هوس العناية بالبشرة طريق إلى الاضطرابات النفسية
علمونا أن البشرة هي عضو من أعضاء الجسم، ولكن في الوقت الحالي في عام 2024، أصبح من المتوقع أن تكون مثل الزجاج؛ خالية من العيوب ومشرقة. وقد تم نشر أكثر من 1.2 مليون مشاركة على موقع إنستغرام تحت وسم #glassskin (بشرة مثل الزجاج)، وأقنع مؤثرو العناية بالبشرة مستخدمي الإنترنت بالتطلع إلى الحصول على بشرة صافية للغاية بحيث يمكنها عكس الضوء. وقد دخلت كلمات مثل "الريتينول" و"النياسيناميد" و"حمض الهيالورونيك" في المحادثات غير الرسمية، ويبدو أن كل روتين للعناية بالبشرة يحتوي الآن على 10 خطوات على الأقل.
ذات مرة، وقعت "توبا شودري"، المقيمة في دبي، في فخ أثناء سعيها للحصول على بشرة رطبة وشابة وتقليل فرط التصبغ لديها. تقول: "إن النشأة ببشرة بنية اللون تأتي بعدد من الصراعات، وخاصة فيما يتعلق بمسائل مثل فرط التصبغ. لقد جربت طناً من المنتجات وأهدرت الكثير من المال، لكنني أدركت في النهاية أنني لم أصل إلى أي مكان وبدت بشرتي كما هي وكنت أشعر بالإحباط أكثر من العملية برمتها".
قررت أن تتوقف قليلاً، وقالت: "لقد أبطأت من وتيرة حياتي والتزمت بالأساسيات - مثل التنظيف المزدوج، والكريم الواقي من الشمس، والترطيب - واتبعت قاعدة استخدام منتج واحد في كل مرة. لقد ساعدني ذلك في معرفة ما يناسب بشرتي بالفعل، والآن، أصبحت أكثر سعادة بعاداتي وروتيني".
ساهمت عوامل متعددة مثل وسائل التواصل الاجتماعي وفلترات الجمال المضللة، وضغوط الأقران، وظهور المؤثرين في مجال العناية بالبشرة، و"الهاليو" أو "الموجة الكورية" (التي توصف بأنها "هوس عالمي بالثقافة الكورية" بما في ذلك الكيبوب والدراما الكورية والجمال الكوري، الذي روج لـ"البشرة الزجاجية"، في زيادة الاهتمام بمنتجات وعلاجات العناية بالبشرة. وبينما يمكن أن يكون محتوى الجمال على وسائل التواصل الاجتماعي ممتعاً وغنياً بالمعلومات المفيدة، يحذر الخبراء من أنه إذا لم يكن المرء حذراً، فقد ينشر معلومات مضللة ويؤدي إلى هوس بعواقب بعيدة المدى.
ما الذي يعد أكثر من اللازم؟
يرتاد نحو 20% من مرضى الدكتورة "أكريتي سوبتي" عيادتها وهي عيادة أثينا للأمراض الجلدية، للحصول على روتين للعناية بالبشرة. وبعض هؤلاء المرضى، الذين لا تتجاوز أعمارهم 16 عاماً، لا يعانون من أمراض جلدية على الإطلاق، فاضطرت طبيبة الأمراض الجلدية إلى رفض طلبات إجراءات مثل حقن الشفاه وعلاجات تفتيح البشرة على مثل تلك البشرة الشابة.
كما يرغبن في التشبه بالنجوم الكوريين بشكل غير واقعي . قالت الدكتورة "سوبتي": "يرغبن في أنف ووجه أنحف، وفك محدد أكثر. في بعض الأحيان، اعتماداً على بنيتهن، يكون الأمر سهلاً أو حتى ضرورياً من الناحية الطبية، ولكن في بعض الأحيان يكون الأمر غير ممكن جسدياً بسبب الاختلافات في العرق ونوع البشرة ولون البشرة".
وتشمل قائمة عملائها أيضاً المرضى الذين يجدون صعوبة في إدارة الآثار الجانبية الناجمة عن الإفراط في استخدام منتجات مثل الكريمات الموضعية التي تحتوي على الستيرويدات. وتوضح: "قد يستخدمها المريض في البداية لعلاج طفح جلدي ثم يلاحظ أنها أعطته بشرة أكثر بياضاً وتوهجاً في غضون ستة أشهر. ويبدأ في الإفراط في استخدامها وفجأة، تظهر بقع حمراء جافة على بشرته".
