أصداء الحرب لا تفارق طفل غزة في دبي: ندوب لا تُمحى وحاجة ملحّة للتأهيل

والدة يحيى لـ"خليج تايمز": "حتى صوت مروحة كهربائية معدنية يثير دموع طفلي لأنها تبدو كطائرات هجومية"
 أصداء الحرب لا تفارق طفل غزة في دبي: ندوب لا تُمحى وحاجة ملحّة للتأهيل
تاريخ النشر

مرّت سنتان، لكن فظائع الحرب في غزة لا زالت تطارد الطفل الفلسطيني يحيى، البالغ من العمر ثماني سنوات، الذي كان يستيقظ بين الحين والآخر في منتصف الليل متعرقاً ويركض إلى والدته بقلق بعد سماع صوت طائرات تهبط وتقلع من المطار القريب.

قالت والدة يحيى لصحيفة "خليج تايمز": "حتى صوت مروحة كهربائية معدنية يثير دموع طفلي لأنها تبدو كطائرات بدون طيار هجومية". وأضافت أن ابنها كان يسألها: "هل تلاحقنا طائرات حربية إسرائيلية؟".

يحيى وأخوته الستة ووالدتهم، وهي فلبينية متزوجة من فلسطيني، يعيشون في الإمارات بعد رحلة خطرة وشاقة بحثاً عن الأمان. كان منزلهم في غزة من بين أول المنازل التي دمرتها القوات الإسرائيلية في منتصف أكتوبر 2023. غادروا منزلهم وهم يرتدون ملابسهم فقط، مرتدين شباشب غير متناسقة، وحاملين حقيبة تحتوي على جوازات سفرهم. تم إجلاؤهم بداية من قبل الحكومة الفلبينية في نوفمبر 2023، وعاشوا شهوراً في ملجأ للاجئين الفلسطينيين قرب مانيلا، قبل وصولهم إلى دبي في يناير 2024.

قالت والدة يحيى إن أطفالها الآن بأمان، لكن رعب الحرب لا زال يلاحقهم، وبعد 21 شهراً لا يزال يحيى في صراعه لإيجاد السلام الداخلي.

هناك عشرات الآلاف غير يحيى ممن يعانون من جراح ناتجة عن الحرب، سواء كانت جسدية أو نفسية، والتي ستستغرق سنوات للشفاء. كشفت منظمة الصحة العالمية (WHO) في تقرير حديث أن "ما يقرب من 42,000 شخص في قطاع غزة يعانون من إصابات مغيرة للحياة بسبب النزاع المستمر".

الأمر الأسوأ أن واحداً من كل أربعة مصابين هم من الأطفال. وأكد التقرير أن "عدد كبير من جرحى غزة سيحتاجون إلى علاج تأهيلي ودعم لسنوات عديدة قادمة".

وأكدت النتائج الأخيرة، التي تتماشى مع تقرير 2024 السابق للمنظمة، أن الإصابات المغيرة للحياة تشكل ربع جميع الإصابات المبلغ عنها والتي بلغ عددها 167,376 منذ أكتوبر 2023.

أكثر من 5,000 شخص فقدوا أطرافهم، كما تشمل الحالات الخطيرة إصابات في الذراعين والساقين (أكثر من 22,000)، الحبل الشوكي (أكثر من 2,000)، الدماغ (أكثر من 1,300)، وحروق شديدة (3,300+). كما تتزايد الإصابات المعقدة في الوجه والعين، خصوصاً بين المرضى الذين يحتاجون إلى الإخلاء الطبي خارج غزة، وهي حالات غالباً ما تؤدي إلى تشوهات، إعاقات، ووصمة اجتماعية.

تشهد خدمات التأهيل، كما هو الحال في جميع خدمات الصحة في غزة، ضغوطاً هائلة، مع عدم عمل أي خدمة بشكل كامل، حيث فقد ثلثا الخدمات السابقة قبل النزاع. وتشير المنظمة إلى أن الخدمات المتبقية تعتمد الآن على فرق طبية طارئة وشركاء، ولكن مع ذلك تعاني الإمدادات من نقص، والقدرة التأهيلية العامة لا تزال أقل بكثير من المستويات ما قبل النزاع.

أشارت المنظمة إلى أن النظام الصحي يوشك على الانهيار مع تزايد الإصابات واحتياجات الصحة. فـ 14 فقط من أصل 36 مستشفى في غزة ما زالت تعمل جزئياً، وتعمل أقل من ثلث خدمات التأهيل السابقة للنزاع، فيما تواجه العديد من المستشفيات إغلاقاً وشيكاً، ولا يوجد أي مستشفى يعمل بشكل كامل رغم جهود الفرق الطبية الطارئة والشركاء الصحيين.

الأطباء والعاملون الصحيون يعملون في ظروف خطرة، حيث كان لدى غزة حوالي 1300 أخصائي علاج طبيعي و400 أخصائي علاج وظيفي، لكن كثيرين منهم نزحوا، وقُتل 42 على الأقل منهم. يعاني مقدمو الرعاية من ضغوط نفسية شديدة. بالرغم من العدد الكبير لبتر الأطراف، لدى غزة ثمانية فقط من صانعي الأطراف الصناعية.

قال الدكتور ريتشارد بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة: "النزوح، سوء التغذية، الأمراض، ونقص مستلزمات المساعدة يعني أن العبء الحقيقي للتأهيل في غزة أكبر بكثير من الأرقام المقدمة". وأضاف: "إصابات النزاع تسبب أيضاً عبئاً نفسياً عميقاً، حيث يعاني الناجون من صدمات، فقدان، وصعوبات في البقاء اليومي، في وقت تظل فيه خدمات الدعم النفسي والاجتماعي نادرة. يجب دمج الدعم النفسي والاجتماعي وتطويره إلى جانب خدمات التأهيل."

ركز تقرير منظمة الصحة العالمية الأخير فقط على أعداد الإصابات، والتي قد تكون أعلى فعلياً نظراً لصعوبة تقديرها بدقة بسبب استمرار النزاع.

لم يتطرق التقرير إلى أعداد القتلى، غير أن وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت في 6 أكتوبر، قبل يومين من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق بين إسرائيل وحماس على أول مرحلة لوقف إطلاق النار في غزة، ارتفاع عدد القتلى إلى 67,160، مع ما يقرب من ثلثهم من دون سن 18.

وأكدت منظمة الصحة العالمية أن نظام التأهيل الهش في غزة كان غير كافٍ لتلبية احتياجات السكان قبيل التصعيد الحالي، مشيرة إلى أن 1.9% إضافية من السكان يعانون الآن من إصابات محتملة لتغيير الحياة، مع تزايد هذا العدد. وأضافت: "بينما هناك حاجة ماسة إلى إنهاء النزاع، بدون استثمار فوري وكبير في النظام، سيظل آلاف الأشخاص بدون الرعاية اللازمة للتعافي وإعادة الاندماج وبناء حياتهم".

موصى به

No stories found.
Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com