

أصدرت دولة الإمارات إصلاحات شاملة للقطاع المالي، ترفع بشكل كبير من المخاطر المترتبة على عدم الامتثال وتوسع من السلطة الإشرافية للمصرف المركزي. يقدّم المرسوم بقانون اتحادي رقم (6) لسنة 2025 عقوبات أكثر صرامة وصلاحيات للتدخل المبكر للمؤسسات المتعثرة، وينظم كذلك تقنيات التمويل الناشئة.
صرّح خبير قانوني بأن هذا التحول يزود المصرف المركزي بأدوات أقوى لضمان الاستقرار وحماية المستهلكين. ينظم القانون الآن قطاعاً واسعاً من النظام البيئي المالي لدولة الإمارات، بما في ذلك البنوك وشركات التأمين ومؤسسات التكنولوجيا المالية (Fintech) ومنصات التكنولوجيا ومزودو أنظمة الدفع وغيرهم من اللاعبين في الخدمات المالية.
وقال علي دخل الله، كبير الزملاء في مكتب حبيب الملا وشركاه: "يمنح هذا القانون الجهة التنظيمية السلطة للتحرك بشكل استباقي وحاسم ومباشر". وأضاف أن التغييرات ترفع من المخاطر بالنسبة للبنوك وشركات التأمين والكيانات الأخرى المرخصة، حيث أصبح بإمكان الجهة التنظيمية الآن التدخل مبكراً وبشكل أكثر تغلغلاً عند الضرورة.
إحدى العناصر الأكثر تأثيراً في القانون الجديد تتعلق بالعقوبات. فقد زادت الغرامات الإدارية على المخالفات بشكل كبير، ويمكن أن تصل في بعض الحالات إلى 10 أضعاف قيمة المخالفة.
قد يسحب المصرف المركزي الغرامات مباشرة من الحسابات التي يمتلكها المخالفون قبل صدور حكم قضائي نهائي.
كما يسمح القانون للمصرف المركزي بنشر الغرامات وقرارات التسوية على الإنترنت لتعزيز الشفافية والانضباط في السوق، وفقاً لدخل الله.
يرفع القانون سقف الغرامات الإدارية إلى مليار درهم إماراتي، مما يمنح الجهات التنظيمية نفوذاً كبيراً في الإنفاذ. "بينما لم يتوفر بعد الجدول التفصيلي للغرامات لكل مخالفة بشكل كامل، هناك حد أدنى محدد للغرامات المفروضة على النشاط غير المرخص أو الترويجي (على سبيل المثال، الأنشطة التي تتطلب ترخيصاً ولكن يتم تنفيذها بدونه). سقف المليار درهم يمنح المصرف المركزي أدوات قوية وحادة للإنفاذ ضد المؤسسات المصرفية والتأمينية. كما يشجع هذا السقف المرتفع على اتباع عمليات امتثال أكثر صرامة لمنع غسيل الأموال ومخالفات الجرائم المالية."
يمكّن التشريع المصرف المركزي من التحرك في وقت أبكر بكثير عندما تظهر على المؤسسات علامات التعثر. يمكن للجهة التنظيمية أن تفرض إجراءات تصحيحية، أو تفرض متطلبات سيولة أو رأسمال، أو تستبدل أعضاء مجلس الإدارة أو الإدارة العليا، أو تحويل الأصول، أو السيطرة على المؤسسة إذا لزم الأمر.
وأضاف دخل الله أن الجهة التنظيمية مخولة أيضاً "بأن تتولى مباشرة مسؤوليات الإدارة العليا للمؤسسة".
يؤكد المرسوم دور المصرف المركزي بصفته سلطة التسوية الوطنية (Resolution Authority) مع صلاحيات لإدارة حالات الأزمات. يشمل ذلك عزل وتعيين الإدارة، واسترداد الأموال من الأفراد المسؤولين، وإعادة هيكلة رأس المال، ونقل أو بيع الأصول للحفاظ على الوظائف الحيوية.
كما يمكّن القانون المصرف المركزي من إنشاء كيانات مؤقتة لضمان استمرارية الخدمات الأساسية وتنفيذ التصفية المنظمة إذا لزم الأمر.
ابقَ على اطلاع بآخر الأخبار. تابع KT على قنوات واتساب.
يعزز القانون حماية المستهلكين من خلال توحيد عملية الشكاوى المالية تحت منصة سندك (Sanadak).
وقال الخبير القانوني: "هذا هو أحد التغييرات الأكثر تأثيراً على الجمهور في القانون الجديد، وهو مصمم لجعل النظام المالي يبدو أكثر بساطة وعدالة وسهولة في الوصول إليه بالنسبة للمستهلكين العاديين".
كان المصرف المركزي قد أطلق منصة سندك (والتي تعني "دعمك" باللغة العربية) في عام 2023 لشكاوى المستهلكين المصرفيين. وبموجب القانون الجديد، تصبح سندك منصة موحدة لتسوية النزاعات لكل من الشكاوى المصرفية والتأمينية.
وأوضح دخل الله أنه يمكن للعملاء الآن تقديم الشكاوى عبر الإنترنت أو عبر تطبيقات الهاتف المحمول، وتشمل:
الخدمات المصرفية (القروض، بطاقات الائتمان، المدفوعات، الرسوم، إلخ).
مطالبات التأمين ونزاعات التغطية.
سوء البيع، التأخير، أو عدم استجابة المؤسسات المالية.
تبدأ عملية تسوية النزاعات ذات المراحل الثلاث بالتعامل الداخلي مع الشكوى، تليها التصعيد إلى منصة سندك، وأخيراً لجنة قضائية متخصصة. بالنسبة للنزاعات التي تصل إلى 100,000 درهم إماراتي، يكون حكم اللجنة نهائياً وقابلاً للتنفيذ.
ولخّص التغيير بقوله: "قانون واحد، جهة تنظيمية واحدة، منصة شكاوى واحدة (سندك)، وقرارات قابلة للتنفيذ".
في خطوة تتماشى مع الاتجاهات العالمية للاستدامة، أصبح المصرف المركزي يتمتع الآن بولاية قانونية لدمج مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) في أنشطته وعملياته.
وأشار دخل الله إلى الدور الموسع للجهة التنظيمية في أن يكون لديها "تفويض للتمويل المستدام، حيث أصبحت أهدافها الرئيسية تشمل دمج مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في أنشطة وعمليات المصرف المركزي".
أمام المؤسسات المالية والمشاركين في السوق عام واحد للامتثال للمتطلبات الجديدة، على الرغم من إمكانية منح تمديدات. أشار دخل الله إلى أن الكيانات غير المرخصة يجب أن تحدد ما إذا كانت الآن تقع تحت قواعد ترخيص المصرف المركزي، وأن البنوك ستحتاج إلى تعزيز التدقيق في مكافحة غسيل الأموال، وعمليات "اعرف عميلك" (KYC)، وعمليات الإبلاغ.
كما سيتعين على مزودي خدمات الأصول الافتراضية ومؤسسات التمويل الإسلامي التوافق مع الهيكل الإشرافي الجديد، بما في ذلك الرقابة من قبل الهيئة العليا الشرعية.