هل هي تغيير بيولوجي حقيقي أم مجرد أسطورة تستند إلى تجارب شخصية وقصص متداولة؟
هل هي تغيير بيولوجي حقيقي أم مجرد أسطورة تستند إلى تجارب شخصية وقصص متداولة؟

"دماغ الحمل": أطباء الإمارات يوضحون الأسباب والعلاجات

يُستخدم هذا المصطلح لوصف النسيان، صعوبة التركيزوالشعور بالضبابية الذهنية التي تواجهها العديد من النساء خلال الحمل
تاريخ النشر

يُعد الحمل من أكثر الفترات تحولاً في حياة المرأة، ويأتي مع مجموعة من التحديات، من أبرزها ما يُعرف بظاهرة "دماغ الحمل". يُستخدم هذا المصطلح لوصف النسيان، صعوبة التركيز، والشعور بالضبابية الذهنية التي تواجهها العديد من النساء خلال الحمل. وقد أثارت هذه الظاهرة اهتمام الباحثين وأشعلت جدلاً طويل الأمد: هل هي تغيير بيولوجي حقيقي أم مجرد أسطورة تستند إلى تجارب شخصية وقصص متداولة؟

وأوضحت الدكتورة وجيهة أجمل، أخصائية أمراض النساء والتوليد في مستشفى جامعة ثومبي، أن "دماغ الحمل" يشير إلى النسيان والضبابية الذهنية التي تعاني منها النساء الحوامل، خاصة في المراحل المتقدمة من الحمل. وأرجعت هذا الضباب العقلي إلى عوامل متعددة، مثل الإرهاق البدني، قلة النوم، والتأثيرات العاطفية القوية التي يسببها الحمل.

وأضافت الدكتورة بشرى جول، أخصائية أمراض النساء والتوليد في مستشفى السعودي الألماني بدبي،: "أثناء الحمل، يطرأ على الجسم العديد من التغيرات الهرمونية، بالإضافة إلى الشعور بالتعب، اضطرابات النوم، الإجهاد، وأحياناً نقص بعض العناصر الغذائية، مما يؤدي إلى انخفاض التركيز وضعف الذاكرة".

وتابعت الدكتورة جول قائلة: "تلعب التغيرات الهرمونية، وخاصة ارتفاع مستويات الكورتيزول، دوراً رئيسياً في هذه التحولات المعرفية. هرمونات الإستروجين والبروجسترون والكورتيزول ضرورية للحمل، لكنها قد تؤثر بشكل كبير على الوظائف المعرفية مثل التركيز والذاكرة".

عدم الراحة الجسدية

ولكن التقلبات الهرمونية ليست السبب الوحيد. فالحرمان من النوم الناجم عن عدم الراحة الجسدية، وخاصة في المراحل الأخيرة من الحمل، يؤدي إلى تفاقم التحديات الإدراكية.

وأكد الدكتور مجاهد حمامي، استشاري أمراض النساء والتوليد في عيادة أمان للرعاية الصحية بدبي، أن تغيرات نمط الحياة والضغوط النفسية تساهم في تفاقم مشكلة "دماغ الحمل". وأوضح قائلاً: "العديد من النساء الحوامل يجدن صعوبة في الحصول على قسط كافٍ من النوم بسبب التغيرات الجسدية التي تطرأ على أجسامهن. وهذا الحرمان من النوم يؤدي إلى الشعور بالتعب ويؤثر في النهاية على التركيز والذاكرة. كما أن القلق والتوتر الناتج عن الحمل يلعب دوراً كبيراً في هذه المشكلة".

الجذور البيولوجية

وتقدم الدراسات العلمية الحديثة مزيداً من الرؤى حول هذه الظاهرة. ووفقاً للدكتور كولشان م. جميل مصطفى، استشاري أمراض النساء والتوليد في مستشفى ميدكير الملكي التخصصي، فإن "دماغ الحمل" له جذور بيولوجية حقيقية.

