

حذّرت الدكتورة إيمان سليمان، أخصائية الري في منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" من أن الري بالغمر التقليدي يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية وزيادة ملوحة التربة في جميع أنحاء الخليج، مما يهدد استدامة زراعة النخيل.
وخلال جلسة نقاشية في منتدى "أجريتك"، الذي يُعد جزءاً من معرض أبوظبي الدولي للأغذية، قالت سليمان إن الدراسات تُظهر أن إنتاج التمور يُعد من أكثر المحاصيل استهلاكاً للمياه في المنطقة، ومن أبرز أسباب استنزاف الخزانات الجوفية وتراكم الملوحة.
وأضافت "أظهرت دراسة حديثة أن زراعة النخيل من أكثر المحاصيل التي تستهلك المياه لأغراض الري. بدأنا نلاحظ دخول المياه المالحة إلى الخزانات الجوفية، التي أصبحت أكثر ملوحة. والمزارعون باتوا يدركون الحاجة إلى حلول جديدة لمعالجة هذه الخسائر".
لا تزال معظم المزارع تعتمد على المياه الجوفية والري بالغمر التقليدي، لكن أنظمة جديدة يجري إدخالها لجعل استخدام المياه أكثر كفاءة. وأشارت الدكتورة سليمان: "قمنا بإدخال أنظمة ري جديدة مثل الري تحت السطحي، والفقاعي، والتنقيط لتحسين حفظ المياه. كما نستخدم تقنيات رطوبة التربة والري الذكي. يمكن للذكاء الاصطناعي تشجيع المزارعين على تبنّي هذه الأنظمة ومراقبة التربة والري بشكل أكثر فعالية".
تُساعد هذه التقنيات المزارعين على توفير المياه والأسمدة مع الحفاظ على مستويات الإنتاج. وأضافت: "يُمكّن النظام المزارعين من تقليل استخدام الأسمدة مع استمرار الإنتاج".
تجارب على استخدام المياه المعالجة
كما أشارت إلى أن المنظمة تعمل أيضاً مع السلطات الوطنية على تحسين استخدام المياه المعالجة في الزراعة. وشرحت: "لدينا برنامج وطني لاستخدام المياه المعالجة، وأحد مواقعنا التجريبية يزرع أشجار النخيل باستخدام هذه المياه".
وأضافت: "لدينا برنامج مراقبة لتقييم حالة التربة ومستويات الملوحة، ونولي اهتماماً خاصاً بنظام الترشيح لضمان السلامة".
تم وضع "كود وطني للري" لتنظيم الاستخدام الآمن للمياه المعالجة في إنتاج الأغذية. وقالت: "لدينا كود للري يوضح كيفية استخدام المياه المعالجة، خاصة للمحاصيل المرتبطة بالأمن الغذائي مثل النخيل. إنها مبادرة جيدة".
وبحسب الدكتورة سليمان، فإن تشديد الرقابة على استخراج المياه الجوفية لمنع الإفراط في استخدامها أمر أساسي. وأوضحت: "ما زالت العديد من الدول تتيح للمزارعين استخدام المياه الجوفية دون أنظمة قياس. إدخال أنظمة مراقبة للتحكم في الاستهلاك سيساعد كثيراً. نحن لا نتحدث عن تسعير المياه، بل عن ضبط الكميات المستخدمة". وأضافت أن الفاو تعمل مع العديد من دول شمال أفريقيا والدول العربية على أطر لرفع إنتاجية المياه، مشيرةً إلى أن التطبيق في منطقة الخليج ما زال قيد التنفيذ.
تدريب ودعم المزارعين
تُعد التوعية، وبناء القدرات، والتكلفة من أبرز التحديات أمام اعتماد أنظمة الري الحديثة. وقالت: "بدأنا برامج تدريب وطنية للشباب لمساعدة المزارعين في تركيب وتشغيل وصيانة الأنظمة".
كما دعت إلى تقديم الدعم الحكومي لتخفيف الأعباء المالية الناجمة عن التحديث. وأضافت: "ينبغي للحكومات أن تبحث عن وسائل لدعم المزارعين، ربما من خلال برامج وطنية تساعد أولئك الذين ينتقلون من أنظمة الري التقليدية إلى الحديثة".
بين التراث والاستدامة
رغم التحول نحو التكنولوجيا المتقدمة، شددت الدكتورة سليمان على أن الابتكار يجب ألا يكون على حساب الهوية الثقافية. وقالت: "علينا أن نحافظ على تقاليد وتراث النخيل أثناء اعتمادنا على طرق الري الحديثة. الجمع بين الممارسات التقليدية والتقنيات الجديدة يمكن أن يساعد في الحفاظ على الموارد الطبيعية مثل الأرض والمياه، مع إبقاء تراثنا حياً".
ونظرت بتفاؤل نحو المستقبل، معبّرةً عن أملها في أن تعتمد المنطقة أنظمة ري مستدامة كلياً خلال الخمسة عشر عاماً القادمة. وقالت: "خلال 15 عاماً، أود أن أرى نحو 70 في المئة من المزارع تستخدم أنظمة الري الحديثة وأعتقد أنه يمكن الوصول إلى 100 في المئة".
يجمع معرض أبوظبي الدولي للأغذية الخبراء وواضعي السياسات والمبتكرين لاستعراض التطورات في إنتاج الغذاء، والزراعة المستدامة، وكفاءة استخدام الموارد في جميع أنحاء الشرق الأوسط.