58 يوماً حوّلت محطة البريرات إلى متحف
58 يوماً حوّلت محطة البريرات إلى متحف

متحف البريرات: من محطة تحلية مهجورة إلى منارة تعليمية

كشفت المبادرة عن قطع أثرية نادرة مثل صور الشيخ زايد وهو يفتتح محطة البريرات في سبعينيات القرن الماضي.
تاريخ النشر

انقلب حال أقدم محطة لتحلية المياه في الإمارات العربية المتحدة رأساً على عقب! ففي غضون 58 يوماً فقط، تحوّلت محطة البريرات، التي كانت يوماً تغطيها الرمال والأنقاض، إلى متحف تعليمي نابض بالحياة ومركز للابتكار. الموقع الذي يعود تاريخه إلى سبعينيات القرن الماضي، والذي كان طريق الوصول إليه شبه مستحيل، بات اليوم منارة للمعرفة والإبداع.

أما اليوم، فقد بات المتحف بمثابة كبسولة زمنية، تأخذ زوارها في رحلة عبر تطور تكنولوجيا تحلية المياه، تلك العملية التي تزيل الملح والمعادن من الماء لجعله صالحاً للشرب والري وحتى الاستخدامات الصناعية.

ولا تقتصر أهمية محطة البريرات على كونها شاهداً على تطور تقنيات تحلية المياه، بل تمتد لتشمل قيمتها التاريخية والأثرية كمصدر حيوي للمياه في المنطقة. فبئر "طوي البريرات" العريق، والذي يعود تاريخه لمئات السنين، ما زال قائماً ليروي قصة الأجيال التي ارتوت من مائه. ولأنّ الماضي والحاضر يلتقيان في هذا الموقع الفريد، فقد برزت فكرة تحويله إلى منارة تعليمية، تُلهم طلاب المدارس والمهندسين الطموحين، وتُعرّفهم على التباين الكبير بين تقنيات تحلية المياه قديماً وحديثاً.

مع تزايد الطاقة الاستيعابية لمحطات التحلية الأخرى في المناطق الشمالية، انطفأت أنوار محطة البريرات، ليُحال هذا الصرح إلى التقاعد. ولكن بدلاً من أن يُترك للمجهول، تم تحويل الموقع إلى مركز توزيع هائل، تبلغ سعته التخزينية 50 مليون جالون، ليصبح ثاني أكبر مركز توزيع في الإمارة بعد مركز الخريجة، وليشكّل بذلك حلقة وصل أساسية في شبكة الاتحاد للماء والكهرباء.

رؤية تحققت في وقت قياسي

وقالت عائشة سالم السويدي، مديرة مشروع متحف الاتحاد للماء والكهرباء: "بدأ المشروع في أبريل 2024، عندما قام الرئيس التنفيذي لشركة الاتحاد للماء والكهرباء، يوسف آل علي، وشيخة مراد البلوشي، نائبة الرئيس الأول للموارد البشرية والشؤون الإدارية، بزيارة الموقع. في البداية، بدت الفكرة شبه مستحيلة".

ولم تكن رحلة تحويل المحطة إلى متحف مفروشة بالورود، فقد واجه الفريق تحديات جمة، كان من أبرزها إنشاء مدخل لخزان المياه الأصلي الذي بُني عام 1977. وتستذكر السويدي تلك اللحظات قائلة: "استغرق الأمر أسبوعاً كاملاً لقطع فتحة في الخزان، لنتمكن من تقييم مدى صلاحيته". لكن على الرغم من هذه العقبات، مضى الفريق قدماً بعزيمة لا تلين، وعملوا بلا كلل في نوبات امتدت على مدار 24 ساعة، حتى في عطلات نهاية الأسبوع، لينجزوا هذا المشروع الطموح في أقل من شهرين.

