الصحة العقلية في يناير: التعامل مع الركود بعد العطلات
في يناير، تتوقف الموسيقى ويتلاشى البريق. بعد موسم الأعياد، نبقى مع الحنين إلى الأوقات الجميلة، ولكننا في نفس الوقت مثقلون بما تبقى، حيث يجب علينا إزالة الزينة، وتسديد الفواتير، والعودة إلى روتين الحياة اليومية.
لذا، إذا كان مزاجك متعكراً، فكن على يقين أن هذا الأمر شائع خلال هذا الوقت من العام.
ولكن كما تشير "آن جاكسون"، إحدى أبرز مدربات الحياة وخبراء الصحة العقلية في دبي، فهناك اختلافات مهمة بين حالة الركود بعد العطلة ومشاكل الصحة العقلية الأكثر خطورة.
وقالت: "عندما يكون هناك نشاط متزايد ومشاعر كبيرة خلال العطلات - بسبب التجمعات العائلية والحفلات والاحتفالات - فإن الصداع العاطفي يصبح أمراً حقيقياً. ومن الطبيعي تماماً أن يتعكر مزاجك".
ولكن التمييز بين الاكتئاب بعد العطلة والاضطراب العاطفي الموسمي، أو حتى الاكتئاب السريري هو المفتاح لإدارة صحتك العقلية في العام الجديد. ورغم أن هذه الاضطرابات تشترك في بعض الأعراض، فإن أسبابها، وشدّتها، ومدّتها تختلف بشكل كبير."
ووفقاً لـ"جاكسون"، فإن الطريقة التي تشعر بها بالتغيرات في مزاجك بعد العطلات تعتمد إلى حد كبير على أساسك العاطفي.
وأضافت: "إذا كان لدى شخص ما شعور قوي بقيمته الذاتية والسعادة، فقد يشعر بالحزن لانتهاء العطلات، لكنه يتعافى بسرعة إلى حد ما. وعادة ما يستمر هذا الانحدار العاطفي لبضعة أسابيع ثم يتضاءل مع العودة للروتين."
"من ناحية أخرى، إذا لم تكن أسس شخص ما متينة، فإن العطلات والكآبة التي تلي العطلات يمكن أن تسلط الضوء على التعاسة الكامنة وتشير إلى قضايا أكثر خطورة كانت موجودة قبل فترة طويلة من انتهاء الاحتفالات."
أما الفرق الرئيسي بين كآبة ما بعد العطلة والاكتئاب السريري هو المدّة والشدّة. فمع كآبة العطلة، لا يزال الناس قادرين على الخروج من السرير والذهاب إلى العمل وممارسة وظائفهم، حتى لو لم يكونوا في حالة جيدة. الاكتئاب السريري أكثر حدة وانتشاراً. وقالت: "مع الاكتئاب، لا يزول الحزن بعد بضعة أسابيع. فهو يتميز بالشعور باليأس، وحتى عند العودة للروتين، تظل مشاعر الاكتئاب".
وتشير إلى أن الاكتئاب قد يتجلى بشكل مختلف لدى كل شخص. فبعضهم يعاني من أعراض جسدية مثل التعب، والأرق، والإفراط في النوم، والإفراط في تناول الطعام أو نقصه، أو عدم القدرة على النهوض من السرير. وبالنسبة للآخرين الذين يعانون من الاكتئاب عالي الشدة، فإن الأفراد يديرون مسؤولياتهم اليومية ظاهرياً ويبدون بخير ولكنهم يعانون داخلياً من الحزن المستمر وانخفاض الطاقة ونقص الفرح. ورغم قدرتهم على الحفاظ على الروتين وأداء الواجبات، فإنهم غالباً ما يشعرون بالاستنزاف العاطفي والانفصال.
وأضافت "آن": "عندما يعاني شخص ما من الاكتئاب السريري، فإنه غالباً ما يشعر وكأنه يريد الخروج من الحياة تماماً. وهذا يختلف عن كآبة الأعياد، حيث لا يزال هناك شعور بالانخراط في الحياة اليومية، حتى لو كانت أصعب من المعتاد".
