سوق الاكتتابات في الإمارات يواصل صعوده مدفوعاً بثقة المستثمرين والإصلاحات التنظيمية

زخم قوي يعزز مكانة الدولة كمركز إقليمي لجذب رؤوس الأموال مع توسع قطاعات جديدة واستقرار اقتصادي مستدام
سوق الاكتتابات في الإمارات يواصل صعوده مدفوعاً بثقة المستثمرين والإصلاحات التنظيمية
تاريخ النشر

يواصل مشهد الاكتتابات العامة الأولية في دولة الإمارات العربية المتحدة تعزيز قوته مع استفادة الشركات من شهية المستثمرين القوية والإصلاحات التنظيمية والظروف الاقتصادية الكلية الداعمة.

في وقت شهدت فيه أنشطة الاكتتابات العامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) 11 اكتتاباً جمعت حوالي 0.7 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2025، تظل الإمارات واحدة من أكثر الأسواق مراقبة في المنطقة، مع توقعات بأن تشهد الأسواق سلسلة جديدة من الطروحات خلال الفصول القادمة.

وفقاً لتقرير "إي واي IPO Eye" للربع الثالث من عام 2025، ارتفع عدد الاكتتابات العامة الأولية في المنطقة الأوسع بنسبة 120% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مدفوعاً بشكل كبير بالاكتتابات متوسطة الحجم.

في حين حافظت المملكة العربية السعودية على أعلى حجم من الإصدارات بواقع ثمانية اكتتابات جمعت 637 مليون دولار، فإن زخم دولة الإمارات يكمن في نظامها البيئي القوي المتسع: عمق السوق المتزايد، ومشاركة قطاعات جديدة، والتحسينات التنظيمية التي تستمر في توسيع قاعدة المصدِّرين والمستثمرين على حد سواء.

خلال السنوات الثلاث الماضية، أعادت الإمارات ترسيخ مكانتها كأحد أكثر الوجهات نشاطاً للاكتتابات العامة خارج آسيا. وساهمت الاكتتابات البارزة لكيانات تعمل في قطاعات المرافق والعقارات واللوجستيات وخدمات الطاقة والتكنولوجيا، إلى جانب الأداء القوي للأسهم بعد الإدراج في تعزيز ثقة المستثمرين. وقد استفاد كل من سوق دبي المالي (DFM) وسوق أبوظبي للأوراق المالية (ADX) من البرامج الحكومية التي تشجع الكيانات المرتبطة بالدولة والشركات العائلية على الطرح العام، في حين تتجه الشركات العاملة في المناطق الحرة والقطاع الخاص بشكل متزايد إلى دراسة خيارات الإدراج كجزء من استراتيجياتها التوسعية.

يشير محللون في السوق إلى أن السيولة في أسواق الأسهم الإماراتية قد تحسنت بشكل ملموس، مدعومة بزيادة مشاركة المستثمرين المؤسسيين وصناديق الثروة السيادية.

واستقطب سوق أبوظبي المالي على وجه الخصوص تدفقات دولية قوية بفضل الإصدارات الكبرى وتحسينات البنية التحتية للتداول، بينما شهد سوق دبي المالي عودة مشاركة المستثمرين الأفراد المحليين والإقليميين. وقد وفرت التقييمات الجاذبة، وسياسات توزيع الأرباح المستقرة، ووضوح الأرباح بين الشركات المدرجة أساساً متيناً لاستمرار الثقة في السوق.

يُذكر أن الربع الثالث من عام 2025 تميز بالأداء القوي للبورصات عبر المؤشرات الإقليمية الرئيسية. فقد ارتفع مؤشر MSCI للأسواق الناشئة بنسبة 25% خلال هذه الفترة، بينما سجل مؤشر البورصة المصرية EGX30 مكاسب بنسبة 23.3%، وصعد مؤشر السوق الأول لبورصة الكويت بنسبة 19.6%.

تعكس هذه المكاسب صمود المستثمرين رغم التغيرات في معدلات الفائدة العالمية واستمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي في المشهد الكلي. وفي ظل هذا المناخ، برزت الإمارات كسوق مستقرة ويمكن التنبؤ بها للمستثمرين الباحثين عن فرص استثمار طويلة الأمد في نمو إقليمي متنوع.

