
تمثل العلاجات بالخلايا الجذعية أملاً واعداً في الطب الحديث، حيث يتمكن العلماء من استخلاص خلايا مرنة من جسم الإنسان وتسخيرها لعلاج الإصابات ومكافحة الأمراض من داخل الجسم.
ومع ذلك، لا تُعد جميع علاجات الخلايا الجذعية متكافئة. فبعضها، مثل عمليات زرع نخاع العظم، أثبتت فعاليتها من خلال عقود من الأبحاث السريرية وتُصنف كعلاجات آمنة وموثوقة. بينما لا تزال بعض العلاجات الأخرى في طور التجريب، أي أنها قيد الدراسة ولم تُعتمد بعد. في المقابل، تتزايد عروض العيادات التجميلية وعيادات إطالة الحياة لعلاجات بالخلايا الجذعية لعلاج أمراض مثل التهاب المفاصل وباركنسون ومرض التصلب الجانبي الضموري، وحتى لأغراض تجميلية مثل تحسين مظهر البشرة.
ويحذر العلماء من أن العلاجات التي تروج لها هذه المنتجعات والعيادات غير مثبتة علمياً، ومكلفة، وقد تكون لها آثار جانبية خطيرة.
وقال بول كنوبفلر، أستاذ في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا ديفيس والذي يدرس الخلايا الجذعية: "تُعرّض صناعة العيادات هذه الجمهور لمخاطر متعددة".
ويبدي بعض خبراء الخلايا الجذعية، بمن فيهم الدكتور كنوبفلر، قلقهم من احتمال أن تُخفف إدارة الغذاء والدواء الأميركية (F.D.A.) رقابتها على علاجات الخلايا الجذعية، مما قد يُربك الجمهور بشأن الفرق بين العلاجات المدعومة علمياً وتلك غير المجربة.
تعود بعض هذه المخاوف إلى تصريحات وزير الصحة الأميركي روبرت ف. كينيدي الابن، الذي نشر في أكتوبر منشوراً على منصة إكس دعا فيه إلى إنهاء "القمع الشديد" الذي تمارسه إدارة الغذاء والدواء على علاجات الخلايا الجذعية. وفي مقابلة إذاعية حديثة مع مؤثر في مجال إطالة الحياة يُدعى غاري بريكا، كشف كينيدي أنه سافر إلى أنتيغوا لتلقي علاج بالخلايا الجذعية لعلاج حالة عصبية تؤثر على حلقه وصوته. وأكد أن العلاج كان له أثر إيجابي كبير عليه.
وقال: "لماذا كان عليّ السفر إلى أنتيغوا لتلقي هذا العلاج؟"، في إشارة إلى نيّته الدفع نحو توسيع نطاق إتاحة علاجات الخلايا الجذعية وغيرها من العلاجات التجريبية.
كيف يتم تنظيم علاجات الخلايا الجذعية في الوقت الحالي؟
يمكن للشركات التي تُطوّر علاجات الخلايا الجذعية التقدم بطلب إلى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) للحصول على إذن لبدء الدراسات على البشر. إذا أثبت العلاج فعاليته، يُمكن للشركة بعد ذلك طلب موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، التي تُراجع بيانات العلاج.
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بسلطة تنظيم المنتجات المعروضة في العيادات الخاصة، والتي لم تُعتمد عموماً. وقد طالبت الوكالة سابقاً بعض العيادات بالتوقف عن بيع علاجات الخلايا الجذعية غير المُثبتة علمياً، نظراً لاحتمال تسببها في أضرار صحية أو تأخير المرضى عن اللجوء إلى علاجات فعالة.
ولكن تقليل التنظيم قد يعني إشرافاً أقل على الشركات "التي تفرض مبالغ طائلة مقابل شيء لم يتم التحقق من صحته حقاً"، كما يقول كلايف سفيندسن، أستاذ العلوم الطبية الحيوية الذي يقود مختبر أبحاث الخلايا الجذعية في سيدارز سيناي في لوس أنجلوس.
لماذا تُثير هذه العلاجات اهتمام العلماء؟
الخلايا الجذعية هي خلايا بدائية تتكوّن منها كافة الأنسجة والأعضاء في جسم الإنسان. وبعكس كثير من الخلايا الأخرى، تمتاز بعض الخلايا الجذعية بقدرتها على التجدد. ولهذا السبب، يتوقع العلماء أنها قد تُستخدم كمصدر دائم لخلايا يمكن تعديلها لتحل محل خلايا الجسم التالفة.
تعتمد بعض العلاجات على الخلايا الجذعية البالغة المستخرجة من الدم أو نخاع العظم، بينما تستخدم علاجات أخرى خلايا جلد أو دم عادية يتم إعادة برمجتها في المختبر لتتحول إلى خلايا جذعية.
بحسب تينيل لودفيغ، مديرة بنك "وي سيل" (WiCell) للخلايا الجذعية في ويسكونسن، والذي يزوّد الباحثين بالخلايا المستخدمة في الدراسات والتجارب السريرية، فإن الخلايا الجذعية في العلاجات المعترف بها تخضع عادةً لتعديل مخبري لتتحول إلى نوع معين من الخلايا، ثم تُزرع في أنسجة محددة بهدف تعويض الخلايا المصابة أو التالفة.
ما العلاجات المتاحة حالياً وما الذي لا يزال قيد الدراسة؟
لا تُعتمد حالياً سوى مجموعة قليلة من علاجات الخلايا الجذعية من قِبَل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، وتُستخدم أساساً لعلاج سرطان الدم واضطرابات الجهاز المناعي. (بعض العلاجات، لحالات مثل تلف القرنية أو أمراض الشرايين، مُعتمدة في دول أخرى، باستثناء الولايات المتحدة).