ومن ناحية أخرى، يعد الاضطراب العاطفي الموسمي شكلاً من أشكال الاكتئاب المرتبط بالتغيرات الموسمية، وغالباً ما يرتبط بانخفاض ضوء الشمس خلال الخريف والشتاء. وقالت "آن": "يؤثر الاضطراب العاطفي الموسمي على السيروتونين، والميلاتونين، والإيقاع اليومي. يمكن أن تؤدي هذه الاضطرابات إلى تغييرات كبيرة في الحالة المزاجية، ومستويات الطاقة، وأنماط النوم".
وعلى عكس الركود الذي يحدث بعد العطلات، يبدأ الاكتئاب الموسمي عادة مع تغير الفصول ويستمر لعدّة أشهر. وأوضحت "آن": "هذا الاكتئاب ليس شيئاً يظهر فجأة بعد العطلات، بل هو متجذر بعمق في كيفية استجابة أجسامنا بيولوجياً لتغير الفصول".
يمكن أن يؤثر الاضطراب العاطفي الموسمي على الأشخاص في دول الخليج، رغم أن المنطقة لا تشهد فصول الشتاء القاسية والباردة المرتبطة به عادة. ويتعلق الاضطراب بالتغيرات في التعرض للضوء أكثر من التأثر بدرجات الحرارة الباردة. ومع ذلك، فإن الأيام الأقصر والطقس الغائم يمكن أن يقلل من كمية ضوء الشمس الطبيعي الذي يتعرض له الأشخاص، ممّا قد يؤثر على الحالة المزاجية، وخاصة لدى الأفراد الذين لديهم قابلية للاكتئاب أو القلق.
إن فهم الفروق الدقيقة بين هذه الحالات يمكن أن يساعدك في البحث عن الدعم المناسب أو إدارة مشاعرك بشكل أكثر فعالية.
بالنسبة لأولئك الذين يعانون من حالة من الاكتئاب بعد العطلة، تقترح "آن" ممارسة التعاطف مع الذات.
وأردفت قائلة: "اعترف لنفسك أنه من الطبيعي أن تشعر بهذه الطريقة. فالمشاعر السلبية جزء طبيعي من الحياة"، وأضافت: "بدلاً من الهروب منها، اعترف بها وكن لطيفاً مع نفسك".
وأكدّت "آن" أيضاً على أهمية العناية بالذات قائلة: "احرص على إنشاء روتين يغذي نفسك، سواء كان ذلك بالمشي في الشمس، أو قراءة كتاب، أو مجرد قضاء بعض الوقت في الهدوء".
هناك شيء يجب أن يقال عن وجود روتين أو غيابه لأنه يلعب دوراً حاسماً في الصحة العقلية. خلال موسم العطلات، غالباً ما يتغير الروتين. بينما يزدهر بعض الناس في العطلة الخالية من الروتين، يكافح آخرون بدونه. "إذا كان روتينك يتضمن عادات رعاية ذاتية إيجابية، مثل ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي، فقد تعطل العطلات ذلك". كما لاحظت "آن": "العودة إلى هذا الروتين يمكن أن تساعد في استعادة التوازن، ولكن من المهم إعادة تقديمه تدريجياً لتجنب الشعور بالإرهاق".
بالنسبة لأولئك الذين يخشون العودة إلى روتينهم، فقد يشير هذا إلى مشاكل أعمق. وقالت: "إذا كنت غير سعيد بحياتك أو عملك، فإن فكرة استئناف هذا الروتين قد تكون شاقة. إنها علامة على أن قيمك وحياتك قد لا تتوافقان".
وإذا استمرت هذه المشاعر أو ساءت، فقد حان الوقت لطلب المساعدة المهنية. واقترحت "آن": "يمكن أن تساعد العلاجات مثل العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج المرتكز على التعاطف في إعادة صياغة أنماط التفكير السلبية وبناء آليات مواجهة أكثر صحة".
ومهما كان ما تواجهه هذه الأيام، فمن المهم أن تفهم الفرق بين الركود بعد العطلة، والاضطراب العاطفي الموسمي، والاكتئاب للمساعدة في إدارة صحتك العقلية في العام الجديد.
وأوضحت "آن": "لا بأس بأن تشعر بالإحباط أحياناً، لكن ما يهم هو التعرف على العلامات، والسعي للحصول على الدعم إذا لزم الأمر، والتعاطف مع نفسك في هذه العملية".