"رواق عوشة": تكريم مستمر لرائدة تعليم إماراتية
لقد ظل مركز رواق عوشة بنت حسين الثقافي والتعليمي شامخاً في الإمارات العربية المتحدة لأكثر من ثلاثة عقود كمنارة للتعليم والمعرفة. من الدورات التدريبية في تكنولوجيا المعلومات والترميز الطبي إلى اللغة العربية والقرآن الكريم، وقدم المعهد تدريباً عالي الجودة لآلاف الأشخاص في مختلف مناحي الحياة.
بالنسبة لمؤسستها الدكتورة موزة عبيد غباش المهيري ، فإن المعهد هو تكريم خالد لأهم امرأة في حياتها - والدتها، عوشة بنت حسين بن ناصر لوتاه .
قالت الدكتورة موزة في حديثها لصحيفة خليج تايمز : "كانت شخصية مؤثرة وقوية، وكان منزلنا دائماً مزدحماً بالضيوف الذين يأتون لسؤالها عن رأيها في أي قضايا تتعلق بالأعمال أو القضايا الشخصية، كانت على دراية كبيرة بجميع الأمور، بما في ذلك السياسة. في الخمسينيات، عندما كانت الثورة المصرية مستمرة، كانت تجلس وتستمع إلى الأخبار على الراديو كل يوم لتبقى على اطلاع بأحدث الأحداث. عملت بصمت في العديد من الأنشطة الخيرية. كانت أيضاً شاعرة غزيرة الإنتاج. كانت شخصاً بارعاً جداً ".
كانت عوشة بنت حسين من أوائل النساء في مجتمع الإمارات اللاتي حصلن على تعليم رسمي، وكانت رائدة في مجالات عديدة، فلم تكتفِ بتلقي المعرفة بل نشرتها بين من حولها.
روح المبادرة
وتنسب الدكتورة موزة الفضل إلى أجدادها في ضمان تعليم والدتها. وقالت: "كان والدي تاجراً لللؤلؤ والذهب وكان يسافر كثيراً، وخاصة إلى الهند". "كانت جدتي تعرف أيضاً كيفية قراءة القرآن الكريم، وهو أمر نادر جداً في عصرها. قرروا أن والدتي، التي ولدت في عام 1943، بحاجة إلى تعليم رسمي، وأحضروا شيخاً (معلماً) من المملكة العربية السعودية لتعليمها القرآن الكريم واللغة العربية والأدب والشعر والتاريخ والرياضيات".
وبعد زواجها، أسست عوشة شركتها العقارية الخاصة، لتصبح واحدة من أوائل رائدات الأعمال في هذه الصناعة. وتقول الدكتورة موزة: "طلبت من اثنتين من صديقاتها، الشيخة رفيعة والشيخة سناء، أن تكونا شريكتين لها، وبدأتا شركتهما. ولم تكن صديقاتها يعرفن حتى كيفية التوقيع بأسمائهن، وكانت والدتي هي التي علمتهن ذلك".
ولم تبدأ المدارس الرسمية في الدولة إلا في عام 1971، بعد قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة. وتقول الدكتورة موزة: "في ذلك الوقت، بدأت النساء الأكبر سناً أيضاً في الذهاب إلى المدارس في فترة ما بعد الظهر لإكمال تعليمهن الابتدائي والثانوي".
حياة من التعليم
بالنسبة للدكتورة موزة، فإن إحدى ذكرياتها الأولى هي تشجيع والدتها لها ولإخوتها على الدراسة. وقد أدى ذلك إلى حصول أربعة من الإخوة الستة على درجة الدكتوراه وشغلوا مناصب مرموقة في مختلف الهيئات الحكومية والخاصة. وقالت: "حصلت على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع، وحصل أخي على درجة التاريخ، وشقيقتي على درجة في الطب النفسي وشقيقي الآخر على درجة في السياسة. بالإضافة إلى ذلك، فقد كتبنا أيضاً على نطاق واسع، ونشرت 10 كتب حول المشاكل الاجتماعية وثقافتنا وهويتنا وتقاليدنا الإماراتية".
بعد تخرجها من المدرسة، سافرت الدكتورة موزة إلى الكويت للحصول على درجة البكالوريوس، ثم أمضت عاماً في واشنطن لإتقان اللغة الإنجليزية. وقالت: "بعد ذلك أمضيت سبع سنوات في القاهرة للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه. وعند عودتي إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 1987، حصلت على وظيفة أستاذة في جامعة الإمارات العربية المتحدة في العين حيث درّست النظرية الاجتماعية والأدب الإماراتي لأكثر من 30 عاماً".
وقالت أن والدتها شجعتها منذ الصغر على بناء مكتبتها الخاصة من الكتب. وأضافت: "في ذلك الوقت، لم يكن من السهل الحصول على الكتب. لذلك، كلما سافر إخوتنا إلى سوريا أو العراق، كانوا يحضرون معهم أكواماً من الكتب التي كنا نقرأها بنهم، كما كنا نوزع كتبنا على أي شخص يريد القراءة، كانت والدتنا تدفعنا إلى توسيع نطاق معرفتنا بكل طريقة ممكنة".
الموت المبكر
ولكن وفاة عوشة في عام 1992 كانت بمثابة الصدمة التي هزت عالم الدكتورة موزة. تقول: "لمدة أسابيع، لم أستطع حتى التفكير بشكل سليم، كنت أبكي طوال الوقت، وعندما مر شهر، قررت أن الوقت قد حان لوقف دموعي والقيام بشيء لتكريم إرث والدتي".
ومن هنا جاءت فكرة إنشاء معهد تعليمي، وقالت: "لم أستطع أن أفكر في أي شيء أكثر ملاءمة لها، فقد كانت دائماً مناصرة للتعليم". ومنذ إنشاءه، كان المركز الخيري والثقافي يقدم دروساً مجانية ويقوم بأنشطة خيرية في المجتمع، كما دعمت العديد من الحملات الفريدة بما في ذلك جائزة "أفضل أم" حيث طُلب من الطلاب ترشيح أمهاتهم والكتابة عن تضحياتهن.
وفي عام 2016، حصل المعهد على وقفية أصول تجاوزت 37 مليون درهم لمواصلة عمله النموذجي بالتنسيق مع مركز محمد بن راشد العالمي لاستشارات الوقف والهبة لتعزيز الوعي بأهمية دعم ثقافة دولة الإمارات العربية المتحدة.