تتذكر الدكتورة "سوبتي" العمل مع مريضة تبلغ من العمر 30 عاماً فقدت السيطرة أثناء محاولتها علاج حب الشباب بكل المنتجات التي وعدت ببشرة خالية من العيوب. لكن هذا لم يؤد إلا إلى المزيد من الضرر على بشرتها واستغرق الأمر من الطبيبة عدة أشهر لمساعدة المريضة حتى مع خطة العلاج الصحيحة.
وتشير إلى أن جائحة كوفيد-19 لعبت أيضاً دوراً في نمو هذا التوجه المقلق، حيث استهلك الناس خلال فترة الإغلاق المزيد من محتوى الجمال عبر الإنترنت أكثر من أي وقت مضى. وتتابع: "لقد تغير أيضاً تسويق وترويج منتجات العناية بالبشرة، حيث تستخدم الشركات الآن ألوان أرجوانية ووردية وباستيلية لجذب الفتيات المراهقات". غالباً ما ينتهي الأمر بالفتيات السذج إلى شراء الكريمات المليئة بالعطور وذات الرائحة القوية التي تسبب حب الشباب والأكزيما وتغيرات البلوغ لأنهن "ربما كانوا يعانون من قدر من الخلل الهرموني في البداية". وإن استخدام مرطبات تكبير الشفاه التي أصبحت رائجة في الوقت الحالي، تحمل مخاطر خاصة. تحذر الدكتورة: "معظمها يحتوي على مواد كيميائية ضارة تسبب تورماً بسيطاً في الشفاه ولكنها يمكن أن تؤدي أيضاً إلى التهاب الجلد، مما قد يؤدي في النهاية إلى ضرر في الشفاه".
أليفيا جوهر، المؤسسة المشاركة لشركة "اف سي بيوتي" (FC beauty) والشريكة في شركة فخري الهندي ذ.م.م، بدأت حياتها المهنية كمصممة ديكور مبتدئة. كانت الوظيفة تتطلب قضاء ساعات طويلة في الهواء الطلق مما تسبب في ظهور حب الشباب الكيسي على بشرتها. تقول: "كانت بشرتي صافية طوال طفولتي ومراهقتي، لذلك عندما بدأت تظهر بقع حب الشباب والندبات على وجهي، شعرت بالانزعاج والإحباط". "لقد أثر ذلك على ثقتي بنفسي". قامت بزيارة طبيب أمراض جلدية الذي عالج حب الشباب لديها - "وهو أفضل قرار اتخذته على الإطلاق"، كما تقول.
ومع ذلك، ظلت آثار حب الشباب والبقع على بشرتها. ثم انضمت إلى شركة التجميل التي تملكها عائلتها وبدأت في البحث عن منتجات العناية بالبشرة وتجربتها. تقول: "في تلك المرحلة، كان الأمر جديداً ومثيراً للاهتمام بالنسبة لي. وعندما بدأت أرى النتائج، اعتقدت أنه يمكنني استخدامها لتنقية بشرتي". "في ذلك الوقت، بدأت في استخدام علامات تجارية محلية وعالمية مختلفة - ليس فقط العلامات التجارية التي كنت أحضرها، بل وأيضاً علامات تجارية أخرى لأنني أردت الحصول على بشرة زجاجية". لم تتفاعل بشرتها بشكل جيد مع المنتجات. "في ذلك الوقت أدركت أنني لست بحاجة إلى اتباع كل توجه جديد وأنني بحاجة فقط إلى الالتزام بالأساسيات".
اليوم، لا تستخدم جوهر أكثر من خمسة منتجات: التونر، والسيروم، وكريم الوقاية من الشمس، وكريم الترطيب، و الاسنس. وتشير إلى أن "القليل أفضل من الكثير عندما يتعلق الأمر بالعناية بالبشرة. يحاول الناس كل شيء للحصول على بشرة زجاجية. وتستغل صناعة التجميل هذا الاهتمام من خلال ابتكار منتجات جديدة".
فهم هوس العناية بالبشرة
في الحالات الصعبة، ينفق الناس كل أموالهم على منتجات وعلاجات العناية بالبشرة باهظة الثمن، مما يترك لهم القليل من المال أو لا شيء على الإطلاق لتغطية الضروريات الأساسية مثل أغراض المنزل والإيجار. حتى أن الخبراء لديهم مصطلح جديد نسبياً لهذه الحالة وهو (ديرموريكسيا). وفقاً لمقال نُشر في سبتمبر 2024 في مجلة "جراتسيا"، فإن (ديرموريكسيا) (يقال إن المصطلح "صاغته الصحفية في مجال التجميل جيسيكا ديفينو في نشرتها الإخبارية "Substack The Review of Beauty") هو أيضاً "انشغال بالعيوب الملحوظة المتعلقة بالجلد مثل حب الشباب أو الندبات". ومع ذلك، من المهم ذكر أن الأطباء لا يمكنهم تشخيص الأمر سريرياً.