من السمات البارزة للدورة الحالية تنوع القطاعات التي تستعد للطرح. ففي الإمارات، تستعد شركات تعمل في مجالات المقاولات والبنية التحتية، وخدمات التعليم، ولوجستيات الطاقة، والتصنيع المتقدم، والتكنولوجيا، والخدمات الاستهلاكية، لمراحل مختلفة من التحضير للاكتتاب العام. وقد برهن طرح "أليك القابضة" الناجح في سوق دبي المالي خلال أكتوبر 2025 على ثقة المستثمرين في قطاع المقاولات وتسليم المشاريع في وقت يشهد نمواً قوياً في مجالي العقارات والبنية التحتية.

كما تشير البيانات إلى نشاط متزايد قادم في المنطقة الأوسع للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تستعد تسع عشرة شركة وصندوقاً للإدراج في الأسواق، منها 13 في السعودية. وتشمل هذه الشركات قطاعات التعليم والتجزئة والخدمات المتنوعة، ما يعكس استمرار التطور في القطاعات غير النفطية.

وتستعد أيضاً شركات في الجزائر والمغرب لطرح أسهمها في الأسواق العامة بعد الحصول على الموافقات التنظيمية، في مؤشر على توجه أوسع نحو تعزيز تكوين رؤوس الأموال في المنطقة.

لعبت الإصلاحات التنظيمية دوراً محورياً في تعزيز جاذبية الأسواق. فقد قامت دولة الإمارات بتحديث قواعد حوكمة الشركات لتوفير مزيد من المرونة لمجالس الإدارة في هيكلة المناصب القيادية العليا ضمن متطلبات إشراف محددة. وفي المقابل، يجري في السعودية التشاور بشأن تعديلات على لوائح صانعي السوق وحدود الملكية الأجنبية، تهدف إلى تحسين الشفافية والسيولة والاستقرار عبر أسواقها المالية. وتتماشى هذه الخطوات مع معايير الأسواق المالية العالمية، ومن المتوقع أن تعزز مشاركة المستثمرين الأجانب.

وفي الإمارات تحديداً، يتماشى مسار الاكتتابات العامة مع استراتيجية الدولة لتنويع الاقتصاد. فتوسيع قاعدة الشركات المدرجة يساعد على دعم نمو القطاع الخاص، وتعميق السيولة في الأسواق، وتوجيه المدخرات المحلية نحو استثمارات منتجة. كما يتيح هذا للشركات الإماراتية الوصول إلى رأس المال اللازم لتسريع طموحاتها في النمو الإقليمي والعالمي.

تبقى ثقة المستثمرين إيجابية مع دخول الربع الأخير من العام واقتراب عام 2026، مدعومة بأسس اقتصادية مستقرة، وأداء قوي للأرباح في القطاعات الرئيسية، وتوسع حكومي في مشاريع البنية التحتية والصناعة.

ويرى المحللون أن الاكتتابات العامة في الإمارات أظهرت أداءً مستقراً بعد الإدراج، مدعوماً بوضوح سياسة توزيع الأرباح والطلب القوي في القطاعات الرئيسة، وهي عوامل يوليها المستثمرون المؤسسيون أولوية قصوى.

ويؤكد مراقبون للسوق أن بيئة الاكتتابات العامة في الإمارات أصبحت أكثر نضجاً، إذ باتت الشركات أكثر استراتيجية في توقيت الطرح، والإفصاحات، وتحديد التقييمات. ويعكس ذلك انتقال السوق إلى مستوى أكثر تنافسية، وأكثر عالمية في قاعدة المستثمرين، وأكثر انضباطاً في تخصيص رأس المال.

ومع وجود خط قوي من الطروحات المقبلة، وزخم تنظيمي مشجع، وتحسن في مستويات السيولة، يتوقع أن تظل أسواق رأس المال الإماراتية محركاً رئيسياً لنشاط الاستثمار والنمو المؤسسي في المنطقة. وتشير الدورة الحالية إلى أن هذا الاتجاه ليس مؤقتاً بل هيكلياً، ما يرسخ مكانة الإمارات كمركز عالمي صاعد لأسواق رأس المال.

موصى به

No stories found.
Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com