حين ينادي الوطن: حكايات الإماراتيات بين دمعة الفقد وراية الفخر في ساحات الخدمة الوطنية

يتحدثن عن كيفية إلهامهن للخدمة في القوات المسلحة، والتغلب على التحديات بدعم من عائلاتهن
 تجربة تحولت إلى رسالة حياة، ونداء وطن، ومسار نضج وشخصية جديدة
تجربة تحولت إلى رسالة حياة، ونداء وطن، ومسار نضج وشخصية جديدة
تاريخ النشر

بكل فخر واعتزاز، تروي الإماراتيات اليوم قصصهن مع الخدمة الوطنية، تلك التجربة التي لم تكن في البداية حلماً يراودهن، لكنها تحولت إلى رسالة حياة، ونداء وطن، ومسار نضج وشخصية جديدة.

الإنتماء للوطن

كانت مريم عبد الله صالح البدري، ابنة الثامنة عشرة، تعيش حياة عادية في أبوظبي، لم يخطر ببالها يوماً أن ترتدي الزي العسكري أو أن تسلك طريقاً غير تقليدي لفتاة في عمرها. لكن القدر كان يحمل لها رسالة أعمق حين اختطف الموت والدها، الضابط في القوات المسلحة، شهيداً في عام 2022. لم يكن فقدان الأب حدثاً عابراً في حياة مريم، بل كان نقطة تحول، إذ شعرت أن مكانها الحقيقي هو حيث سطر والدها أسمى معاني التضحية، في صفوف الجيش، وفي خدمة الوطن الذي أحبّه حتى الرمق الأخير.

انضمت مريم إلى مئات الإماراتيات اللواتي اخترن بإرادتهن أن يحملن أمانة الدفاع عن الوطن. في مجتمع يُلزم الرجال بالخدمة الوطنية ويترك للنساء حرية الخيار، اختارت مريم أن تسلك الدرب الأصعب. كان البرنامج التدريبي يمتد أحد عشر شهراً، قضت منه ثمانية أشهر حتى الآن، تحولت خلالها من فتاة مدللة ومتمردة إلى شابة مسؤولة، مستقلة، قادرة على مواجهة التحديات. لم يكن الطريق سهلاً؛ الحنين إلى المنزل، الضغوط النفسية، صرامة التدريب، كلها اختبارات لصبرها وعزيمتها. لكنها وجدت في زميلاتها المجندات سنداً ودعماً، وفي كل يوم كانت تكتشف في نفسها قوة لم تكن تدري بوجودها.

مريم عبد الله صالح البدري
مريم عبد الله صالح البدري

اليوم، أصبحت مريم أكثر انضباطاً، وأكثر التزاماً بنمط حياة صحي ورياضي. تطمح لأن تلتحق بمدرسة المرشحين للضباط، وقد تحوّل قلق أهلها إلى فخر واعتزاز، وأصبحت أختها داعمتها الأولى. تقول بثقة: "الخدمة الوطنية ليست فقط اختباراً للقدرة البدنية، بل هي بناء للشخصية وصقل للذات، خاصة للمرأة الإماراتية".

في مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية بالعين، حيث تكمل مريم خدمتها، وجدت بيئة متكاملة للتدريب والسكن والتعليم، واكتشفت عالماً جديداً من الانضباط والالتزام.

استقلالية وثقة

أما كاملة محمد حسن البلوشي، ابنة العشرين من عجمان، فقد جاءها الإلهام من مشهد بسيط: فتيات إماراتيات بزيهن العسكري على تطبيق "تيك توك". رغم نشأتها الهادئة بين المنزل والجامعة، قررت أن تخوض التحدي. في البداية، كان الحنين إلى والدتها يؤلمها، لكن مع مرور الوقت، وجدت في نفسها استقلالية وثقة لم تكن تعرفها من قبل. لاحظت والدتها هذا التحول وبدأت تعتمد عليها أكثر. كاملة، التي تدرس الهندسة الكهربائية، أوقفت دراستها الجامعية لتتفرغ للخدمة الوطنية، وتفكر اليوم في مواصلة مسيرتها العسكرية إذا سنحت الفرصة. واجهت حرارة الصيف القاسية، والروتين الصارم، لكنها تجاوزت كل ذلك بدعم زميلاتها والمدربين، واكتسبت مهارات قيادية وثقة بالنفس لا تقدر بثمن.

 فاطمة أحمد العبري
فاطمة أحمد العبري

نداء الوطن

أما فاطمة أحمد العبري، ابنة الأربع والعشرين من العين، فقد كانت تحلم بمستقبل إعلامي لامع. لكن نداء الوطن كان أقوى، وبدعم من والدتها، التحقت بالخدمة الوطنية، لتكتشف هدفاً جديداً في الحياة. خرجت من التجربة أكثر انضباطاً وثقة، وقادت فريقها باحترام وفخر. لم تتخل عن حلمها في الإعلام، بل تخطط للعودة إليه بعد انتهاء الخدمة، وتحث الفتيات على خوض التجربة دون خوف. من أكثر اللحظات التي تعتز بها مشاركتها في "وقفة ولاء" يوم الثاني من ديسمبر، حيث وقفت أمام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، واغرورقت عيناها بالدموع فخراً واعتزازاً. تابعت تفاعل الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، وشعرت أن مشاركتها كانت من أعمق الإنجازات في حياتها.

إيمان وثقة

أما دانة هلال الشامسي، ابنة التاسعة عشرة من الشارقة، فقد كانت تخطط للالتحاق بالجامعة بعد الثانوية، لكن والدها شجعها على الانضمام للجيش. كان التغيير صعباً: روتين جديد، انضباط صارم، صباحات باكرة، وتغيّر كامل في نمط الحياة. لكنها صمدت بدعم مدربيها، واكتشفت في نفسها قوة القيادة والتنظيم وحسن التواصل. مرت بلحظات ضعف فكرت فيها بالاستسلام، لكن إيمان والدها بها كان دافعها للاستمرار. اليوم، دانة أكثر ثقة بنفسها، وأكثر قدرة على مواجهة الحياة.

دانة هلال الشامسي
دانة هلال الشامسي

حكاية جيل جديد

يمتد البرنامج التدريبي للخدمة الوطنية أحد عشر شهراً، مقسماً إلى ثلاث مراحل: تأسيسية، متخصصة، وعملياتية. يتلقى المجندون تدريبات مكثفة في المشاة والأسلحة والرماية والهندسة، إلى جانب محاضرات أكاديمية صارمة، ويخضعون لاختبارات مستمرة تقيس تطورهم. شروط الالتحاق واضحة: الجنسية الإماراتية، العمر المناسب، اللياقة الطبية، موافقة لجنة الخدمة الوطنية، وموافقة ولي الأمر للإناث.

تجارب هؤلاء الفتيات ليست مجرد قصص فردية، بل هي حكاية جيل جديد من الإماراتيات اللواتي وجدن في الخدمة الوطنية منصة لصقل الذات، واكتشاف القدرات، وخدمة الوطن بروح عالية من الانتماء والفخر. إنهن اليوم أكثر قوة، وأكثر حضوراً، وأكثر إيماناً بأن خدمة الوطن شرف لا يضاهيه شرف.

موصى به

No stories found.
Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com