مهراجا "جايبور" "ساواي بادماناب سينغ"
مهراجا "جايبور" "ساواي بادماناب سينغ"

مهراجا "جايبور" يجمع الواجبات الملكية وخدمة المجتمع

"ساواي سينغ" :أعيش حياتي كشاب طبيعي وأتابع اهتماماتي وأحلامي في مجال الأزياء والبولو دون إهمال مسؤولياتي الملكية
تاريخ النشر

"لا تشكو أبداً، ولا تُفسّر أبداً" - هكذا قيل عن أسلوب العائلة المالكة البريطانية في إدارة شؤونها العامة. صحيح أنّ هناك بعض الاستثناءات، إلا أنّ هذا المبدأ يتطلب قوة وكتماناً للمشاعر سواءً أكانت ألماً أم غضباً أم ندماً أم فرحاً، تلك المشاعر التي تميزنا كبشر. لكن في مقابل هذا التقليد الراسخ، نشهد اليوم جيلاً جديداً من العائلات المالكة حول العالم يُرسي معاييره الخاصة للتواجد في الحياة العامة، حيث تتلاقى المصالح الشخصية مع الواجبات الرسمية، ويتعايش الصدق مع القوة. ومن بين هؤلاء مهراجا "جايبور" "ساواي بادماناب سينغ" البالغ من العمر 26 عاماً.

سواءً أكان يسير على منصة عرض أزياء "دولتشي آند غابانا"، أم يمثل الهند في لعبة البولو، أم يتأمل في علاقته بإرث مؤسسته العريق، فإن "سينغ" يجسّد صراحة نادرة بين الشخصيات العامة، خاصة أفراد العائلات المالكة. وعندما يتحدث عن لقبه، نجده مستعداً للتخلي عن مسؤولياته قائلاً: "قد لا يعني اللقب شيئاً في الديمقراطية، لكن في "جايبور" و"راجستان" بشكل عام، لا يزال الناس متشبثين بتقاليدهم". وفي الهند، حيث يتمتع الناس بعلاقة وثيقة مع الماضي، غالباً ما يجسد أفراد العائلات المالكة الثقافة والتراث. وحتى في غياب اللقب، يجدون سبلاً أخرى للخدمة العامة. فقد انخرطت عائلة "سينغ" في الخدمة العامة ليس فقط من خلال العمل الاجتماعي، بل أيضاً من خلال السياسة، حيث تشغل والدته منصب نائبة رئيس وزراء "راجستان" وتتولى حقيبة الاستثمار ذات الأهمية الكبيرة.

وقد أدرك "بادماناب" ثقل إرث عائلته في سنّ مبكرة من خلال جده مهراجا "بهافاني سينغ"، الذي حرص على إشراك "بادماناب" الصغير في الطقوس والتقاليد قبل إرساله إلى المدرسة الداخلية. لكن إدراك هذا الثقل بلغ ذروته عندما توفي جده، ورأى "بادماناب" المدينة بأسرها تُشيّع فقيدها العظيم. يقول "بادماناب": "في ذلك اليوم، عدت من المدرسة، واستغرقت رحلة لا تستغرق عادة أكثر من 10 دقائق نحو 3 ساعات بسبب الحشود الغفيرة التي خرجت لتوديع جدي. كان جدي أيضاً والدي بالتبني، وقد فتحت وفاته عينيّ على المسؤوليات الجسام التي تنتظرني. إنها مسؤوليات تتطلب الاحترام والالتزام بالواجبات الدينية والثقافية والاحتفالية المتنوعة. فخلال مهرجان "هولي" مثلاً، نقوم بإشعال نار كبيرة تُسمى "هوليكا داهان" ونؤدي الصلاة، ثم نفتح أبواب القصر للجمهور للمشاركة في العبادة. إنها تقاليد راسخة في "راجستان"".

