

في لحظة تاريخية، حبس المهندسون أنفاسهم داخل غرفة التحكم في المملكة المتحدة، حيث انطلق بنجاح أول محرك صاروخي سائل لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ وهي الشعلة الأولى لمشروع صُمم وبُني بالكامل في أبوظبي.
وقد خضع المحرك، الذي تبلغ قوته 250 نيوتن وتم تطويره بواسطة معهد الابتكار التكنولوجي (TII)، لأكثر من 50 عملية إطلاق تجريبية (Firing)، محققاً كفاءة احتراق وأداء بنسبة 94%، وهو مستوى عادةً ما يرتبط ببرامج الفضاء العريقة.
عبّر الدكتور إلياس تسوتسانيس، كبير الباحثين في مركز أبحاث الدفع والفضاء التابع لمعهد الابتكار التكنولوجيTII، عن أهمية هذا الإنجاز قائلاً: "كان الإشعال الناجح الأول لحظة لا تُنسى لجميع المشاركين. عندما وصل العد التنازلي إلى الصفر، حبس الجميع أنفاسهم. بالنسبة للمهندسين، وخاصة أعضاء الفريق الإماراتيين، كان ذلك مصدر فخر وتأكيد على قدراتهم".
ضم الفريق الأساسي للمشروع ما يقرب من النصف مهندسين إماراتيين، كانوا مسؤولين عن المحاكاة الحرارية والإنشائية، وتصميم الحاقن، وبروتوكولات الاختبار، وهي جميعها عوامل حاسمة لضمان أداء المحرك وسلامته. وتذكر أحد المهندسين الإماراتيين: "لقد نشأنا ونحن نشاهد الإطلاقات على التلفزيون. رؤية تصميمنا الخاص يشتعل هو أمر لن ننساه أبداً".
يولّد هذا الدافع (Thruster) البالغة قوته 250 نيوتن قوة كافية لرفع 25 كيلوغراماً على الأرض. وتُستخدم محركات هذه الفئة عادةً لدفع الأقمار الصناعية الصغيرة، وتعديلات المدار، والمناورات الأخرى التي تحافظ على استقرار المركبات الفضائية في المدار.
يضع هذا المشروع دولة الإمارات ضمن عدد قليل من الدول التي تمتلك قدرات تصميم مُثبتة للدفع السائل، إلى جانب الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند واليابان وأعضاء وكالة الفضاء الأوروبية.
كان التحدي الرئيسي الذي واجه الفريق هو غياب منشآت الاختبار المحلية. وللتغلب على ذلك، قام المهندسون ببناء منصات تدفق بارد مخصصة في أبوظبي، وعملوا مع شركة Airborne Engineering في المملكة المتحدة لإجراء تجارب الإطلاق الساخن.
وأكد الدكتور تسوتسانيس: "كان التحدي الأكبر هو عدم وجود بنية تحتية مخصصة للاختبار في الإمارات. عالج الفريق ذلك من خلال تطوير أنظمة اختبار قابلة للنشر وإجراء عمليات الإطلاق الحية في الخارج".
يجري حالياً بناء منصة اختبار إطلاق ثابت (Static-fire test rig) في أبوظبي، ومن المتوقع الانتهاء منها في عام 2026، حيث ستجري الإمارات أول إطلاق لمحرك صاروخي على أرضها. وستدعم المنشأة الجديدة محركات تزيد قوتها بخمسة أضعاف عن النموذج الحالي. وأكد الدكتور تسوتسانيس أن "أول إطلاق لمحرك بقوة 1 كيلونيوتن على الأراضي الإماراتية مخطط له في وقت لاحق من العام نفسه".
تتضمن خريطة الطريق البحثية، بعد الإشعال الناجح، توسيع أنظمة الدفع، وتطوير محركات التبريد (Cryogenic Engines)، وتوسيع البحث في التقنيات اللازمة للعمليات المدارية والفضائية العميقة.
وقالت الدكتورة نجوى العراج، الرئيس التنفيذي لمعهد TII: "هذا المحرك هو أكثر من مجرد نجاح تقني، إنه بداية لقدرة ستمكّن الإمارات من تصميم واختبار ونشر أنظمة دفع للبعثات المستقبلية".
بالنسبة للمهندسين المشاركين، تجاوز تأثير المشروع البيانات. فقد مثّل الإشعال تتويجاً لسنوات من التصميم والمحاكاة وحل المشكلات. وقال أحد الباحثين الإماراتيين: "هذا المشروع يوضح مدى التقدم الذي أحرزناه كمهندسين. إنه محرك صغير بالمعايير العالمية، لكن بالنسبة لنا، إنه الخطوة الأولى في شيء أكبر بكثير".