مثل «نظفوا الإمارات» و«مجموعة الإمارات البيئية»، مؤكداً أنها تذكر المجتمع بأهمية العمل التطوعي وتساعد في ترسيخ الوعي البيئي كقيمة اجتماعية دائمة، لا مجرد جهد موسمي.