العرب في المهجر يتمسكون بلغتهم عبر "تحدي القراءة"

عائلات في دول غير عربية تبذل جهوداً كبيرة لغرس حب العربية في أبنائها والحفاظ على الهوية الثقافية
صور KT: شهاب

صور KT: شهاب

تاريخ النشر

واجهت العائلات العربية المقيمة في الدول غير العربية تحدياً كبيراً يتمثل في الحفاظ على ارتباط أطفالها بلغتهم الأم، وقد جاء «تحدي القراءة العربي 2025» ليبرز جهود هذه العائلات المتميزة من خلال فئة «أبطال المجتمع» ضمن المسابقة التي تقترب من مرحلتها النهائية الكبرى.

يتنافس طلاب من مختلف أنحاء العالم على اللقب المنشود، مبرزين ليس فقط مهاراتهم في القراءة، بل كذلك شغفهم العميق باللغة العربية وتراثها الثقافي.

تُعد فئة «أبطال المجتمع» ركناً أساسياً من تحدي القراءة العربي، إذ توفر منصة للطلاب العرب في المهجر للتفاعل مع جذورهم الثقافية والمحافظة عليها.

يخوض المتأهلون، الذين نجحوا في المراحل الأولى من النسخة التاسعة للمسابقة، الآن عملية تقييم من قبل لجنة تحكيم متخصصة.

وسيحصل الفائز في هذه الفئة على جائزة قدرها 100 ألف درهم، بينما ينال صاحبا المركزين الثاني والثالث 70 ألفاً و30 ألف درهم على التوالي.

بالنسبة للكثير من هؤلاء الشباب، كانت رحلة الوصول إلى النهائيات مليئة بالتفاني والإصرار للحفاظ على هويتهم اللغوية والثقافية.

تقى عبد الخالق، وهي طالبة في السادسة عشرة من عمرها تمثل أستراليا، تعد مثالاً على هذا الالتزام، وقالت: «لم أرد أن أهمل اللغة العربية، كنت أريد أن أقول للعالم إن وقت إحياء اللغة العربية من الإهمال قد حان».

بدأت تقى القراءة في سن السابعة، لكنها تعترف بأن طفولتها الأولى كانت تعتمد أكثر على الاستماع، قائلة: «كنت أستمع أكثر مما أقرأ، لكن الأمور تطورت معي، ومكتبتي الصغيرة في أستراليا تطورت أيضاً».

وأكدت أن والدتها لعبت دوراً محورياً في جعل اللغة العربية حاضرة في حياتها: «حاولت أمي قدر الإمكان أن تكون اللغة العربية جزءاً من حياتي، سواء في المنزل أو مع الأصدقاء».

وأضافت أن الرسوم المتحركة والمسلسلات العربية ساعدتها كثيراً في تطوير لغتها.

قرأت تقى 25 كتاباً ضمن التحدي، فيما يتجاوز عدد الكتب التي قرأتها إجمالاً 50 أو 60 كتاباً، مشددة على أن التجربة كانت أهم من الجائزة نفسها: «حتى لو لم أفز، أعتقد أن التجربة رائعة وتعلمت منها الكثير»، مشيرة إلى أن التحدي علمها إدارة الوقت إلى جانب العمل والدراسة.

تشاركها الرأي جيهان محمد مراد، وهي طالبة جامعية في الثامنة عشرة من عمرها من إيطاليا عاشت في البلاد لمدة خمس أو ست سنوات.

قرأت أكثر من 500 كتاب، وتنسب حب القراءة لوالدها الذي ألهمها منذ طفولتها: «كنت أشعر بالفضول عندما أرى الكتب مصطفة على الرف الكبير، ودائماً أرغب في معرفة ما تحتويه من معلومات»، وأضافت: «والدي هو مصدر إلهامي في كل خطوة من حياتي، رغم أن والدتي هي الجندي المجهول وراءه».

نشأت رحلة جيهان مع القراءة في السعودية، حيث عاشت حتى الصف السادس وقالت: «كانوا يشجعوننا كثيراً على القراءة. كنت أقدم في مؤتمرات عديدة، ومن هناك بدأت أحب القراءة، خصوصاً الإلقاء الشعري والإنشاد».

أدى انتقالها إلى إيطاليا إلى مواجهة تحد كبير، إذ كان عليها التكيف مع الدراسة بالإيطالية مع الحفاظ على إجادتها للعربية.

وأوضحت أن الحفاظ على ارتباطها بالعربية في بيئة غير عربية يتطلب جهداً ووعياً: «بصراحة، كان التحدي صعباً، لكن وجود حاضنة أمر ضروري. قد تجد أصدقاء في المدرسة يتحدثون العربية لكنهم يخجلون من استخدامها لأن اللغة السائدة أجنبية. عند تكوين صداقات معهم وإنشاء مجتمع صغير في الدول الغربية، تتشاركون الثقافة وتتحدثون عن أفكاركم العربية الأصيلة، وبذلك تُرسَّخ اللغة أيضاً».

كان والدها يصطحبها باستمرار إلى أماكن تجمع العرب، مثل المراكز المجتمعية والمساجد.

كما أنها تشارك في منتدى شبابي عربي يناقش الأفكار الواردة في الكتب ويترجمها إلى الإيطالية: «نقول للعرب إن هناك علماً في إيطاليا تعالوا وتعلّموا، ونقول للإيطاليين أيضاً إننا لسنا أمة جاهلة تعيش في الصحراء كما يعتقدون».