تُعد زراعة نخاع العظم من العلاجات المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء، حيث تُحقن خلايا جذعية مأخوذة من متبرع في المريض، فتتحول إلى خلايا دموية أو مناعية بديلة للخلايا التالفة بسبب العلاج الكيميائي أو العلاج الإشعاعي.
يجري حالياً اختبار سريري لمعرفة ما إذا كانت الخلايا الجذعية تستطيع تعويض الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين التي تتدهور مع مرض باركنسون، مما قد يؤدي إلى عكس الأعراض. كما يجري اختبار آخر يدرس إمكانية استخدام خلايا مشتقة من الخلايا الجذعية لإنتاج الأنسولين لعلاج مرض السكري.
وهناك أبحاث أخرى يعتبرها بعض العلماء واعدة، إذ أشارت دراسات إلى أن الخلايا الجذعية التي أُعيدت برمجتها إلى خلايا بدائية ثم إلى خلايا قلبية قد تتمكن من استعادة بعض وظائف القلب. وتُجرى حالياً تجارب أوسع لعلاجات عصبية وقلبية — بما في ذلك التصلب الجانبي الضموري (A.L.S.) وفشل القلب — لكنها حتى الآن "لم ترقَ إلى مستوى التوقعات"، بحسب جيفري كارب، رئيس قسم التخدير في مستشفى ماس جنرال بريغهام وكلية الطب بجامعة هارفارد.
ماذا عن العلاجات التجريبية في العيادات الخاصة؟
تُقدّم آلاف العيادات في جميع أنحاء البلاد ما تدّعي أنها علاجات بالخلايا الجذعية لمجموعة واسعة من الأمراض. وصرح الدكتور سفيندسن بأن هذه العلاجات غير مشمولة بالتأمين، وقد تتراوح تكلفتها بين بضعة آلاف وعشرات الآلاف من الدولارات للحقنة الواحدة.
عادةً ما تقوم هذه العيادات، وفقاً للخبراء، باستخراج الخلايا الجذعية من جسم المريض نفسه أو من متبرع — أحياناً من الدهون — ثم حقنها مجدداً في جسم المريض دون أي تعديل. (وهذا ما يتيح لبعض الشركات التهرب من رقابة إدارة الغذاء والدواء، التي لا تُنظم بعض العلاجات بالخلايا الجذعية إذا زعم مقدموها أنهم لا يُجرون سوى تعديلات طفيفة على خلايا المريض نفسه).
وأوضح الدكتور سفيندسن: "حتى إذا شعر البعض بالتحسن بعد هذه العلاجات، فمن المرجح أن يكون ذلك ناتجًا عن تأثير وهمي فقط"، مشيراً إلى عدم وجود تفسير علمي موثوق لفائدة صحية ناتجة عن خلايا جذعية لم يتم تحويلها إلى أنواع خلايا محددة. وأضاف: "إنهم يطلبون منك ببساطة دفع 7,000 دولار لإعادة حقن خلاياك في جسمك".
هناك مخاطر أخرى يجب مراعاتها. أولاً، لا يوجد ضمان بأن العيادات تستخدم خلايا جذعية حقيقية، كما قال الدكتور كارب: فبينما قد يجمعون خلايا من نخاع عظم أو دهون مريض أو متبرع، لا يوجد ضمان بأن الخلايا التي يجمعونها هي الخلايا التي تتجدد.
وأوضح الدكتور كارب إن العيادات غير ملزمة بالإفصاح عن مصدر الخلايا الجذعية المُتبرع بها، ما يعني احتمال تلوثها. وأضاف الخبراء أن الحقن غير السليم — أو استخدام خلايا ملوثة — قد يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة، مثل تشكّل جلطات أو انتقال الخلايا إلى أعضاء خاطئة في الجسم. وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد حذّرت في السابق من تقارير عن حالات عمى، وتكوّن أورام، وعدوى بعد تلقي علاجات بالخلايا الجذعية غير معتمدة. ففي عام 2017، أصيب ثلاثة مرضى في فلوريدا بأضرار دائمة في البصر بعد أن تم حقن خلايا جذعية في أعينهم لعلاج التنكس البقعي.
قال السيد كينيدي في ظهوره الأخير عبر بودكاست: "من الطبيعي أن يكون هناك محتالون، وستحدث بعض النتائج السلبية"، وتابع: "وفي النهاية، لا يمكن منع ذلك بأي حال من الأحوال."
وقال الدكتور كارب إن "السيناريوهات الأكثر خطورة غالباً ما تحدث في العيادات التي تسعى للربح وتعمل خارج إطار الرقابة".
وقال إن "هذه العيادات غالباً ما تبالغ في ادعاءاتها وتتجاهل بروتوكولات السلامة المهمة".
أشارت الدكتورة لودفيغ إلى أن "هناك احتمالاً خطيراً للإصابة" نتيجة العلاجات غير المجربة، حتى لو كان بعض المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة يبحثون بشدة عن حل.
وأضافت أنه ينبغي على المرضى أن يستفسروا عن الإجراءات التنظيمية التي تلتزم بها العيادات، ومدى استناد العلاج إلى أدلة علمية. وقالت محذرة: "أنصح بتوخي الحذر الشديد".
هذا المقال منقول من صحيفة "نيويورك تايمز." (The New York Times).