لم تكن "أليكس هيرشي"، المعروفة باسم "سوبركار بلوندي"، مولعة بالسيارات منذ ولادتها. فقد نشأت في مزرعة في ريف" كوينزلاند" بأستراليا، وكانت طفولتها مليئة بالحيوانات وأصوات الطبيعة ــ بعيداً كل البعد عن هدير محركات السيارات الفاخرة.
واستذكرت قائلة: "لقد نشأت في بلدة ريفية صغيرة في أستراليا، بكوينزلاند. كان عدد سكانها حوالي 2000 نسمة، ونشأت في مزرعة. كان هناك خيول وأبقار، وحتى خنازير غينيا. لطالما أحببت الحيوانات".
ولكن رغم أن محيطها كان يوحي بحياة ريفية هادئة، إلا أن روح المغامرة كانت تشتعل بداخلها دائماً. ولم تكن التعقيدات الميكانيكية للسيارات هي التي أذهلتها - بل كانت تجربة القيادة.
ولكن أسرتها لمحت لأول مرة هوسها بالسيارات عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، وكان الشيء الوحيد الذي طلبته كهدية عيد ميلاد هو استئجار سيارة ليموزين لمدّة ساعة. وقالت ضاحكة: "أردت فقط الجلوس داخل السيارة، ورؤية أضواء النجوم على السقف، وتجربة الكراسي الكبيرة".
"عندما كنت أعود من المدرسة، كنت أقضي ساعات مع الحيوانات. كنت طفلة مطيعة للغاية؛ كنت أفعل دائماً ما يُقال لي بالضبط. كنت أعزف على الكمان لأن والدتي كانت تريد أن يعزف أحدنا على الكمان، وكنت الوحيدة التي وافقت. ولكن قيادة السيارة؟ كان هذا شيئاً كنت أرغب فيه بالفعل. كان الأمر يتعلق بالحرية، والشعور بأنك تستطيع الذهاب إلى أي مكان، وفي أي وقت، وفقاً لشروطك الخاصة."
لم تكن سيارتها الأولى - "ميتسوبيشي لانسر"، التي ورثتها عن أشقائها الأكبر سناً - سيارة خارقة بأي حال من الأحوال، ولكنها كانت كل شيء بالنسبة لها.
"لقد كان عمرها سبع سنوات بالفعل عندما حصلت عليها. لم تكن مبهرة، لكنني أحببتها. كان الشعور الذي ينتابني عند قيادة السيارة، حتى في سيارة قديمة، لا يصدق حقاً."
بعد حصولها على شهادة في الصحافة وإدارة الأعمال، انتقلت "أليكس" إلى دبي في عام 2008. ولكن في البداية لم يكن الأمر يتعلق بأية أحلام مهنية كبيرة - بل كان من أجل الحب.
"لقد حصل زوجي، الذي كان صديقي في ذلك الوقت، على وظيفة في دبي فور تخرجه من الجامعة. ولم يكن لديّ وظيفة، لذا تبعته وحاولت العثور على عمل"، كما قالت.
لم يكن التوقيت مثالياً. فقد جعلت الأزمة المالية في عام 2009 من الصعب عليها الحصول على عمل مستقر، وقضت سنوات في اغتنام أي فرصة عمل مستقلة أُتيحت لها. وفي مرحلة ما، عملت "هيرشي" كموظفة استقبال في أحد البنوك، وهي التجربة التي تركتها مضطربة.
"لم أستطع الاستمرار أكثر. كنت أشعر بالملل. كنت أرغب بشدّة في دخول مجال الصحافة، فهو ما درسته في الجامعة بالفعل".
وفي نهاية المطاف، نجحت في الحصول على وظيفة في الإذاعة، ثم شقّت طريقها إلى استضافة برنامج في وقت الذروة على "شبكة الإذاعة العربية" في دبي. "لقد أحببت ذلك. لكن تلك السنوات القليلة الأولى كانت صعبة حقاً. كنت أعمل في نوبة الصباح، أستيقظ في الساعة الثالثة صباحاً، وأذهب إلى العمل في الرابعة صباحاً، وأكتب القصص، ثم أعود إلى المنزل منهكة".
خلال هذه الفترة وجدت نفسها منجذبة مرة أخرى إلى عالم السيارات. ففي مدينة مثل دبي ــ حيث تُعدّ السيارات الفاخرة شائعة بقدر السيارات العادية، أعادت مشاهدتها للمركبات الفارهة المصطفة في شارع الثاني من ديسمبر إشعال شغفها الطفولي بالقيادة، ولكن هذه المرة بقوة حصانية هائلة.
