تحقيق النجاح بتحديد أهداف صغيرة قابلة للإنجاز
مع اقتراب العام الجديد، يضع العديد من الأشخاص أهدافاً طموحة، مثل الإقلاع عن العادات السيئة بين عشية وضحاها، أو تبني روتين مثالي، أو تحقيق أهداف حياتية رئيسية في غضون بضعة أشهر فقط.
ولكن هذه القرارات الكبيرة غالباً ما تؤدي إلى خيبة أمل، وتترك الناس يشعرون بالإحباط وانعدام الحافز. والآن يدعو الخبراء المقيمون في دبي إلى اتباع نهج مختلف: البدء بأهداف صغيرة والتركيز على أهداف قابلة للتحقيق.
وأكدّت "برونا مبارك"، المستشارة الاجتماعية في عيادة "ميدكير كامالي"، أن هذا النهج يفيد الصحة العقلية والمرونة العاطفية. وأوضحت: "إن الأهداف الصغيرة القابلة للتحقيق تعمل على تحسين الصحة العقلية من خلال تعزيز الشعور بالإنجاز والسيطرة. وعندما نحققها، فإنها تنشط نظام المكافأة في الدماغ، وتعزّز الثقة والدافع. يساعد هذا الاتساق في تنظيم الجهاز العصبي، وتقليل مشاعر الإرهاق، وبناء المرونة بمرور الوقت".
وتتفق "آن جاكسون"، مؤسسة "ون لايف كوتشينغ"، على أن تقسيم الأهداف إلى خطوات أصغر قابلة للتنفيذ يجعل تحقيق النجاح أكثر سهولة. وقالت "جاكسون": "إن محاولة معالجة الكثير من الأمور في وقت واحد أمر مرهق للغاية. وعندما يتم تحديد أهداف أصغر وأكثر واقعية، حينها تكون هناك فرصة للنجاح، مهما كان صغيراً، فالدافع يغذي الاستمرارية"".
قد تتضمن أمثلة الأهداف الصغيرة القابلة للتحقيق ما يلي:
شرب كوب إضافي من الماء يومياً لترطيب أفضل.
القراءة لمدّة 10 دقائق كل ليلة لبناء عادة القراءة.
ممارسة الامتنان لمدّة 5 دقائق كل صباح لتعزيز الإيجابية.
وقالت "مبارك": "حتى الإنجازات البسيطة يمكن أن تعزّز الثقة بالنفس، وتعزّز الشعور بالقدرة، وتحفّز على المزيد من التقدم. وتساهم هذه الانتصارات الصغيرة في تنظيم العواطف والصحة العقلية بشكل عام".
وسلطت "جاكسون" الضوء على كيفية بناء الأهداف الصغيرة. وأضافت: "الأمر أشبه بصعود سلم - كل خطوة صغيرة تقربك من القمة. عندما نركز على خطوة واحدة في كل مرة، تبدو الرحلة سهلة وأقل ترويعاً".
ولكن رغم حسن النوايا، فإن النكسات أمر لا مفر منه. ولا ينبغي أن يؤدي إخفاقك في تحقيق هدف ما إلى الشعور بالفشل. ويقترح الخبراء إعادة صياغة هذه اللحظات باعتبارها فرصاً للنمو. وأفادت "مبارك": "الفشل ليس عكس النجاح؛ بل هو جزء من العملية. وعندما تفشل في تحقيق هدف ما، فكر في الخطأ الذي حدث والتعديلات التي يمكنك إجراؤها. ومارس التعاطف مع الذات؛ وذكِّر نفسك بأن النكسات أمر طبيعي ولا تحدد قدرتك على النجاح".
وأكدّت "جاكسون" على أهمية المرونة. "إن عدم تحقيق هدف لا يعني أنك غير قادر؛ بل يعني ببساطة أنك تتعلم. إن تبني عقلية النمو ــ حيث تنظر إلى التحديات باعتبارها دروساً ــ يجعل من السهل التعافي والبقاء متحفزاً".
