

بصفتي الرئيس التنفيذي ومؤسس مركز العلاج الأكثر تميزاً في العالم، وشخصاً ذا خبرة في عالم الرفاهية، فقد رأيتُ كيف أن السعي وراء الرفاهية غالباً ما يُشعر الناس بالفراغ وعدم الرضا. في مركز"باراسيلسوس" (Paracelsus Recovery) للتعافي، وبغض النظر عن سبب سعي الشخص للعلاج، يبرز دائماً تقريباً الاعتماد على السلع الفاخرة كمقياس لقيمة الذات. هذا النمط يُشير إلى أمر أعمق. عندما نعتمد على الأشياء الخارجية لنشعر بقيمتنا، فإننا غالباً ما نتجنب الانزعاج الداخلي، وهو مرض عاطفي لم يوجد له منفذٌ بعد. وبمرور الوقت، تُسيطر آلية التكيف هذه على أعصابنا الحيوية.
نظام "الدوبامين"، المُصمَّم لتحفيزنا وحمايتنا، يُحاصر في دوامة من النشوة قصيرة الأمد والاستنزاف طويل الأمد. لينتهي بنا المطاف في دوامة المتعة، نطارد دائماً، ولا نصل أبداً. والنتيجة شعور متزايد بالفراغ والعزلة، مما يُمهّد الطريق بهدوء لتحديات صحية نفسية أكثر خطورة وسلوكٍ إدماني.
فمنذ الصغر، نُعلّم أن الرفاهية مكافأة، ودليل على النجاح والرقي، بل وقد نعتبرها رعاية للذات. ولكن لأن هذه الصلة بين المكافأة والرفاهية راسخة الجذور، فإنها تُسيطر على نظام الدوبامين لدينا، مُحوّلةً آلية البقاء إلى حلقة لذة. وبينما يُطلق على الدوبامين غالباً اسم "هرمون السعادة"، إلا أنه لا يتعلق بالمتعة الدائمة، بل بالدافع. فهو يُحفزنا على الاستيقاظ صباحاً. وهو ما يحفزنا على البحث عن الطعام والمأوى والتواصل. لكن في عالمنا اليوم، تُترجم هذه الدوافع البدائية إلى "توق إلى النجاح والتقدير"، وعلامات مادية للقيمة. تُصبح حقيبة اليد ذات التصميم المميز عملةً عصريةً: ودليلاً على أننا مرغوبون من قِبل المجتمع الذي نعيش فيه.
والمشكلة هي أن الدوبامين يُحفّز شعور الترقب، لا الإنجاز. وظيفته هي أن يُبقينا نسعى جاهدين، لا راضين. بالنسبة لأي شخص عانى من الإدمان، فهو الشعور الذي يسبق الشرب، أو المقامرة، أو النشوة، وعدٌ بالراحة قريباً. وبمجرد أن تنتهي هذه اللحظة، نشعر بالاستنزاف، وتبدأ الدورة من جديد.
تعمل الرفاهية بنفس الطريقة. أول قطعة مصممة تثير الحماس. والثانية تقدم شيئاً أقل. وبحلول الثالثة أو الرابعة، تكون مجرد شيء مادي، نشوة فارغة تحل محلها الرغبة الشديدة في المزيد. إذا كنت تعاني من تدني احترام الذات أو نقص التواصل، فإن هذا يزيد فقط من الحاجة إلى جرعة الدوبامين. تنشط غرائز البقاء لديك بقوة أكبر، مما يدفعك إلى للسعي لتبقى "ذا قيمة" للمجموعة. ونتيجة لذلك، يمكن أن تتحول السلع الفاخرة إلى دورة قهرية، فالرغبة الشديدة، والاقتناء، حتماً ستتحول لخيبة أمل. تصبح الساعة سيارة، أو منزلاً، أو يختاً، وكما هو الحال مع أي إدمان، نبدأ في بناء التحمّل. أحد أكثر الأجزاء إيلاماً في أي شعور هو الاعتقاد بأن "التالي" سيكون الحل. حتى عندما لا يفيدنا الشراب أو المشتريات، نقنع أنفسنا بأن التالي قد يكون كذلك. يمتد "تأثير التكرار" هذا إلى جميع الإدمانات ويبقينا عالقين: نسعى بلا نهاية إلى شيء يعد بالراحة ولكنه لا يزيد إلا من معاناتنا.
مع الرفاهية، نحتاج باستمرار إلى أشياء أكبر وأحدث وأكثر لمعاناً لمجرد الشعور بأننا طبيعيون. ما كان مثيراً في السابق يصبح هو الأساس. ومثل أي إدمان، تتسلل إلينا الآثار الجانبية، كالفراغ والقلق وفقدان المعنى. ما يجعل هذه الدورة خطيرة بشكل خاص هو مدى تطبيعها. تعلمنا ثقافتنا أن السعادة تكمن بعد الشراء "الشيء التالي". "عندما أحصل على تلك السيارة، أو تلك الحقيبة، أو تلك الملابس... سأكون سعيداً." لكن هذه العقلية تسلبنا الحاضر. نحن لا نتوق إلى الشيء نفسه، بل نتوق إلى شعور: شعورٌ بالقيمة والأمان والإعجاب أو الرؤية. نعتقد أننا نريد ذلك الشيء، لكن ما نريده في الواقع هو الحالة العاطفية التي نعتقد أنه سيجلبها لنا. ومع ذلك، هذا ليس حجة ضد الرفاهية نفسها. فالأشياء الجميلة تثري الحياة. ويمكن للغرض المصنوع بجودة عالية أو التجربة المصممة بعناية أن تجلب فرحة حقيقية. أعلم أنني لا أستطيع الاستغناء عنها. لكن المفتاح يكمن في الشعور بالتحكم في كيفية وسبب استهلاك مشاعرنا.
يُظهر علم الأعصاب أن التأمل الواعي يُمكن أن يُعيد برمجة الدماغ. عندما نتوقف لنسأل أنفسنا: "ما الذي آمل أن يُشعرني به شراء هذا الشيء؟"، فإننا بهذا نُهيئ مساحةً لمواجهة الانزعاج الذي كنا نحاول الهروب منه. هذا التحول، من تجنب الشعور إلى الوعي به، هو ما يحمينا من دورات أعمق من الإدمان والضيق. إذا كنتَ غير متأكد من كيفية البدء، فحاول أن تسأل نفسك: "ما الذي يشعرني بالامتنان اليوم؟ ما الذي استمتعتُ به؟ كيف يشعر جسدي الآن؟" هذه الأسئلة البسيطة تجعلنا نعيش الحاضر وتنقلنا بلطف من مرحلة "أريد المزيد" إلى مرحلة "أنا مكتفٍ"
(الكاتب هو المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "باراسيلسوس للتعافي")