العلاج الروحي .. استراتيجية ناجعة لمواجهة الوعي المفرط
عندما لجأت زين أسامة، التي تبلغ من العمر 20 عاماً، إلى العلاج بعد انفصال صعب في عام 2023، كانت تأمل في الحصول على وضوح. حيث أدى الانفصال إلى نمط من تحليل كل شيء. قالت زين: 'بعد الانفصال، بدأت في تحليل كل شيء في حياتي. شعرت أن كل تجربة كانت درساً. إذا فتح لي شخص ما الباب، كنت أتساءل، لماذا لم يمسك به لفترة أطول؟ كان الأمر مرهقاً".
هذا الوعي المتزايد جعل الطالبة في سنتها الأخيرة في الجامعة الأميركية في الشارقة تشعر بالقلق، مما أثر عليها جسدياً بزيادة مستويات الكورتيزول. وأقرت قائلة: 'لقد فقدت أصدقاء بسبب تحليلي المفرط لنواياهم'.
في زمننا الحاضر حيث يتزايد النقاش حول الصحة النفسية، يظهر الوعي الزائد كمفارقة غريبة. يشرح الخبراء أن الوعي الزائد يحدث عندما يتركز العقل بشكل مفرط على أفكار أو مشاعر أو تصرفات معينة، مما يجعل الشخص يشعر بأنه مستهلك بالكامل. وكأن العقل يركز باستمرار على تفاصيل لا يلاحظها معظم الناس.
حلقة التغذية الراجعة
وأكد الخبراء أن الوعي المفرط يمكن أن يخلق حلقة مفرغة تزيد من حدة القلق. وأوضحت "ماريسا بير"، المعالجة النفسية ومؤلفة الكتب الأكثر مبيعاً، "يمكن للوعي المفرط أن يحول الاستجابة الطبيعية إلى شيء مخيف. تصبح محاصرًا في حلقة مفرغة حيث كلما زاد اهتمامك بمشاعرك، زادت شدتها". كما أوضحت أن هذه الحلقة يمكن أن تؤدي إلى نوبات الهلع، حيث يشعر الأفراد بإحساس ساحق بالخوف مرتبط بإدراكاتهم المتزايدة.
إن معاناة زين ليست نادرة. فكثيرون ممن أصبحوا أكثر وعياً وجدوا أنفسهم عالقين في حلقة من الأفكار الوسواسية، فيقومون بتحليل أفعالهم ومشاعرهم باستمرار. وتقول زين: "أصبح العلاج كابوساً. شعرت وكأنني مضطرة إلى إيجاد معنى لكل شيء، وهو ما زاد من قلقي".
كما سلطت بير الضوء على الضغوط المجتمعية والتكنولوجية التي تساهم في زيادة الوعي. وأشارت إلى "أننا نلعب باستمرار أدواراً متعددة، مما قد يدفعنا إلى حالة من اليقظة المفرطة". ويؤدي صعود وسائل التواصل الاجتماعي إلى تفاقم هذه المشكلة، حيث يتعرض الأفراد لقصف من الصور المختارة للكمال، مما يؤدي إلى التدقيق المفرط في الذات. وقالت: "المراهقون اليوم معرضون للخطر بشكل خاص. وتغذي المقارنات المستمرة القلق، حيث يشعرون أنهم يجب أن يرتقوا إلى معايير غير واقعية".
استراتيجيات التأقلم
وعلى الرغم من التحديات التي يفرضها فرط الوعي، فهناك طرق فعّالة للتعامل مع هذه التحديات. ويمكن لتقنيات مثل اليقظة الذهنية، وتمارين التأريض، والتعاطف مع الذات أن تساعد الأفراد على استعادة الشعور بالتوازن. ويوضح بير: "إن فرط الوعي هو عادة ذهنية يمكن التخلص منها. وتعمل اليقظة الذهنية على إعادة تركيزك إلى اللحظة الحالية، وكسر حلقة التفكير المفرط".
لقد وجدت زين الراحة في علاجها الحالي، والذي يتضمن مناقشات تحليلية، كما اتبعت مساراً روحانياً، حيث دمجت الصلاة كوسيلة لإدارة وعيها المفرط. قالت: "لقد تعلمت أن ليس كل شيء يجب أن يكون له معنى. أصلي من أجل الوضوح بدلاً من الضياع في التحليل".
ونصح بير قائلاً: "في حين أن الوعي ضروري، فإن الإفراط في المراقبة قد يؤدي إلى ضغوط غير ضرورية. من الأهمية بمكان ممارسة التعاطف مع الذات والثقة في قدرتنا على الصمود".
وتحرز زين تقدماً في هذه الرحلة. وتقول: "لقد تعلمت التخلي عن الحاجة إلى تحليل كل موقف. فأنا أركز على ما أشعر أنه صحيح بدلاً من ما أعتقد أنه يجب أن يحدث. إنه أمر محرر".
وأشار "جيريش هيمناني"، مدرب الحياة والمعالج بالطاقة المقيم في دبي، إلى أن الوعي المفرط أصبح أكثر شيوعًا، وخاصة بين أولئك الذين يخوضون رحلات روحية أو يتعاملون مع الإرهاق. وأوضح: "يمكن أن يصبح الأمر مشكلة عندما يتحول هذا الوعي إلى تحليل مفرط، مما يؤدي إلى التوتر والقلق".
وسلط هيمناني الضوء على بعض التحديات النموذجية الناجمة عن فرط الوعي، بما في ذلك القلق والتردد والكمال. فقد يفكر الناس كثيرًا في قراراتهم ويشككون في عواطفهم، مما يؤدي إلى الإرهاق العاطفي. وأوصى بتقنيات التأريض وممارسات اليقظة للتحول من التأمل المفرط إلى المزيد من الحضور.
وأوضح هيمناني أن "اليقظة الذهنية تلعب دورًا حيويًا في إدارة الوعي المفرط". وأضاف أن اليقظة الذهنية تساعد الأفراد على التعرف على الوقت الذي يصبحون فيه أكثر تركيزًا على أفكارهم أو مشاعرهم وتعيدهم إلى اللحظة الحالية. ويسمح هذا النهج بعلاقة أكثر صحة مع عالمهم الداخلي.
دور وسائل التواصل الاجتماعي
كما أكد هيمناني على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على زيادة الوعي. وأشار إلى أنه "في حين أنه من الرائع أن يتفاعل المزيد من الناس مع محتوى الصحة العقلية، فإن الكثيرين يفترضون خطأً أن النصائح عبر الإنترنت تحل محل العلاج الفعلي".
وبحسب قوله، فإن هذا الفهم السطحي قد يؤدي إلى وعي مفرط دون وجود الأدوات اللازمة لإدارته. كما قال إن الشفاء الحقيقي يتطلب نهجًا شموليًا يتجاوز الوعي. وأضاف: "إنه يتطلب التعاطف مع الذات والحكمة المتجسدة والقدرة على وضع الحدود".