وجهت جيهان نصيحتها للعرب المقيمين في الخارج قائلة: «استمروا وابحثوا عن حاضنة لأنفسكم وكونوا مجتمعاً، حتى لو كان من صديقين أو ثلاثة أصحاب فكر، ولا تخجلوا من التحدث بالعربية، فهي لغتكم وتمثل قضيتكم ومبادئكم».

رزان حسن المصري، طالبة في الصف الحادي عشر تبلغ من العمر 16 عاماً وتمثل الولايات المتحدة، روت قصة مشابهة في الإصرار.

رزان من أصول سورية، تعلمت العربية خلال مرحلة رياض الأطفال في الأردن قبل انتقالها إلى الولايات المتحدة في سن السابعة، وأضافت: «لكنني لم أتوقف عن تعلم العربية حتى عندما كنت في أمريكا».

وأشارت إلى أن والديها كانا الدافع الأكبر وراء استمرارها في تعلم اللغة، فهي تواصل حضور دروس العربية كل يوم أحد لتضمن عدم نسيان لغتها الأم: «هي لغة القرآن أولاً، ولغتك أيضاً، وأجمل القصائد والآيات كُتبت بها»، قالت.

وعن صعوبة الحفاظ على العربية في بيئة أجنبية، أوضحت: «المشكلة أن المجتمع حولك لا يتحدث العربية، بل لغة البلد أو الإنجليزية في المدرسة، لكن الأمر يعتمد على الأسرة والبيئة التي تعيش فيها. فإذا كنت في بيئة تحافظ على اللغة العربية والدين بشكل عام، فستحافظ على العربية وتسعى لتعلم المزيد».

وختمت قائلة: «البيئة التي أعيش فيها تتحدث العربية، عائلتي تتحدث العربية، وأنا أحاول القراءة وتعلم المزيد عن لغتي».

منظور الإمارات العربية المتحدة للحفاظ على اللغة

بينما تركز فئة «أبطال المجتمع» على الطلاب العرب في المهجر، يشمل التحدي الأوسع أيضاً مشاركين من الدول العربية.

ريم عادل الزرعوني، الطالبة الإماراتية ذات الثلاثة عشر عاماً من أبوظبي، قدمت رؤية مميزة حول الاعتزاز باللغة العربية في بيئات متعددة اللغات.

بدأ شغف ريم بالعربية منذ سن الثالثة، عندما تعلمت الحروف وبدأت القراءة. قالت: «والدي هو من غرس حب القراءة فيّ، ووالدتي هي من رعته».

شجعها والدها على قراءة الكتب العلمية والتجارية لصقل ثقافتها، بينما دعمتها والدتها في اختياراتها ومتابعة تقدمها.

وحول مسألة تحدث الأطفال بالإنجليزية أكثر من العربية، قدمت ريم رأياً عميقاً: «اللغة الإنجليزية مهمة، لكن يمكننا الإبحار في الثقافات والبقاء قريبين من الشاطئ لنعود إليه، أي إلى اللغة العربية. نصيحتي أن نظل دائماً متمسكين باللغة الأم. نتحدث الإنجليزية عند الحاجة، ولكن يجب أن تكون العربية لغة المشاعر، اللغة الأساسية في عالمنا، فهي لغة ذات إيقاع خاص».

من جانبه، أكد الدكتور فوزان الخالدي، مدير البرامج والمشروعات في مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، شمولية المبادرة واتساع نطاقها قائلاً: «تهدف المبادرة إلى تعزيز القراءة باللغة العربية بين الطلاب وجعلها عادة يومية في حياتهم».

يتعين على الطلاب ضمن التحدي قراءة وتلخيص 50 كتاباً خلال العام الدراسي خارج المنهج المدرسي.

وفي خطوة مهمة، دعت جامعة الدول العربية وزراء التربية في الدول العربية إلى اعتماد «تحدي القراءة العربي» ضمن مناهج اللغة العربية، وذلك في قرار صدر في 18 ديسمبر 2024 بالتزامن مع يوم اللغة العربية العالمي.

وأضاف الدكتور الخالدي: «نستهدف الدول العربية بالإضافة إلى الطلاب العرب الناطقين بالعربية وغير الناطقين بها المقيمين في الدول الأجنبية».

وأشار إلى النمو الملحوظ للمبادرة منذ انطلاقها: «بدأنا مع طلاب في العالم العربي، ثم توسعنا وأضفنا فئة جديدة هي فئة أصحاب الهمم، كما أضفنا فئة العرب المقيمين في الدول غير العربية».

الأرقام نفسها تعكس نجاح المبادرة: «منذ عام 2015، عندما انطلقت المبادرة بمشاركة 3.5 ملايين مشارك، وصل العدد اليوم إلى 32 مليون مشارك. هناك إقبال كبير، وهذا يدل على التعاون بين المؤسسة ووزارات التربية».

أوضحت خديجة الحوسني، وهي قاضية دولية في التحدي، معايير اللجنة قائلة: «لا نريد طالباً يحفظ شيئاً ويقدمه لنا، بل نبحث عن طالب متميز وقائد يقف بثقة. نريد الطالب الذي يعتز بلغته وثقافته، الطالب المتميز الذي يتبع فكر صاحب هذه المبادرة، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد».

ستحدد الجولة النهائية أسماء المتأهلين لحفل التتويج الكبير الذي سيقام في 23 أكتوبر، حيث سيتوج صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الفائزين في التحدي.

موصى به

No stories found.
Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com