أوضح الدكتور مصطفى قائلاً: "أظهرت الدراسات أن حجم المادة الرمادية في الدماغ ينخفض أثناء الحمل. يحدث هذا التغيير في المناطق المرتبطة بالإدراك الاجتماعي والمعالجة العاطفية، حيث يقوم الدماغ بإعداد الأم لتربية الأطفال". وأضاف: "ورغم أن هذا قد يبدو مثيراً للقلق، إلا أن هذه التغييرات تعد تكيفية، إذ تعزز غرائز الأمومة والترابط مع الطفل".

ويبدو أن تطور "دماغ الحمل يتماشى مع مراحل الحمل المختلفة. ففي الأشهر الثلاثة الأولى، حيث تكون التغيرات الهرمونية في أقوى صورها، يبلغ العديد من النساء عن العلامات الأولية لضبابية الوعي، مثل النسيان وصعوبة التركيز.

قد يجلب الفصل الثاني بعض الراحة مع تكيف الجسم مع الوضع الجديد. ومع ذلك، خلال الفصل الثالث، غالباً ما تظهر التحديات المعرفية، وتتفاقم بسبب الانزعاج الجسدي والاستعداد العاطفي المتزايد للولادة.

وتجلب فترة ما بعد الولادة مجموعة من التحديات الخاصة بها. وأشارت الدكتور مجاهد حمامي إلى أنه "بعد الولادة، يستمر الحرمان من النوم والتوتر. وتكافح الأمهات الجدد لإدارة وقتهن وطاقتهن ومسؤولياتهن أثناء التعافي من الولادة. ولهذا السبب، أفادت بعض النساء أن ضبابية الوعي يستمر حتى بعد انتهاء الحمل".

"إنه مؤقت فقط"

على الرغم من التحديات، فإن "دماغ الحمل" يعد مؤقتاً، وتعود معظم النساء إلى قدراتهن المعرفية المعتادة في الأشهر التالية للولادة. ويوصي الخبراء بإعطاء الأولوية للعناية الذاتية والراحة واتباع نظام غذائي صحي لإدارة الأعراض والتعافي بشكل أسرع.

ونصحت الدكتورة جول قائلاً: "إن النوم المناسب والترطيب، إلى جانب تناول نظام غذائي متوازن، يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً. وتعتبر أحماض أوميجا 3 الدهنية ومضادات الأكسدة مفيدة بشكل خاص لصحة الدماغ".

كما يمكن للأدوات العملية مثل المخططات وقوائم المهام والتذكيرات الرقمية أن تساعد النساء الحوامل على البقاء منظمات وإدارة مسؤولياتهن بفعالية. ومن المهم بنفس القدر دعم الأسرة والأصدقاء. وشددت الدكتورمجاهد حمامي على أن "النساء الحوامل يجب أن يشعرن بالراحة في تفويض المهام. يمكن لنظام الدعم الجيد أن يخفف من توترهن ويساعدهن في إدارة أنشطتهن اليومية بشكل أفضل".

"ليس عطلاً"

ورغم أن دماغ الحمل قد يكون محبطاً في بعض الأحيان، إلا أن الأطباء يؤكدون أنه جزء طبيعي ومؤقت من الحمل، ويعكس قدرة الجسم المذهلة على التكيف. وأكد الدكتور مصطفى أن "هذه التغييرات ليست خللاً. إنها طريقة الجسم للتركيز على الطفل وإعداد الأم لمسؤوليات الأمومة الهائلة".

إن "دماغ الحمل" هو شهادة على تعقيد التغيرات التي تمر بها المرأة أثناء استعدادها لجلب حياة جديدة إلى العالم. وأشار الأطباء إلى أنه من خلال الفهم والدعم والاستراتيجيات العملية، من الممكن اجتياز هذه المرحلة بثقة وتقدير للرحلة الأمومة الرائعة.

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com