

محمد آل ثاني، جامع ومُنسّق قطري
تخيل مساحة إبداعية في قلب نيويورك، حيث يتكلم الصمت بصوت أعلى من العروض البصرية، وحيث تحمل الورقة مشاعر رقيقة، وحيث يعيد صوت عربي تشكيل الطريقة التي يختبر بها العالم الفن. هذه المساحة موجودة فعلاً، وهي معرض يقيمه محمد آل ثاني، الجامع والقيّم القطري، الذي يجلب أعمالاً فنية من أنحاء العالم إلى منزله في منطقة وست فيليج، بهدف تعزيز الارتباط بين العالم والهوية العربية والإسلامية.
مجموعة آل ثاني في معهد الفن العربي والإسلامي (IAIA) الذي أسسه في مانهاتن عام 2017، تتسم بالبساطة في الشكل لكنها غنية بالمعنى، فهي تخلق تجارب تدعوك لــ"الشعور" بالفن وليس فقط "فهمه". في عالم الفن المُنشغل عادةً بالحجم والمقياس، تظهر مقاربة آل ثاني وكأنها تمرّد هادئ.
يقول: "أنا أؤمن بالسرد"، وهذا الإيمان يشكل العمود الفقري لأعماله. ليس ذلك النوع من السرد القصصي الذي يتطلب الفهم، بل ذلك الذي يستدعي الذكرى والحركة من خلال ضربات الفرشاة. نشأ آل ثاني في الخليج وتعرّف على التقاليد الشفهية العربية، ويحمل هذا الإيقاع التاريخي معه في معارضه من خلال استثمار المساحة والصمت.
ما جذبه إلى تنسيق المعارض لم يكن مجرد حب للغة الفن، بل أيضًا إحساس بالمسؤولية في "إعادة كتابة تاريخ الفن المعاصر". يوضح: "نشأتُ في وقت كانت فيه المفاهيم الخاطئة عن العالمين العربي والإسلامي تحد من التفاعل الثقافي. من خلال تنظيم المعارض، أستطيع تحدي تلك الصور النمطية وإظهار أن ثقافتنا أكبر بكثير من الصورة المبسّطة التي تقدم للعالم".
تحولت ممارسته التنظيمية إلى ما يشبه النشاط الهادئ، وسيلة لإعادة كتابة التاريخ وإعادة تقديم الأصوات المنسية، خاصةً فناني الأطراف أو المهمشين. يقول: "أسأل نفسي: هل يمكن لأعمالهم أن تحرك المشاهد؟ هل تتحدى الوضع الراهن؟ هل تخلق لغة بصرية جديدة؟" من خلال معارضه في الغاليري، يسعى إلى تقديم تجربة بصرية مليئة بالدفء والحميمية، وتجعل الزائر يشعر بحقيقة المكان الذي يتواجد فيه.
أحد معارضه الأخيرة، "زمن ممزق"، كان بمثابة أول ظهور مؤسسي للفنانة التركية-الأمريكية بيلغي في الولايات المتحدة. تشتهر بيلغي بأعمالها الورقية ذات الطابع البسيط، وهي قطع تبدو خفيفة الوزن لكنها تحمل ثقلًا روحيًا وعاطفيًا عميقًا. يقول آل ثاني: "هناك شيء متعالٍ في طريقتها في العمل مع الورق؛ فهي تمزق وتقص وتكشف الألياف، لتشعر بالتمزق والحميمية في آن واحد".
يأمل آل ثاني أن يُلهم هذا المعرض الزوار، وأن يذهلهم ما يمكن أن تُبدعه فنانة بوسيط بسيط مثل الورق. ينجح في ترجمة شيء مجرد كالتجربة الروحية إلى واقع ملموس داخل مساحة العرض، ويذكّر الناس بقوة الورق، وكيف يمكن للأفكار الكبيرة والعواطف العميقة أن تعيش بقوة داخل فضاء صغير.
يضيف: "نحن في زمن أصبح فيه الفن أكبر حجماً وأغلى سعراً. أريد أن يتذكر الناس، خاصة الفنانين الشباب، أن شيئاً بسيطاً كالورق يمكنه أن يحمل أفكاراً ضخمة. ليس من الضروري أن يكون الفن صاخباً حتى يكون مؤثراً."
هذه الفكرة عن القوة الهادئة تسيطر على كل ما يفعله آل ثاني. سواء كان يركب معرضاً أو يكتشف فناناً أو يصمم تخطيط زاوية ما، فإن عمليته تنبع من رغبته في جعل الناس يشعرون بالترحيب. يقول: "أفكر في الضيافة"، ويشير بذلك إلى تربيته العربية التي عززت عنده هذا الشعور. "المتاحف غالباً ما تكون باردة، في حين يجب أن تشعر المعارض بالدفء والترحيب—كأن هناك من حضّر لك المساحة خصيصاً".
فكرة الألفة الثقافية، وليس الترجمة الثقافية، هي جوهر ممارسته. لا يسعى لتفسير الهوية العربية أو الإسلامية للغرباء، بل يدعو الزائرين إلى مساحة ألفة هادئة. "إذا تحدث العمل إليك، ستجد معه لغتك الخاصة. الفن ليس دائماً للفهم. أحياناً يكفيك الحضور إلى جانب شيء ما لتدع تأثيره يعمل في داخلك".
من وجهة نظره، لا يحتاج الغرب إلى المزيد من الشروحات حول الفن، بل إلى المزيد من الدمج الحقيقي. ويأمل أن تحتضن المتاحف العالمية أعمال الفنانين العرب والمسلمين جنباً إلى جنب مع غيرهم—not as a side note, but as an essential part of art history. "هكذا نصنع الحوار"، يقول، "وهكذا يصبح فنانونا جزءاً من التاريخ الفني العالمي، وليس هامشاً عليه."
وعند سؤاله عن العمل الذي يدعو العالم للجلوس معه الآن، سمّى لوحة "صدًى مُنفجر" للفنان نبيل قانصو، وهي لوحة تحزن على الحروب وتؤكد أهمية التذكر الدائم. يقول آل ثاني: "هذه شهادة حية، تذكّرنا بأنه مهما بدا الصراع بعيداً عنّا، فلا أحد حقاً بمنأى عن نتائجه".
لا يقدّم آل ثاني الفن كحلّ سحري لكل الجراح، لكنه يؤمن أنّه يمكن أن يكون ملاذاً و"مكانًا للشفاء"، ومرآة وجرس ضمير. وفعلاً، هذا ما يبنيه في معرضه في مانهاتن وسط التماثيل الورقية واللوحات الصامتة: ملاذ للإبداع الواعي، بعيداً عن مجرد عرض صور متفرقة.
وللمار العادي الذي قد يشعر برهبة من الفن، لدى آل ثاني نصيحة واحدة: "ليس عليك أن 'تفهم' الفن. فقط افتح قلبك واتركه يدخل بدون أحكام. أحيانًا كل ما نحتاجه هو لحظة لتحل جميع العقد". ولكي يحدث ذلك عمليًا، يكفي فقط أن تخطو إلى غرفة صغيرة وصامتة في نيويورك، حيث لا تزال الحكايات تروى بهدوء وقوة، بالعربية والإنجليزية؛ بالورق والألوان. من هناك، يعيد آل ثاني تعريف مفهوم القيم الفنية المعاصرة، ويمنح منصة للفنانين والقيّمين والعلماء والمهتمين بالفن. إنها مساحة تطمح للنمو عضوياً، مع مجموعة دائمة شاملة من فنون العالمين العربي والإسلامي، وتسعى دائماً لمفاجأة روّادها بكل جديد من هذه المنطقة.