رحل عبد الله محمد سعيد سيف الريامي، مبكراً عن عمر يناهز الرابعة والثلاثين، ورحلت معه روح تجسد الحلم الإماراتي الطموح الذي خطّ مسيرة أمة حديثة في زمن قياسي. لم يكن عبد الله مجرد زميل، بل إماراتياً نبيلاً، شغوفاً بالعلم والمعرفة، مؤمناً بأنها مفتاح القيادة. رحلة واعدة، من الدبلوماسية إلى الصحافة، قُطعت فجأة.
بعد دراسات عليا في العلاقات الدولية والدبلوماسية وبكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصاد والدراسات الدولية، انتقل عبد الله من عالم الدبلوماسية الرفيع إلى نبض الصحافة، شاهداً على تحولات مجتمعه. كان حاملاً لرؤية تجمع بين فخر الماضي الإماراتي وتطلعات المستقبل التي رسمها الآباء المؤسسون. كصحفي، تناول بتعمق مواضيع التراث والابتكار والاستدامة والتكنولوجيا.
لقد جسد عبد الله نموذجاً للتقدم العربي الذي شهدته شخصياً منذ أواخر الثمانينيات، حين كانت ثروات النفط تتدفق، وكانت الكفاءات الوافدة المتعلمة تشغل المناصب. ومع تسارع العولمة ودعوة قادة الإمارات للريادة، كان جيل عبد الله هو من اختار الانطلاق نحو المستقبل القائم على المعرفة، بدلاً من الاكتفاء بالماضي.
لم يكن تغيير المفاهيم سهلاً، خاصة في مجتمع اعتاد على مظاهر البذخ. لكن القيادة نجحت تدريجياً في ترسيخ فكرة أن اقتصاد المعرفة هو السبيل للمستقبل. وقد لمستُ شرارة هذا التغيير بنفسي، وشاهدتُ تحول عقلية الشباب الإماراتي نحو التعليم والثقافة والتحضر.
لقد شهدتُ كيف صعدت المرأة الإماراتية المتعلمة، من خلف حجب التقاليد، لتتبوأ أعلى المناصب في الإدارة والقيادة والبرلمان، وحتى في مجالات الطيران والفضاء والبحث العلمي.
اليوم، يستمع العالم باهتمام لوزراء الإمارات، وهم نخبة من التكنوقراط والخبراء، يناقشون قضايا عالمية ملحة. بينما يحلم الإماراتيون بغزو الفضاء، ويتقدم المئات منهم ليصبحوا رواد فضاء.
رغم خلافاتنا حول التخطيط الاستراتيجي، كانت إنسانية عبد الله مصدر تقدير كبير. برحيله، خسرت الصحافة صوتاً نبيلاً سعى لتنوير الجمهور حول التقنيات الحديثة، وخسرت الأمة شاباً طموحاً يحمل حلماً إماراتياً بغزو عوالم المعرفة والعقول.