وتوضح طبيبة الأمراض الجلدية وجراحة التجميل الدكتورة مهرا لطفي: "إنه يمثل اضطراب تشوه الجسم حيث تتركز نظرة الأشخاص إلى أنفسهم حول مظهرهم وتصورهم لأجسادهم، ويقومون باستخدام منتجات العناية بالبشرة بشكل مفرط". "يتجنب هؤلاء المرضى التفاعلات الاجتماعية والخروج في الأماكن العامة وارتداء ملابس السباحة ... يمكن أن يؤدي ذلك إلى ضغط نفسي ويؤثر على الصحة النفسية بشكل عميق جداً."
هناك خط رفيع ولكن واضح بين الاهتمام غير المؤذي بالعناية بالبشرة والهوس الكامل بها. تقول الدكتورة لطفي: "يبدأ الأمر بالهوس بمظهر البشرة والنظر باستمرار في المرآة، والعبث في البشرة بالأيدي". هؤلاء الأشخاص مهووسون بـ "العيوب" المتخيلة، ويخضعون لعمليات تجميلية متكررة ويتابعون المؤثرين المفضلين لديهم في مجال العناية البشرة ويشترون كل منتج معلن عنه. وتضيف: "إنهم يستثمرون الكثير من الوقت والمال في ذلك. أحاول عادةً تهدئة هؤلاء المرضى ومحاولة جعلهم يشعرون بالرضا عن أنفسهم".
كانت إحدى مريضاتها، وهي فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، مهووسة ببشرتها لدرجة أنها كانت تقضي حوالي ثلاث إلى أربع ساعات كل يوم في تنظيفها وتقشيرها. تتذكر الدكتورة لطفي: "لقد أنفقت الكثير من المال على المنتجات وكانت تعاني من انخفاض في ثقتها بنفسها والانطواء الاجتماعي والقلق والاكتئاب". وكانت هناك علامات جسدية لهذا الهوس أيضاً، حيث عانت من احمرار الجلد والتهابه لأن المنتجات لم تناسبها.
وفي مثل هذه الحالات، تقترح الدكتورة لطفي على المريضة استشارة معالج نفسي، وهو ما فعلته في هذه الحالة. وتقول: "قد يتطور الأمر إلى هوس نفسي إذا لم تعالج الأمر في الوقت المناسب، وخاصة بين الشباب الذين يتأثرون بشدة بوسائل التواصل الاجتماعي وما هو رائج في مجال الجمال". وظلت على اتصال بالمريضة وهي سعيدة برؤية المراهقة تتمتع بعلاقة أكثر صحة مع جسدها وبشرتها اليوم.
عندما تتم العناية بالبشرة بالطريقة الصحيحة - باستخدام منتجات العناية بالبشرة عالية الجودة، أو اتباع روتين بسيط ولكنه فعال، أو اختيار علاجات آمنة ومناسبة للعمر تعمل على تحسين ملامح الشخص - يمكن للعناية بالبشرة أن تعزز احترام الذات والثقة بالنفس. ومع ذلك، فإن المبالغة في الأمر يمكن أن تؤدي إلى اليأس الشديد لتلبية معايير الجمال غير الواقعية. وتضيف الدكتورة لطفي: "يجب أن تبني نهج متوازن للعناية بالبشرة".
نصائح للحصول على بشرة صحية
1) تنصح الدكتورة مهرة لطفي: لا تشتر كل منتج يتم الإعلان عنه على وسائل التواصل الاجتماعي. "بعض هذه المنتجات غير معروضة للبيع ويقوم المؤثرون بالترويج لها، لكن عليك تذكر أنهم مؤثرون، وليسوا أطباء".
2) حددي وقت معين لقضائه على وسائل التواصل الاجتماعي. يمكن أن تساعدك ممارسة الرياضة أيضاً في الحصول على بشرة صحية ومتوهجة، لذا بدلاً من تصفح وسائل التواصل الاجتماعي لساعات، يمكنك ممارسة رياضة الركض.
3) اتبعي روتيناً بسيطاً للعناية بالبشرة. وتضيف: "تناولي طعاماً صحياً واحصلي على قسط كافٍ من النوم".