جوازات سفر ومراحل تاريخية
جوازات سفر ومراحل تاريخية

وثائق السفر القديمة: رحلة تاريخية في التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في الإمارات

كانت جوازات السفر القديمة تحتوي على معرّفات شخصية فريدة تختلف عن الممارسات الحديثة
تاريخ النشر

في رأس الخيمة، يتم الحفاظ على جوازات سفر نادرة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، كاشفةً عن حقبة تحوّل تاريخي هام في منطقة الخليج. تُسجل هذه الوثائق التاريخية، التي ظهرت مع بداية إصدار وثائق السفر الرسمية، التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة على أعتاب عصر التحديث.

وقبل هذه الفترة، كان السفر عبر الخليج غير رسمي، ولم تكن هناك حاجة إلى وثائق رسمية. ومع ذلك، أدى اكتشاف النفط في الدول المجاورة مثل الكويت، وقطر، والبحرين إلى إعادة تشكيل المنطقة، ممّا أدى إلى خلق فرص عمل جديدة استلزمت التنقل المنظم.

وبحلول عام 1957، بدأت الإمارات المتصالحة، بما في ذلك رأس الخيمة، في إصدار جوازات سفرها، مما يرمز إلى لحظة محورية في الاتصال والتقدم الإقليمي.

وقال "محمد الخواجة"، أحد كبار المتخصصين في الوثائق: "إن جوازات السفر هذه ليست مجرد وثائق سفر؛ بل هي بمثابة كبسولات زمنية. فكل جواز سفر منها يكشف عن قصص شخصية ورحلات وحياة حامله، ممّا يعكس حقبة نسعى جاهدين للحفاظ عليها للأجيال القادمة".

بدأت عملية الحفاظ على هذه القطع الأثرية في عام 2011، عندما تعاون علي "عبدالله فارس"، مدير مركز الأرشيف آنذاك، مع شرطة رأس الخيمة لجمع حوالي 5700 جواز سفر لأغراض الأرشفة.

وكانت جوازات السفر القديمة تحتوي على معرّفات شخصية فريدة تختلف عن الممارسات الحديثة. وشملت هذه المعرّفات أوصافاً تفصيلية للون العين والشعر والسمات المميزة مثل ضعف البصر. على سبيل المثال، تم استخدام مصطلح "كريم العينين" (ضعف النظر). وتم توثيق أماكن الميلاد، ممّا يكشف عن أن بعض الأفراد ولدوا خارج الإمارات العربية المتحدة، مما يعكس أنماط الهجرة التاريخية.

وتم عرض حوالي 18 جواز سفر خلال أيام التراث في رأس الخيمة مؤخراً. هذه الوثائق التي يعود تاريخها إلى مايو 1957، صدرت لأغراض مثل التجارة والرعاية الصحية.

جوازات السفر ذات اللون الأحمر الفاتح الصادرة خلال عصر الإمارات المتصالحة
جوازات السفر ذات اللون الأحمر الفاتح الصادرة خلال عصر الإمارات المتصالحة
مستندات باللون الأزرق الفاتح
مستندات باللون الأزرق الفاتح
جوازات السفر الحمراء الداكنة
جوازات السفر الحمراء الداكنة
جوازات السفر الخضراء الداكنة
جوازات السفر الخضراء الداكنة

وقال "الخواجة": "كل جواز سفر يروي قصة شخصية عميقة"، فبعض هذه الجوازات تعود لأفراد لم يعودوا معنا، في حين أن جوازات أخرى تربطنا مباشرة بحامليها الأحياء."

تعكس جوازات السفر المعروضة مراحل رئيسية في تطورها:

  • جوازات السفر ذات اللون الأحمر الفاتح (1957-1964): صدرت في عهد الإمارات المتصالحة.

  • جوازات السفر ذات اللون الأخضر الداكن (1964-1973): تشير إلى فترة إدارية أكثر تنظيماً.

  • جوازات السفر الحمراء الداكنة (1973-1974): استخدمت قبل فترة وجيزة من اتحاد الإمارات العربية المتحدة.

  • وثائق السفر ذات اللون الأزرق الفاتح (1970-1973): صدرت لغير المواطنين.

لقد كان الحفاظ على هذه الوثائق عملية دقيقة للغاية. وقال "الخواجة": "لقد شكل عمر وحالة جوازات السفر هذه تحديات كبيرة". وتستمر جهود الترميم، بما في ذلك التنظيف والتخزين الوقائي، بالتعاون مع مؤسسات مثل معهد الشارقة للتراث.

كما لعب المصور "محمد عبدالله النمر الحساوي" دوراً محورياً في توثيق هذا التاريخ، حيث أسس "الحساوي"، وهو في الأصل من الأحساء، المملكة العربية السعودية، استوديو تصوير في رأس الخيمة لإنتاج صور جوازات السفر، مساهماً بذلك في الحفاظ على هذا الإرث.

ولعب الدكتور "حمد بن صراي"، أستاذ التاريخ والتراث السابق في جامعة الإمارات العربية المتحدة، دوراً محورياً في تدوين تاريخ جوازات السفر في رأس الخيمة، وإلقاء الضوء على تطور التنقل في منطقة الخليج. وامتدت أبحاثه المكثفة، بالتعاون مع مركز الوثائق التاريخية، على مدى أربع سنوات وتوجت بكتاب شامل من ثلاثة مجلدات، يتألف من 1200 صفحة.

وتقوم الدراسة بتحليل دقيق لنحو 6 آلاف جواز سفر، وتقدم رؤى حول تقديم وثائق السفر الرسمية في الخليج بعد الحرب العالمية الثانية.

وأوضح "بن صراي" أن "البحث لا يقتصر على توثيق السفر فحسب، بل ويتعلق أيضاً بحفظ السرديات وراء هذه الرحلات". وينقسم عمله إلى قسمين رئيسيين: تحليل تاريخي لجوازات السفر، ومقابلات مع 79 رجلاً وامرأة شاركوا تجارب سفرهم خلال تلك الحقبة. وتكشف هذه الروايات كيف تنقل المسافرون الأوائل في الخليج عبر أنظمة التنقل والاتصال المتطورة.

لا يقتصر بحث "بن صراي" على تحليل جوازات السفر ذاتها، فقد عمل فريقه على ما يقارب عشرة آلاف نموذج سجلت فيها بيانات الدخول والخروج، وتواريخ السفر، وأغراضه. وقد تم إثراء هذه المواد الأرشيفية بالروايات الشفوية التي تم جمعها من خلال المقابلات، والتي أجراها العديد منها طلابه الجامعيون.

وكان كبار السن من المجتمع من المساهمين الرئيسيين، حيث شاركوا بقصصهم وتجاربهم. وأشار "بن صراي" إلى أن "نحن مدينون كثيراً لكبار السن الذين شاركوا بسخاء بتاريخهم"، معرباً عن امتنانه لأولئك الذين شاركوا، بما في ذلك أولئك الذين توفوا منذ ذلك الحين.

وتحافظ هذه المبادرة على الأهمية التاريخية لجوازات السفر الأولى في رأس الخيمة وتضمن أن القصص الشخصية المرتبطة بهذه الوثائق تظل إرثاً دائماً للأجيال القادمة.

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com