

أوزما شودري ورينا شاجهان
عندما انهار أحد المرشحين الباحثين عن عمل بالبكاء بعد رفضه، لم تستطع أوزما شودري أن تتجاهل الموقف وتمضي قدماً، رغم أنها كمديرة للموارد البشرية في مجموعة "ألياس" شاهدت العديد من حالات الرفض خلال مسيرتها المهنية، إلا أن ذلك اليوم كان مختلفاً تماماً.
قالت شودري: "كان المرشح في حالة انهيار. قال إنه لا يعرف كيف سيخبر عائلته، وبدأ بالبكاء. حاولت مواساته، لكن بعد أن غادر، لم أستطع التوقف عن التفكير في الأمر. عندها أدركت أنني أريد أن أفعل شيئاً حقيقياً يمكن أن يساعد أشخاصاً مثله في العثور على وظائف، لا مجرد التقديم إليها فقط."
تلك اللحظة المؤثرة أصبحت الشرارة الأولى لمبادرة "مهمة التوظيف" (Mission Employment)، التي تحولت اليوم إلى مجتمع مزدهر يربط بين الباحثين عن عمل وأصحاب الوظائف في دولة الإمارات، قائم كلياً على النية الطيبة والخبرة المهنية.
شاركت أوزما فكرتها مع صديقتها رينا شاجهان، وهي خبيرة موارد بشرية تعمل في شركة "عزيزي للتطوير العقاري". التقت المرأتان من خلال الدوائر المهنية، وسرعان ما وجدتا انسجاماً كبيراً بينهما بفضل شغفهما المشترك بمساعدة الناس وتحقيق الأثر الإنساني.
قالت رينا: "عندما أخبرتني أوزما بما حدث، كنت أعلم تماماً كيف شعر ذلك الشخص. لقد مررت بنفس التجربة، غريبةً ووحيدةً في مدينة جديدة. ذكّرني الموقف ببداياتي الصعبة. لذلك وافقت فوراً على المضي في الفكرة."
بدأتا بهدف بسيط: إنشاء شبكة مجانية وشفافة تتيح تواصلاً مباشراً بين المهنيين في الموارد البشرية، والمجندين، والباحثين عن العمل — من دون رسوم، أو وسطاء، أو وعود زائفة.
ما انطلقت كمجموعة صغيرة على "واتساب" سرعان ما فاق كل التوقعات. وقالت رينا: "في أول 24 ساعة، انضم أكثر من ألف شخص. وبنهاية الأسبوع الأول وصل العدد إلى خمسة آلاف. وبعد أشهر قليلة تجاوزنا مئة ألف عضو."
أصبحت "مهمة التوظيف" اليوم منظومة تمتد عبر واتساب ولينكدإن ومنصات أخرى، حيث ينشر الباحثون سيرهم الذاتية، ويشارك المجندون الوظائف الشاغرة، ويتطوّع محترفو الموارد البشرية لتقديم الدعم والإرشاد.
وأضافت رينا: "حوالي 80% من الأعضاء هم باحثون عن عمل، و20% منهم من خبراء الموارد البشرية والمجندين. هذا التوازن يجعل المجموعة مكتفية ذاتياً، فالناس يساعدون بعضهم بعضاً كل يوم."
وكان تأثير هذه المبادرة لافتاً. فقد حصل العديد من أعضائها على وظائف جديدة، فيما تمكن آخرون من الحصول على توصيات وفرص مقابلات وحتى الدعم المعنوي. وغالباً ما تتلقى أوزما ورينا رسائل مؤثرة من أشخاص تغيّرت حياتهم بفضل هذا المجتمع.
قالت أوزما: "كانت هناك سيدة على وشك مغادرة الإمارات بعد فقدان عملها، لكنها وجدت وظيفة جديدة عبر المجموعة في الوقت المناسب للبقاء. أخبرتنا أننا لم نمنحها وظيفة فقط، بل منحناها الكرامة وفرصة لإعادة بناء حياتها."
وتروي رينا موقفاً آخر: "شاب حديث التخرج كان قد تعرض للرفض مراراً. قال لنا إن منشوراً واحداً في مجموعتنا غيّر كل شيء. عندها فقط تدرك أن هذه الأرقام تمثل أشخاصاً حقيقيين يستعيدون الأمل من جديد."
على الرغم من انشغالهما بوظائفهما الكاملة في الموارد البشرية، إلا أن أوزما ورينا تخصصان ساعات من وقتهما مساءً لإدارة المجتمع، ومراجعة السير الذاتية، والتحقق من إعلانات الوظائف، وربط المرشحين بالفرص المناسبة.
