

إيفان سولومون، أول وزير للذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي في كندا. تصوير: حنين دجاني
عندما يستخدم جرّاح الأعصاب في تورنتو الذكاء الاصطناعي لكشف خلايا السرطان في الوقت الفعلي، فإن هذه التقنية لا تثير الإعجاب فحسب — بل تساهم في إنقاذ المرضى من الخضوع لعملية جراحية ثانية. وفي مستشفى كندي آخر، أصبح أطباء قسم الطوارئ يعالجون ما بين 30 إلى 40 في المئة من المرضى الإضافيين بفضل المساعدين الرقميين المعتمدين على الذكاء الاصطناعي، الذين يسجّلون الاستشارات الطبية تلقائيًا.
هذه الأمثلة، وفقًا لإيفان سولومون، أول وزير كندي للذكاء الاصطناعي والابتكار الرقمي، تُظهر أن تأثير الذكاء الاصطناعي أصبح ملموسًا بالفعل. وقال في حديثه إلى «الخليج تايمز»: «الأمر لا يتعلق باستبدال الناس، بل بتحسين النتائج دون زيادة الضغط على العاملين».
وخلال زيارة رسمية إلى أبوظبي، عقب مشاركته في جلسة ضمن فعاليات معرض «جيتكس 2025» وتوقيعه مذكرة تفاهم مع وزير الاستثمار الإماراتي، أكّد سولومون أن تجربة كندا تُظهر كيف يمكن أن تتطور الابتكارات في الخدمات العامة بمسؤولية. وأضاف: «هذه القصص من كندا تعكس ما نشهده هنا في الإمارات. الذكاء الاصطناعي يغيّر حياة الناس بهدوء — ليس عبر الخيال العلمي، بل من خلال الابتكار العملي».
أشار الوزير إلى أن كلا البلدين كانا من أوائل الدول التي تعاملت مع الذكاء الاصطناعي باعتباره أولوية وطنية. وقال: «كانت الإمارات أول دولة في العالم لديها وزير للذكاء الاصطناعي، بينما أطلقت كندا أول استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي عام 2017، والآن أنا أول وزير يحمل هذا المنصب في كندا، لذلك لدينا الكثير من القواسم المشتركة».
النموذج الكندي قائم على الثقة والمساءلة — وهو نهج قال سولومون إنه ينسجم مع تركيز الإمارات على الأخلاقيات والحوكمة. وأضاف: «نحن نركز معًا على كيفية جعل التقنية تعمل لصالح الإنسان، وليس العكس».
ووصف الوزير هذه المرحلة بأنها «لحظة مفصلية» في تاريخ التقنية العالمية، محذرًا من أن على الحكومات أن تتحرك بسرعة ولكن بحذر. وأوضح: «التكنولوجيا تتحرك بسرعة الابتكار، لكن تبنّيها يتحرك بسرعة الثقة».
وأطلقت كندا «فريق العمل الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي لمدة 30 يومًا» لتحديث استراتيجيتها الوطنية قبل سنتين من الموعد المحدد. ويعمل هذا الفريق على التشاور مع الباحثين والمعلمين والخبراء الصناعيين لتحقيق التوازن بين النمو والأمان. وقال الوزير: «علينا أن نبني بسرعة، ولكن علينا أن نبني بالطريقة الصحيحة. فإذا لم يثق الناس بها، فلن يستخدموها».
جاءت تصريحات سولومون فيما ترسخ الإمارات مكانتها كمركز عالمي لاستثمارات وبنى الذكاء الاصطناعي. وقال: «لقد أصبحت الإمارات واحدة من أكثر الدول تطورًا في العالم من حيث الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وبنيته التحتية. إن حجمها ورأس مالها وطموحها تجذب أفضل العقول على مستوى العالم — ولهذا فإن التعاون بين بلدينا مهم للغاية».
وأضاف أن البلدين يشتركان في الإيمان بالاعتماد الذاتي التكنولوجي. وقال: «ينبغي لكندا أن تمتلك أدوات وقواعد العصر الرقمي. والإمارات تدرك هذا الدافع تمامًا — أن تبني مستقبلها بدلاً من أن تستأجره».
وتُبرز التطورات الإقليمية الأخيرة هذا المفهوم؛ إذ أفادت رويترز بأن «حرم ستارغيت للذكاء الاصطناعي» في الإمارات، وهو منشأة بقدرة 200 ميغاواط مخصصة للحوسبة المعمّقة، سيبدأ العمل العام المقبل، فيما أطلقت شركة «نفيديا» ومعهد الابتكار التكنولوجي في أبوظبي مؤخرًا مختبرًا مشتركًا للذكاء الاصطناعي والروبوتات في العاصمة.
شدّد سولومون على سعي كندا نحو السيادة الرقمية — وهي فكرة ترى أن على الدول أن تتحكم ببياناتها وبناها التحتية وملكيتها الفكرية بنفسها.
وقال: «السيادة الرقمية ليست خيارًا — بل هي أكثر القضايا الديمقراطية إلحاحًا في عصرنا. يجب أن تمتلك كندا بياناتها وبناها التحتية ومصيرها».
وأشار إلى أن الدول التي تعتمد على أنظمة بيانات أو خدمات سحابية خارجية تواجه خطر التبعية. وأضاف: «لا يمكننا أن نكون مجرد فرع أو فريق احتياطي لاقتصادات أخرى. علينا أن نمتلك عمودًا فقريًا مستقلًا من البنية التحتية والمواهب والأطر القانونية». وهذه الرسالة تلقى صدى في الإمارات، حيث تركز برامج الذكاء الاصطناعي الوطنية على تخزين البيانات محليًا، والبحث والتطوير بقيادة الإماراتيين، وبنية الحوسبة المحلية — وهي أهداف يعتبرها الجانبان متكاملة.
وأشار الوزير إلى أن عدة شركات تكنولوجيا كندية تعمل بالفعل في الإمارات، وقال: «ليس هناك سوى أربع دول في العالم تمتلك نماذج لغوية كبرى، وكندا واحدة منها. شركة «كوهير» ناشطة جدًا في المنطقة، وبافتتاح مكتب لها هنا، فإنها تعزز علاقتها العميقة». كما ذكر شركتي «أوبن تكست» و«كور 42» كمثال على الشراكات التي تتجاوز الاستثمار المادي. وأضاف: «هذه العلاقات تتمحور حول الابتكار — وحول حل التحديات المشتركة».
عقب اجتماعه في أبوظبي مع وزير الاستثمار الإماراتي محمد حسن السويدي، أعلن سولومون عن توقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجالي الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية. وقال: «هذه المذكرة تضع الأساس لعلاقة قائمة على الذكاء الاصطناعي والبنية الرقمية — شراكة أكثر ديناميكية ستتطور بسرعة كبيرة جدًا».
وستركز الاتفاقية على توسيع الاستثمارات العابرة للحدود في مراكز البيانات، وتعزيز التعاون البحثي، وتسويق أدوات الذكاء الاصطناعي التي تطورها الشركات الناشئة في كلا البلدين. وختم الوزير بقوله: «نحن نعيش في لحظة مفصلية من التاريخ. والتحدي يتمثل في جعل التكنولوجيا تعمل لصالح الإنسان — فالشراكات مثل تلك بين كندا والإمارات تُظهر كيف يمكننا تحقيق ذلك».