
من الذاكرة :محمد بن راشد يكرم رشاد بوخش
صدر مؤخرًا كتاب جديد بعنوان "خطوط الحكايات" (Story Lines)، يوثق ذكريات وإنجازات 27 من كبار المواطنين والمقيمين الذين أسهموا في رسم ملامح العقود الأولى لدولة الإمارات، قبل أن تصبح الدولة العالمية التي نعرفها اليوم.
يضم الكتاب قصصًا متنوعة، منها حكاية فتى ساعد في إدارة أول سينما بأبوظبي في سن الثانية عشرة، وموظف حكومي اجتاز طريق الصحراء بين دبي وأبوظبي حين كان هناك حاجز جوازات، ورجل عمل لأكثر من 50 عامًا لدى جهة واحدة في الدولة. الكتاب هو ثمرة مبادرة مجتمعية استمرت عامين، أطلقتها غرفة التجارة الأمريكية بأبوظبي بالتعاون مع دار "أحبك" للنشر، بهدف مكافحة عزلة كبار السن وحفظ التاريخ الشفهي للإمارات.
شارك في الكتاب إماراتيون ومقيمون من الهند والأردن وبريطانيا ودول أخرى، ودوّنوا ذكرياتهم عبر ملاحظات مكتوبة بخط اليد، أو تسجيلات صوتية، أو مقابلات شخصية. تولّى متطوعون، معظمهم من الشباب، جمع هذه القصص وتفريغها، في فسيفساء من اللغات والأساليب.
من بين الرواة الدكتور أحمد الخوري، الذي يتذكر طفولته حافي القدمين في أبوظبي خمسينيات القرن الماضي، حين كان الماء يُستخرج من الآبار الضحلة والكتب تُتشارك بين خمسة طلاب. في سن الثانية عشرة ساعد في إدارة أول سينما في الإمارة مع عمه، وبعمر 14 بدأ العمل في ما سيصبح لاحقًا شركة أدنوك. يروي: "كنت أرتدي الحذاء فقط في الصف، أما في الاستراحة فأخلعه لأن الرمل كان أنعم". ويتذكر أيضًا حفر الآبار وتعلم الصيد بالبندقية الهوائية: "الشرطة كانت تطاردني، لكنهم لم يمسكوا بي قط، كانت بنادقهم ثقيلة وكنت أسرع". بتشجيع من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أكمل دراسته في بريطانيا، وحصل على الدكتوراه، ودرّب أجيالًا من المهندسين الإماراتيين، ولا يزال حتى اليوم، في سن 75، يجمع القطع الأثرية ويخطط لافتتاح متحف خاص.
أما رشاد بوخش، رئيس جمعية التراث العمراني الإماراتية، فيرى أن الكتاب دعوة لحفظ أكثر من مجرد المباني: "كتابة قصصنا مهمة جدًا، فهي ليست عن الأفراد فقط، بل عن قصة الوطن والإنسان، وعن مدى التطور الذي وصلنا إليه". يتذكر لعب كرة القدم مع أطفال الحي، وجمع الطوابع من صناديق القمامة، وصيد الخفافيش بمئاتها في منزل مهجور. ومن ذكرياته البارزة زيارته الأولى لأبوظبي عام 1968، حين كان هناك حاجز جوازات بين دبي وأبوظبي.
ويحكي فاروق مصباح، 76 عامًا، عن انتقاله من الهند إلى دبي عام 1973 ثم إلى أبوظبي، حيث عمل لأكثر من نصف قرن في شركة واحدة، وربّى تسعة أبناء أكملوا تعليمهم في الإمارات. يقول: "أبوظبي هي بيتي. لم يعد أحد إلى الهند، نحن مستقرون هنا".
يبرز المشروع أهمية التوثيق الثقافي في تعزيز الفهم بين الأجيال. وتقول غرفة التجارة الأمريكية بأبوظبي إن المبادرة تعكس رسالتها في تعزيز التلاحم المجتمعي. الكتاب متوفر للشراء عبر موقع "أحبك" للنشر بسعر 250 درهمًا، مع خطط لتوزيعه في المكتبات والمؤسسات المحلية. وقد أبدت شركات ومؤسسات تعليمية وثقافية اهتمامًا بالحصول عليه كهدايا ذات مغزى.
تقول مهناز أنشاه: "لم نكن نعرف كيف ننفذ هذا المشروع، لكنه كان ضروريًا. ونأمل أن يكون مجرد البداية".