
تبدأ بيئات العمل الصحية بما يراه الموظفون من قادتهم، وليس فقط بما يُطلب منهم.
وتتغير الثقافة بالقدوة، وليس فقط بالأوامر. هذه هي الرسالة التي رددها قادة الموارد البشرية خلال قمة القوى العاملة المستقبلية 2025، التي عُقدت في فندق "العنوان سكاي فيو" بدبي، حيث برز الانسجام بين العمل والحياة كركيزة أساسية لثقافة مكان العمل الحديث.
وفي القمة، قالت "أنام عرفان"، المديرة التنفيذية للموارد البشرية والمهتمة بالصحة والعافية: "لا يوجد توازن مثالي. لكن الانسجام ممكن، إذا اتبعه القادة. فالموظفون يشاهدون. ما نفعله نحن في القمة هو ما يُصبح ثقافة".
وروت مثالاً من تجربتها الشخصية في العمل مع مسؤول تنفيذي رفيع المستوى في شركة رقمية كبرى في دول مجلس التعاون الخليجي. أعطى هذا المسؤول الأولوية لصحته الشخصية بتخصيص وقت في منتصف النهار لزيارة النادي الرياضي، وهو تصرف بسيط أدى إلى زيادة في عدد الموظفين الذين يفعلون الشيء نفسه بنسبة 25% إلى 30%.
"عندما يُبرز القائد أهمية العافية دون أعذار، يشعر الآخرون بالأمان لاتباعه، وأضافت "عِرفان": "هكذا تتغير الثقافة، بالقدوة، وليس بالأوامر."
وأشارت عرفان أيضاً إلى أن العديد من المهنيين في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المغتربين، يواجهون انعدام الأمن الوظيفي بشكل متزايد، مما يجعل من الأهمية بمكان أن يشير القادة إلى أن الاهتمام بالصحة ليس مقبولاً فحسب، بل متوقعاً أيضاً من الموظفين.
وقالت: "هذا يختلف عن العيش في وطنك حيث يكون الانتقال الوظيفي آمناً. هنا، يتمسك الناس بمناصبهم بشدة. ولذلك، يكتسب دور القيادة في تحقيق التوازن الوظيفي أهمية أكبر".
وتم تصميم قمة القوى العاملة المستقبلية 2025، التي تنظمها مجموعة "ك.تي لتنظيم الفعاليات" (KT Events) وتُقام في فندق "العنوان سكاي فيو" (Address Sky View) في دبي، لإثارة محادثات حيوية حول مكان العمل وتحدي المعايير التقليدية في دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها.
وقد تناولت "موراي فهيم"، مديرة الأفراد والمنظمات في شركة "نوفو نورديسك" بالإمارات العربية المتحدة، هذه الرسالة بمزيد من التفصيل من خلال أمثلة ملموسة حول كيفية دمج المساءلة عن العافية في كل مستوى من مستويات مؤسستها.
قالت: "لا نتحدث عن العافية فحسب، بل نقيسها أيضاً. لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه".
في "نوفو نورديسك"، يتضمن استطلاع رأي سنوي حول المشاركة يُسمى "إيفولف" أسئلةً مُخصصة حول التوتر، والصحة البدنية، ومدى شعور الموظفين باهتمام شركتهم بهم. لا تُحفظ هذه النتائج في أرشيفات الموارد البشرية فحسب، بل تُربط أيضاً بتقييمات أداء القيادة وحتى المكافآت.
وتؤكد "فهيم"، أن القادة تتم محاسبتهم وإذا أظهرت فرقهم انخفاضاً في المشاركة أو ارتفاعاً في مستوى التوتر، سيتم تسجيلهم في برامج دعم مُخصصة مع أخصائيين في علم النفس التنظيمي لتوضيح "السبب" وتحسين الأداء.
وأكدت أن البيانات تُظهر رابطاً واضحاً، فالمشاركة العالية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بانخفاض مستوى التوتر، والعكس صحيح أيضاً. بالنسبة لشركة "نوفو نورديسك"، العافية ليست مجرّد رفاهية، بل ضرورة عمل.
كما سلطت "فهيم" الضوء على مبادرة "نوفو نورديسك" العالمية، "نوفو هيلث"، والتي تعتمد ستة ركائز للرعاية الوقائية، بما في ذلك الصحة العقلية واللياقة البدنية والفحوصات الصحية المنتظمة.
وقالت: "نوفر لكل موظف عضوية في صالة الألعاب الرياضية، ودروس يوغا، وحتى جهاز مشي منزلي. قد يعتبر البعض هذا ترفاً لكن بيانات التأمين لدينا تُظهر أنه يوفر علينا من ضعفين إلى أربعة أضعاف التكلفة مع مرور الوقت، عندما نمنع الأمراض المزمنة."
وأوضحت أن هذه النظرة طويلة الأمد دفعت الشركة إلى تصميم مزايا تمتد عبر مراحل الحياة، سواء كانت 14 أسبوعاً من إجازة الوالدين مدفوعة الأجر، أو إجازة الرعاية مدفوعة الأجر بالكامل للموظفين الذين لديهم آباء مسنون، أو مرونة العمل عن بعد لأولئك الذين يواجهون تحديات شخصية.
واختتمت حديثها بمثال إنساني عميق، عندما طلبت موظفة تعاني من مشكلة في حملها إجازة غير مدفوعة الأجر وممتدة، عملت الشركة بدلاً من ذلك معها لإعادة صياغة مهامها لتكون مناسبة للعمل عن بُعد، مع ضمان الحفاظ على صحتها ودخلها وراحة بالها.
"لقد رأيناها كإنسانة متكاملة، لا مجرد عاملة. هذا هو المعنى الحقيقي للعافية".
وأوضحت الجلسة أن مستقبل أماكن العمل الصحية لا يكمن في الشعارات أو الفوائد السطحية، بل في استعداد القادة لتقديم قدوة في العافية، وتحمّل المسؤولية عن المناخ العاطفي لفرقهم، ومعاملة الموظفين كبشر أولاً.
وكما قالت عرفان: "إذا أردنا مساحات عمل أكثر صحة، فالتغيير يبدأ منّا. وسنبني هذا النموذج من خلال سلوكنا. فالثقافة تنتشر بسرعة".