كما يمكن أن تساعد تقنيات مثل تمارين اليقظة الذهنية والتأريض الأفراد على التعامل مع العبء العاطفي الناتج عن عدم تلبية التوقعات. وأوضحت "مبارك": "تساعدك اليقظة الذهنية على البقاء حاضراً وتجنب التفكير في الماضي. إنها أداة تساعدك على إعادة ضبط نفسك وإعادة التركيز على ما يهم حقاً".
استراتيجيات عملية لتحديد الأهداف
وأوصت كل من "مبارك" و"جاكسون" باستخدام الهدف الذكي أو "سمارت" (SMART) لتحديد الأهداف:
حدد بوضوح ما تريد تحقيقه.
ابحث عن طرق لتتبع تقدمك.
حدد أهدافاً واقعية وقابلة للتنفيذ.
تأكد من أن أهدافك تتوافق مع قيمك وأولوياتك.
حدد مواعيد نهائية لتحمل مسؤولياتك.
ونصحت "مبارك" بالبدء بأهداف صغيرة يمكن تحقيقها بسهولة. على سبيل المثال، إذا كان قرارك هو ممارسة المزيد من التمارين الرياضية، فابدأ بالمشي لمدّة 10 دقائق يومياً بدلاً من الالتزام بجلسة تمرين في صالة الألعاب الرياضية لمدّة ساعة. فالتقدم التدريجي يمنع الإرهاق ويبني الثقة.
وسلطت "جاكسون" الضوء على أهمية المرونة. "الحياة غير متوقعة، لذا اسمح لنفسك بمساحة للتعديل. يجب أن تكون الأهداف بمثابة دليل، وليس مصدراً للتوتر. قم بمراجعتها وتعديلها حسب الحاجة للبقاء على المسار الصحيح دون إرهاق نفسك".
أدوات النجاح
إن دمج اليقظة والامتنان في روتينك اليومي يمكن أن يعزّز فعالية القرارات التي تتخذها. أضافت "مبارك": "تساعد اليقظة الأفراد على البقاء على اتصال بنواياهم، مما يعزّز الوضوح والالتزام. كما أنها تقلّل من القلق، ممّا يجعل من السهل التركيز على أهدافك دون الشعور بالإرهاق".
ويلعب الامتنان دوراً مهماً بنفس القدر. وأوضحت "جاكسون": "عندما نمارس الامتنان، فإننا نحول تركيزنا من ما ينقصنا إلى ما حققناه. وهذه العقلية الإيجابية تغذي الدافع وتشجعنا على الاستمرار في السعي لتحقيق المزيد". وأضافت "جاكسون" أن الممارسات البسيطة، مثل تدوين الإنجازات اليومية أو التوقف للتفكير فيما تشعر بالامتنان له، يمكن أن يكون لها تأثير عميق على رحلتك نحو تحسين الذات.
بناء المرونة
وفي نهاية المطاف، تشكل الجهود الصغيرة المتسقة الأساس للتغيير الدائم وتحسين الصحة العقلية. وصرّحت "مبارك": "إن العادات الصحية التي يتم إنشاؤها من خلال أهداف صغيرة تبني المرونة وتستعيد الشعور بالسيطرة. وهذا الشعور بالسيطرة أمر بالغ الأهمية بشكل خاص في عالم اليوم سريع الخطى، حيث التوتر وعدم اليقين شائعان".
وتابعت "جاكسون": "عندما نحتفل بالانتصارات الصغيرة، فإننا لا نحقق تقدماً فحسب، بل نطور أيضاً عادة الاعتراف بجهودنا. هذه العادة تبني الثقة وتعزز الاعتقاد بأننا قادرون على تحقيق أهدافنا، خطوة بخطوة".
مع حلول العام الجديد، تصبح الرسالة واضحة: مفتاح النجاح يكمن في البساطة. ابدأ بشكل صغير، وكن ثابتاً، واحتفل بكل خطوة إلى الأمام ــ لأن حتى أصغر تقدّم يمكن أن يؤدي إلى تحوّلات كبيرة.