قالت أوزما: "غالباً ما يسألنا الناس كيف ننجح في الجمع بين العمل والإدارة. لكن عندما تحب ما تفعله، تجد الوقت له. نحن نعتبر هذا عملاً خيرياً واجباً علينا."
وأضافت: "الموارد البشرية ليست مجرد توظيف. إنها تدور حول فهم الإمكانات البشرية ومنح الناس الفرصة لإثبات أنفسهم. مهمة التوظيف تتيح لنا استخدام هذه القوة في الخير."
ولدت رينا ونشأت في البحرين، وقصتها مثال على الإصرار والمثابرة. بعد انتقالها إلى الهند في عمر الثانية عشرة، واجهت صعوبات ثقافية وتعليمية جعلتها تتراجع أكاديمياً. قالت: "كنت طالبة متفوقة، ثم أصبحت عادية فجأة، لكن تلك المرحلة علمتني الصبر والمرونة."
انتقلت من تخصص العلوم إلى التجارة، واكتشفت شغفها بالعمل مع الناس، ثم تابعت دراستها العليا في دلهي. ورغم أنها لم تحصل في البداية على قبول بجامعة "جمال مليا الإسلامية" بفارق نصف درجة فقط، فإنها لم تستسلم، وتمكنت لاحقاً من نيل درجة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة نفسها.
عملت رينا مع منظمات غير حكومية، وتدربت في "غوغل"، ثم التحقت بـ"أمازون" قبل أن تنتقل إلى دبي بتأشيرة زيارة دون أن تعرف أحداً هناك. تقول: "حصلت على عرض عملي الأول خلال ثلاثة أيام فقط. لذلك أؤمن تماماً بضرورة مساعدة الآخرين في إيجاد فرصهم."
أوضحت رينا وأوزما أن أكبر عدد من التعيينات تم عبر قطاعات العقارات، والضيافة، والتجزئة، وخدمة العملاء، والرعاية الصحية، واللوجستيات. وهناك أيضاً تزايد في الطلب على مجالات التسويق، والموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتمويل، خصوصاً في المستويات الإدارية المتوسطة والمبتدئة.
نجحت المبادرة في ربط المرشحين بفرص واقعية، بما في ذلك وظائف مرموقة.
خلافاً للمنصات الوظيفية التقليدية، تعتمد "مهمة التوظيف" على الثقة والتحقق الشخصي. إذ يتم تدقيق كل إعلان وظيفة في المجموعة من قبل أوزما أو رينا أو أعضاء من مسؤولي الموارد البشرية المعتمدين.
يُشجَّع المجندون على التواصل المباشر مع المرشحين، كما يتم جمع الملاحظات باستمرار لضمان الشفافية.
قالت أوزما: "تعرض الناس مراراً للاحتيال من قبل مجندين وهميين. أردنا أن نخلق مساحة آمنة، حيث يمكن للناس الوثوق بأن الوظائف حقيقية وأن من يقف وراءها يهتم بالفعل بمساعدتهم."
أسهمت هذه الموثوقية في بناء ولاء ومصداقية كبيرة. وأصبح العديد من الشركات الآن تتواصل مباشرة معهم لملء الشواغر. كما يجد المجندون في المجموعة وسيلةً سهلة وسريعة للعثور على المرشحين المناسبين.
من خلال عملهما، اكتسبت رينا وأوزما فهماً عميقاً لمشهد التوظيف في الإمارات. قالت رينا: "السوق هنا يتحرك بسرعة ويعتمد على العلاقات بشكل كبير. كثير من الوظائف تُملأ من خلال التزكيات قبل نشرها. الرؤية والاتصال هما كل شيء، وهذا بالضبط ما توفره (مهمة التوظيف) للناس."
وأوضحت أن نجاح المبادرة ألهم ظهور مجتمعات مشابهة في أنحاء المنطقة، لكن ما يميز "مهمة التوظيف" هو روحها الإنسانية.
قالت أوزما: "نحن لا نكسب درهماً واحداً من هذا العمل. هدفنا هو العطاء. كل رسالة شكر نتلقاها تساوي أكثر من أي مقابل مادي."
أشارت رينا إلى أن مديرها في الموارد البشرية، سانديب باثانيا، كان مصدر دعم وتشجيع دائم في بناء هذا المجتمع. وقالت إن إيمانه بالمبادرة لعب دوراً كبيراً في استمرار حماسها لتحقيق رسالتها. وأضافت: "أحياناً، كلمة تشجيع واحدة يمكن أن تترك أثراً هائلاً. النجاح ليس مجرد الارتقاء بنفسك، بل رفع الآخرين معك في طريقك."