وقالت: "لقد أثارت رؤية كل هذه السيارات المذهلة في أنحاء دبي اهتمامي حقاً. أتذكر أنني فكرت، "إذا كان بإمكانهم فعل ذلك، فيمكنني فعل ذلك أيضاً". لطالما كان مشهد السيارات قوياً هنا، وبمرور الوقت، تطور فقط. حتى شرطة دبي تدرك أن السيارات الخارقة جزء من صورة دبي. ولهذا السبب لديهم أسطول من السيارات الخارقة الراقية - إنها جزء من هوية المدينة".
وتضيف وهي تتذكر كيف شكّلت دبي مسار حياتها المهنية: "لا أعتقد أنني كنت لأتمكن من بدء قناة لإنشاء محتوى عن السيارات الخارقة في أي مكان آخر. هناك عدد قليل من الأماكن في العالم حيث يمكنك الوصول إلى هذا العدد الكبير من السيارات الفاخرة، ودبي واحدة منها".
وأكّدت "هيرشي" أيضاً على أن ثقافة السيارات الفريدة في المدينة وفرت فرصاً لا مثيل لها في وقت مبكر. "إذا كنت في المكان المناسب في الوقت المناسب، فيمكنك التواصل مع أصحاب السيارات، ومراجعة سياراتهم، أو حتى الحصول على فرصة قيادتها. هذا المستوى من الوصول نادر. كانت دبي المكان المثالي لبدء هذه الرحلة".
في البداية، حصلت "هيرشي" على فرصة الوصول إلى السيارات الخارقة من خلال عملها في الصحافة. كانت الشركات المصنعة تعيرها سياراتها الصحفية لمراجعتها، وفي يوم من الأيام، قرّرت تصوير نفسها وهي تقود واحدة منها. "لم يكن لديّ أي خطة. بدأت في تصوير نفسي، فقط من أجل المتعة. لقد أحببت التجربة كثيراً لدرجة أنني طلبت من شركات السيارات الأخرى أن تُعيرني سيارات. في كل عطلة نهاية أسبوع، كنت أصوّر تجاربي كمشروع جانبي أثناء العمل في الراديو".
وبحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى 50 ألف متابع على إنستغرام، أدركت أن هذا تحوّل إلى شيء أكبر ممّا تخيلته. "فكرت، 'يا إلهي، هذه في الواقع وظيفة بدوام كامل الآن.' كان من الصعب حقاً التوفيق بين الاثنين. لذلك اتخذت القرار الكبير بترك الراديو والتفرّغ بالكامل لصناعة المحتوى". لقد كانت مخاطرة، لكنها بالتأكيد أتت بثمارها.
على عكس مراجعي السيارات التقليديين، قدّمت "هيرشي" منظوراً بسيطاً وسهل الفهم لمحتوى السيارات. "لم أكن صحفية متخصصة في السيارات تُناقش مواصفات المحرك وتفاصيل نظام التعليق. كنت فقط أشير إلى أروع الأشياء في السيارة بطريقة مفهومة للجميع".
وقد لاقى أسلوبها صدى واسع النطاق بين جمهور عالمي من ملايين المتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعي. وقالت: "الكثير من متابعيني لم يكونوا من عشاق السيارات المتعصبين، بل أحبوا الإثارة والتجربة".
وعلى مرّ السنين، اتخذت "هيرشي" خطوات لتوسيع نطاق عملها إلى ما هو أبعد من حدودها. وذكرت: "إذا كان العمل يعتمد على وجودي أمام الكاميرا، فلن يكون مستدام. كان هدفي دائماً هو: كيف أبتكر شيئاً يدوم إلى ما هو أبعد منّي؟"
اليوم، تطوّرت "سوبركار بلوندي" لتصبح شركة إعلامية متكاملة، بموقع ويب تحريري، وفريق من الصحفيين، وأربعة مقدمين إضافيين يغطون محتوى السيارات، والرفاهية، والتكنولوجيا، والألعاب.
لم يكن اقتحام عالم السيارات الخارقة كامرأة بالطريق السهل. فعلى مدى عقود من الزمان، كان قطاع السيارات ــ وخاصة قطاع السيارات الفاخرة وعالية الأداء ــ تحت سيطرة الرجال، وكان يُنظَر إلى النساء في كثير من الأحيان باعتبارهن مجرد ملحقات للسيارات وليس شخصيات ذات سلطة تشارك خبراتها وآراءها.
