إنجاز طبي تاريخي في الإمارات: زراعة كبد من متبرع واحد تُنقذ حياتين في مستشفى "كينغز كوليدج" دبي
في إنجاز طبي غير مسبوق، نجح مستشفى "كينغز كوليدج لندن" في دبي في إجراء أول عملية زراعة كبد منقسم في دولة الإمارات، استُخدم فيها كبد من متبرّع واحد لإنقاذ حياة مريضين – طفل يبلغ من العمر ستة أشهر وشخص بالغ. وتشكّل هذه العملية المعقّدة والمُنقذة للحياة علامة فارقة في مسيرة تطوّر جراحات زراعة الأعضاء على مستوى المنطقة.
وجرى تقسيم الكبد المتبرّع به بعد الوفاة باستخدام تقنية طبية متقدمة تُعرف باسم "التقسيم الموضعي"، ما أتاح إجراء عمليتي زراعة كبد منفصلتين في الوقت ذاته داخل غرفتي عمليات مختلفتين. وتم زراعة ثلث الكبد في رضيع يبلغ من العمر ستة أشهر ويزن ستة كيلوغرامات فقط، وكان يعاني من رتق القناة الصفراوية الخلقي، في حين زُرعت الكمية المتبقية – التي تمثل ثلثي الكبد – بنجاح في مريض بالغ تم تشخيصه بالتهاب الأقنية الصفراوية المصلب الأولي.
وقال البروفيسور "محمد ريلا"، مدير مركز التميز لزراعة الكبد في مستشفى كينغز كوليدج دبي، وجراح الكبد وزراعة الأعضاء: "تُعد هذه الحالة فريدة من نوعها، كونها المرة الأولى في دولة الإمارات التي يتم فيها تقسيم كبد وزراعته لمريضين – أحدهما بالغ والآخر طفل"، وأضاف: "شكّلت عملية استئصال الكبد من المتبرّع تحدياً جراحياً بالغ التعقيد، إذ توجّب تقسيم الكبد في أثناء الاستئصال نفسه باستخدام تقنية تُعرف بـ "التقسيم الموضعي". ويتطلب ذلك إجراء عمليتي زراعة في الوقت ذاته داخل غرفتي عمليات، بمشاركة فريقين جراحيين متخصصين. ويسعدنا أن نؤكد أن حالة المريضين مستقرة حالياً، حيث تم رفع أجهزة التنفس عنهما ولم يعودا في وضع حرج."
وأُحيل المريض الطفل إلى مستشفى كينغز في عمر خمسة أشهر، بسبب إصابته باليرقان الذي ظهر منذ الأسبوع الثاني بعد الولادة. حيث تفاقمت الحالة بسرعة، مما أدى إلى تدهور شديد في وظائف الكبد لديه واقترابها من الفشل الكامل. وقد نُفّذت عملية زراعة الكبد المنقسم بنجاح عند بلوغ الرضيع عمر ستة أشهر، وهو الآن في حالة مستقرة، مع تحسّن تدريجي في وظائف الكبد واقترابها من المستويات الطبيعية.
وصرّح الدكتور "راجيف تومار"، استشاري طب الأطفال ومدير برنامج زراعة كبد الأطفال في مستشفى كينغز كوليدج لندن في دبي قائلاً: "لقد كنا أمام حالة بالغة الدقة لطفل صغير شهد وضعه الصحي تدهوراً متسارعاً. ويُجسّد نجاح العملية والتعافي الإيجابي شهادة حقيقية على كفاءة فريق زراعة الأعضاء لدينا، وعلى فعالية النهج التكاملي الذي نعتمده في تقديم الرعاية المشتركة للأطفال والبالغين على حد سواء".
وقال الدكتور "قيصر راجا"، استشاري أمراض الكبد ومدير برنامج زراعة الكبد للبالغين في مستشفى كينغز، والذي تولّى قيادة الفريق الطبي المشرف على زراعة الكبد للبالغين: "يُعد التهاب الأقنية الصفراوية المصلب الأولي مرضاً كبدياً خطيراً ومتقدماً،
ولا يوجد له علاج شافٍ سوى زراعة الكبد. ومن خلال تنفيذ عملية زراعة كبد منقسم بنجاح واستخدام عضو واحد لإنقاذ حياتين، لم نُحسّن فقط من كفاءة جراحات الزراعة، بل أثبتنا أيضاً إمكانية توسيع نطاق الوصول إلى هذا النوع من العلاجات المُنقذة للحياة في دولة الإمارات".
ويعكس نجاح هذه الحالة المكانة الريادية التي يتمتع بها مستشفى كينغز كوليدج على مستوى المنطقة في مجال زراعة الكبد، بفضل دمجه بين الخبرات العالمية المرموقة والابتكارات الطبية المصمّمة بما يتماشى مع احتياجات المجتمع المحلي. ويُعد مركز التميز لزراعة الكبد في المستشفى واحداً من المراكز القليلة في المنطقة المُجهّزة لإجراء مثل هذه العمليات المعقدة، لما يتمتع به من فريق طبي متعدد التخصصات يعمل بتكامل وانسجام كاملين.
وقال البروفيسور محمد ريلا: "نفخر بتحقيق هذا الإنجاز الطبي المتميّز على أرض دولة الإمارات، فهو لا يُجسّد انتصاراً في مجال العلوم الطبية فحسب، بل يُعد دليلاً حيّاً على ما يمكن تحقيقه عندما تتكامل الرعاية الصحية ذات المستوى العالمي مع التعاون البنّاء ونهج العمل التكاملي."
ويتقدّم مستشفى كينغز كوليدج دبي بجزيل الشكر والامتنان إلى عائلة المتبرّع، التي كان لعطائها الإنساني بالغ الأثر في إنقاذ الأرواح وتحقيق هذا الإنجاز الطبي. كما يثمّن المستشفى أيضاً الدعم الحيوي الذي قدّمه البرنامج الوطني للتبرع وزراعة الأعضاء "حياة" والمركز الوطني للتبرع وزراعة الأعضاء، تقديراً لدورهما الكبير في التنسيق والمتابعة، والتزامهما المتواصل بإحداث فرق حقيقي في حياة المرضى على امتداد دولة الإمارات