وما ساعده على التعامل مع هذا الواقع هو تذكير جدته، راجماتا "بادميني ديفي" من "جايبور"، له دائماً بأن كل هذا الحب والإعجاب موجه في المقام الأول إلى سبيل مؤسسة عريقة يبلغ عمرها ألف عام. يقول "بادماناب": "أتذكر عندما كنت في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمري، كان قيام الناس بلمس قدميّ أمراً مُربكاً للغاية. دفعني ذلك للتساؤل عن هويتي ودوري في هذه الحياة. لكنني أدركت في النهاية أهمية أن أعيش حياتي كشاب طبيعي، وأن أتابع اهتماماتي وأحلامي، سواء في مجال الأزياء أو البولو أو السفر أو الدراسة، دون إهمال مسؤولياتي الملكية في "جايبور"، فلا يجب أن يلغي أحدهما الآخر".

الدور الحديث للملكية في الهند

أكد "بادماناب"، الذي تخصص في إدارة التراث، أن لكل جيل تصوره الخاص حول الملكية. وأضاف: "نعيش في دولة ديمقراطية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأعتقد أن الدور الأنسب للعائلات المالكة هو الحفاظ على التراث الثقافي لهذا البلد من الاندثار. فنحن نعيش في "جايبور"، مدينة الحصون والقصور الرائعة، التي يقصدها الناس من كل فجّ عميق. لذا، من واجبنا التأكد من أن ثقافتنا وتقاليدنا ستبقى حيّة".

كيف يمكن للمؤسسات الملكية أن تواكب العصر إذن؟ يجيب "بادماناب": "لقد حدث ذلك بالفعل! انظر إلى عدد السياسيين في الهند الذين ينتمون إلى عائلات ملكية، إنهم يخدمون الناس من خلال الانخراط في الحياة السياسية. فالخدمة هي جوهر عائلتنا، سواء من خلال الجيش - كما فعل جدي - أو السياسة. إن إمكانية خدمة المجتمع من خلال وسائل مختلفة هي في حد ذاتها فكرة معاصرة. هناك أيضاً مشاريع متنوعة نقوم بها من خلال ممتلكات عائلتنا، فقد أطلقنا مؤخراً مركز "جايبور" للفنون بهدف دعم الفن المعاصر، انطلاقاً من إيماننا بأن "جايبور" كانت ولا تزال مركزاً للإبداع الفني. هذه هي طريقتنا في المشاركة في صياغة المستقبل".

العواطف

لم يحظَ أي من أفراد العائلة المالكة الهندية بنفس الشهرة التي حظي بها "بادماناب سينغ" منذ "ماهاراني جاياتري ديفي" من "جايبور"، وذلك بفضل أناقته الملفتة التي جعلته يتألق في عروض الأزياء الكبرى حول العالم، كما عُيّن مؤخراً سفيراً عالمياً لعلامة "يو إس بولو أسو سيشن" (US Polo Assn). لقد نشأ "بادماناب" محاطاً بصور وفيديوهات أسلافه، من مهراجا "ساواي مان سينغ" (آخر مهراجا حاكم لجايبور) إلى "ماهاراني جاياتري ديفي"، مما رسّخ في ذهنه أهمية الأناقة كجزء لا يتجزأ من إرث عائلته، وهو أمر متأصل أيضاً في ثقافة "راجستان". يقول "بادماناب": "من بين جميع الأماكن التي زرتها في العالم، لم أجد سوى القليل حيث يكون الشغف بالموضة متجذراً بهذا العمق كما هو الحال في "راجستان". هنا، حتى الرعاة يتميزون بحسّ فريد من الأناقة، يتجلى في طريقة ربط عمامتهم والعناية بشاربهم".