بعد تخطّي هذا التحدي الأول، انطلق المشروع كالسهم! ففي غضون 58 يوماً فقط، تحوّلت المساحة بأكملها، وأضيفت إليها المناظر الطبيعية، ورُصفت أرضها ببلاط متشابك أنيق، ليحلّ مكان الصحراء والرمال التي كانت تغطيها سابقاً. لم يعرف فريق العمل الكلل، فواصلوا العمل ليلاً نهاراً، حتى في عطلات نهاية الأسبوع، ليكتبوا سطور قصة نجاح مذهلة، ويُتمّوا هذا المشروع في وقت قياسي.

الحفاظ على التاريخ، وإظهار الابتكار

كما تمكنت المبادرة من اكتشاف قطع أثرية نادرة، مثل صور تعود إلى ستينيات القرن الماضي وصور لسمو الشيخ زايد رحمه الله وهو يفتتح محطة البريرات في السبعينيات. وجاءت هذه الاكتشافات القيّمة ثمرةً للتعاون المثمر بين الموظفين والأرشيفات المحلية، وحتى محطات التلفزيون الوطنية.

لم يقف طموح القائمين على هذا المشروع عند حدود تحويل المحطة إلى متحف فحسب، بل تجاوز ذلك ليشمل تنظيم ورش عمل وبرامج تعليمية مخصصة للطلاب والمهندسين. وأضافت السويدي: "لقد تطوّرت الفكرة لإنشاء مركز للطاقة والابتكار، ونحن الآن نتعاون مع الجامعات والمدارس والهيئات المحلية والاتحادية لنجعل من هذا المكان مساحة تعليمية ديناميكية".

ولكن هذا التحوّل ليس سوى الفصل الأول من قصة نجاح ممتدة! فالمرحلتان الثانية والثالثة من المشروع، والمقرر إتمامهما بحلول العام المقبل، ستشهدان المزيد من التوسّع، وإضافة برامج تعليمية متقدمة.

وأشارت السويدي إلى الجهود الدقيقة التي بُذلت للحفاظ على أصالة الموقع، قائلة: "لم نكن نتوقع العثور على معدات تعود إلى ستينيات القرن الماضي، ولكنها كانت بمثابة كنز تراثي ثمين. فمن المخططات القديمة المكتوبة بخط اليد، إلى الرسومات الهندسية التفصيلية، اكتشفنا العديد من القطع الأثرية المحفوظة داخل المحطة."

ويضم المتحف مقتنيات نادرة، بما في ذلك ملاحظات مكتوبة بخط اليد، وأدلة فنية، ومعدات من أيام تشغيل المحطة. ومن بين أبرز هذه المقتنيات، خرطوشة الكمبيوتر الأصلية المستخدمة لتوثيق اكتمال المشروع في عام 1981. وأضافت السويدي: "تحكي هذه المقتنيات قصة الأشخاص الذين عملوا في هذا المشروع والشركة التي أدارت المحطة".

وكشفت السويدي عن خطط طموحة لتركيب ألواح شمسية خلال الأشهر المقبلة، لتزوّد المتحف بالكامل بالطاقة النظيفة، وتعتبر هذه الخطوة هي الأولى في رحلة تحويله إلى مركز شامل للطاقة الشمسية.

وصُمّم المتحف ليكون بمثابة جسر يربط بين ماضي الابتكار في مجال الطاقة، وحاضره المزدهر. ويشمل الترميم ثلاثة معالم رئيسية داخل الموقع: محطة تحلية المياه، وخزان مياه تاريخي يعتبر الآن كقلب المتحف، وبئر يعود تاريخه إلى قرون مضت يقع داخل حصن في المبنى.

وقالت السويدي: "هدفنا هو إنشاء مساحة تعكس تطور خدمات المياه والطاقة مع احتضان التقنيات المستقبلية". وتتوافق المبادرة مع أهداف الاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة وتقدم لمحة عن الابتكار الذي شكل الدولة.

ويؤكد تحويل هذا الموقع التاريخي التزام رأس الخيمة بالحفاظ على تراثها مع دفع عجلة التقدم المستدام.

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com