لقد تحدّت علامة "سوبركار بلوندي" هذه الصورة النمطية ببساطة من خلال الظهور والتحدث عن السيارات بطريقة مميزة وسهلة الوصول إليها، وإثبات أن الشغف، وليس الجنس، هو الذي يحدد الخبرة.
وعلى النقيض من مراجعي السيارات التقليديين الذين ركزوا على المواصفات الفنية، بنت "هيرشي" منصتها حول تجربة القيادة، ممّا جعلها جذابة لجمهور أوسع. "لأجيال، كانت النساء في عالم السيارات مجرد عارضات أزياء يقفن بجوار السيارات، وليس من يقدمن معلومات عنها. أردت تغيير ذلك".
ومع نمو منصتها، بدأت المزيد من النساء في التفاعل مع محتواها، مستلهمات من رؤية شخص مثلهن ينجح في مجال لم يكن تقليدياً مرحباً بالنساء. وأوضحت: "الآن، تأتي إليّ الكثير من النساء ويقلن، 'لم أكن أتخيل أبداً أنني قد أكون مهتمة بالسيارات، لكن رؤيتك تفعلين ذلك جعلني أدرك أنه ممكن'".
ومع ذلك، فهي لا تخجل من الاعتراف بأن الترهيب يشكل جزءاً من العملية، وخاصة في المراحل المبكرة. "ليس من السهل الدخول إلى قطاع يهيمن عليه الرجال في الغالب. ولكن عندما تظهر، سيرى شخص آخر وجودك هناك ويفكر، 'إذا كانت هي هناك، فلماذا لست هناك؟' وتستمر الدورة. بهذه الطريقة نخلق تغييراً حقيقياً".
مع وجود ملايين المتابعين عبر مختلف المنصات، أدركت "هيرشي" أنها بحاجة إلى التطوّر إلى ما هو أبعد من كونها صانعة محتوى فردية.
لقد قامت بتوسيع فريق عملها، حيث قامت بتعيين أربعة مقدمين إضافيين وبدأت في تنمية "سوبركار بلوندي". "لقد أصبح موقعنا الإلكتروني في الواقع الجزء الأكثر ربحية والأسرع نمواً في العمل. لقد نما بنسبة تزيد عن 200% في العام الماضي وحده، ونحن نتوقع نمواً آخر بنسبة 200% هذا العام."
بالإضافة إلى ذلك، أطلقت هي وزوجها منصة فريدة من نوعها لمزادات السيارات الفاخرة، ممّا يجعل تجارة السيارات الفاخرة أكثر سهولة. "لقد حققنا رقماً قياسياً عالمياً ببيع أغلى سيارة تم بيعها عبر الإنترنت على الإطلاق - وهي سيارة "لامبورجيني فينينو". كما أبرمنا صفقات على سيارات مثل "كوينيجسيج جيسكو"، التي بيعت بحوالي 3 ملايين دولار (11 مليون درهم)، وسهلنا المبيعات من الشرق الأوسط إلى آسيا، وآسيا إلى الولايات المتحدة، والولايات المتحدة إلى أمريكا الجنوبية".
ويتكون فريق عملها الآن من 70 موظفاً منتشرين في دبي ولندن ومانشستر والولايات المتحدة، حيث يديرون جوانب مختلفة من العمل.
من حياة المزرعة إلى سيارات فيراري، أصبحت "سوبركار بلوندي" واحدة من أكثر المؤثرين في مجال السيارات رواجاً في العالم، حيث أعادت كتابة القصة - ليس فقط للنساء في صناعة السيارات بل لأي شخص لديه حلم غير تقليدي.
ومع ذلك، وعلى الرغم من نجاحها، تعترف "هيرشي" بالتحديات التي تواجهها المرأة في قطاع يلبي احتياجات الرجال إلى حد كبير. "الأمر الأكثر أهمية هو الظهور. فكلما زاد عدد النساء اللواتي يظهرن ببساطة، كلما ألهمن الآخرين للقيام بنفس الشيء. كل شيء يبدأ بالتواجد هناك - حتى لو كان الأمر غير مريح في البداية. فقط كوني هناك، واستوعبي كل شيء، وتمسكي بمكانك بثقة".