أما شغفه الثاني، وربما الأول، فهو البولو، تلك اللعبة التي ارتبطت في الهند بالملوك والأمراء. لطالما كانت لعبة البولو محبوبة من قبل العائلة المالكة، وكان مهراجا "ساواي مان سينغ الثاني" من أشد عشاقها. ولا عجب أن تفتخر المدينة بنادي البولو الكبير الخاص بها. واليوم، يقود "بادماناب" فريق "جايبور" للبولو بكل شغف. يقول "بادماناب"، أو "باتشو" كما تُحب جدته أن تناديه: "يمكنني الحديث عن البولو لساعات طويلة! فقد خرج من "جايبور" بعض أفضل لاعبي البولو في العالم، وكان جدي الأكبر "ساواي مان سينغ" من بينهم. في الواقع، كانت كأس بطولة العالم للبولو تُصنع في "جايبور" وتُقدم للعالم. نشأتُ محاطاً بهذا التاريخ العريق، وشاهدت جدي وهو يذهب إلى ملعب البولو، فأثّرت بي هذه اللعبة بشكل طبيعي. الغريب أنني لم أبدأ ممارستها إلا بعد التحاقي بكلية "مايو"، حيث بدأت ركوب الخيل لأول مرة ثم أُغرمت بلعبة البولو".

بعيداً عن الأضواء

نشأ "بادماناب" بين نساء قويات، بدءاً من والدته السياسية و جدته "الراجماتا" وصولاً إلى أخته التي تشاركه شغفه بالواجبات الملكية. لقد شكّلت هذه البيئة منظوره حول العالم ودور المرأة فيه. يقول: "إن نشأتي بين نساء قويات ذوات رأي هو أعظم شرف حظيت به. فهو يرسّخ قناعة بأن المرأة قادرة على فعل كل ما يستطيع الرجل فعله، بل وتتفوق عليه في بعض الأحيان. ويُشعرني بالحزن عندما أفكر في الحرمان التاريخي الذي عانت منه المرأة. لذلك، أنا ممتن للجهود التي تبذلها مؤسسة والدتي الخيرية، مؤسسة الأميرة "ديا كوماري"، في هذا المجال".

وماذا عن أحاديث مائدة العشاء في قصر "جايبور"؟ يقول "بادماناب": "إنها لا تختلف كثيراً عن أحاديث أي عائلة أخرى. صحيح أن والدتي تشغل منصب نائبة رئيس وزراء ولاية "راجستان"، وتتولى مسؤولية حقائب مهمة كالمالية والأشغال العامة، لكنها لا تزال تُولي اهتماماً كبيراً بمساعدة الناس في أبسط أمور حياتهم. ففي بعض الأحيان، تتلقى مكالمة تطلب المساعدة في قضية بسيطة، وأراها تبذل قصارى جهدها لضمان حلّها. إنها مستعدة دائماً لتقديم يد العون. تدور الكثير من أحاديثنا حول كيفية مساعدة شعب "راجستان"، فهي تتمتع بفهم عميق لإدارة التراث، وهو مجال أُولي له اهتماماً كبيراً أيضاً".

اليوم، يمكن العثور على لمحات من حياته على موقع إنستغرام، ورغم أنه مصر على أن ما ينشره لا يمثل سوى لمحات مختارة من حياته. يقول مبتسماً: "أنا لا أجيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأختي هي من تساعدني دائماً في ذلك". أما عن الأضواء المسلّطة عليه والتي بدأ بتجربتها على هذه المنصات، فلا يبدو أنها تزعجه، بل يقول: "أريد استغلال هذا الاهتمام لتسليط الضوء على مواضيع أؤمن بها في حياتي".

أما بالنسبة للإرث، فإن الأصالة تعززه وتقويه. يقول "بادماناب": "لا يوجد أصدق من دعوة الناس للتكاتف والمشاركة في الانتخابات. فعندما يُطلب من الشخص أن يكون ناخباً واعياً ومثقفاً، فإنه يرتقي بنفسه إلى مستوى أعلى. لقد ولّت أيام انعزال الملوك عن شعوبهم منذ زمن بعيد".

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com