ضعف القدرة على إدارة الأموال غالباً ما تؤدي إلى التوتر والقلق والشعور بعدم الاستقرار
ضعف القدرة على إدارة الأموال غالباً ما تؤدي إلى التوتر والقلق والشعور بعدم الاستقرار

الثقافة المالية.. مفتاح تجنب التوتر وتحقيق الاستقرار

يلعب المال دوراً محورياً في حياتنا، فهو يشكل خياراتنا اليومية ويؤثر على الأمن والرفاه بشكل عام وعلى المدى الطويل
تاريخ النشر

بشكل عام يؤثر المال على كل جانب من جوانب حياتنا، سواء كانت قراراتنا المهنية أو التعليم أو السكن أو العلاقات وغير ذلك الكثير. يلعب المال دوراً محورياً في حياتنا، فهو لا يشكل خياراتنا اليومية فحسب، بل ويؤثر أيضاً على الأمن والرفاه بشكل عام وعلى المدى الطويل. ومع ذلك، وعلى الرغم من أهميته، إلا أن فهم كل ما يتعلق به وكيفية إدارته، وكيف يؤثر على عواطفنا - هو مهارة لا يتقنها الكثيرون. إن مفهوم الثقافة المالية يتجاوز مجرد موازنة الميزانية؛ فهو يتطلب فهماً عميقاً بكل ما يتعلق بالمال. إن ضعف القدرة على إدارة الأموال غالباً ما تؤدي إلى التوتر والقلق والشعور بعدم الاستقرار، في حين أن إتقان هذه المهارة يمكن أن يجلب راحة البال ويوفر فرصاً للنمو. في عالم اليوم سريع الخطى والذي يقوده المستهلك، إن بناء علاقة صحية مع المال أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.

لقد قيل وكتب الكثير وما يكفي عن إدارة الأموال، بحيث أن معظمنا يدرك "القواعد الذهبية" مثل أن عليك إنفاق أقل مما تجنيه، والاحتفاظ بجزء منه للطوارئ، وتسديد دفعات بطاقتك الائتمانية بالكامل. ومع ذلك، يبدو أن تأثير هذه القواعد على عادات الناس المالية محدود بالفعل. فإن الديون المرتبطة بالاستهلاك تتفاقم، والهشاشة المالية منتشرة على نطاق واسع، ولا يزال المال يشكل أكبر مصدر قلق بالنسبة لغالبية كبيرة من الناس.

يقول رجل الأعمال والمؤلف الأمريكي "روبرت كيوساكي"، المعروف بسلسلة كتبه عن التمويل الشخصي "الأب الغني والأب الفقير": "لا يتعلق الأمر بكمية المال الذي تجنيه، بل بكمية المال الذي تحتفظ به، ومدى نجاحه بالنسبة لك، وعدد الأجيال التي تحتفظ به". ويؤكد أن الثروة الحقيقية تأتي من الادخار الذكي والاستثمار الفعال وبناء الأمن المالي الدائم عبر الأجيال، وليس فقط من كسب المال.

لذا ربما حان الوقت للنظر إلى عاداتنا المالية بشكل مختلف؛ وفهم أن سلوكنا المالي يقع عند تقاطع علم النفس والاقتصاد السلوكي وعلم الأعصاب. ربما يكون من المفيد أن نخصص بعض من الوقت لفهم كيف يمكن لبعض الأفعال والآراء أن تؤثر بشكل إيجابي على رفاهيتنا المالية.

"مارلين إل. بينتو"، مؤسسة شركة "كيه إف آي جلوبال" (KFI GLOBAL) - وهي شركة تعليمية متخصصة في تثقيف الأفراد حول كيفية التعامل مع الأموال بذكاء ومسؤولية - تسلط الضوء على نظام "ADEPT" خلال جلساتها. وفي مهمتها لإيصال هذا التعليم الذي يغير الحياة إلى المزيد من الناس في جميع أنحاء العالم، ترى مارلين أن اتباع نظام "ADEPT" هو مكان جيد للبدء بذلك:

أ- الاستقلالية:

ما يجب أن ندركه أولاً هو أننا بحاجة إلى أن نأخذ زمام المبادرة في هذا المسعى الهام. فمن السهل للغاية أن نجلس مكتوفي الأيدي وننتظر حتى تصطف النجوم تماماً قبل أن نبدأ، بينما تمر الأسابيع والأشهر الثمينة بسرعة، وننتظر ونصبر لقدوم شيئ أو شخص ما ليحثنا على السعي في الأمر.

إننا بحاجة إلى إدراك أن السير على الطريق نحو الرفاهية المالية أمر بالغ الأهمية ولا ينبغي أن نتركه للصدفة أو لدوافع الآخرين. علينا اتخاذ القرار في هذا الجانب، وسوف ندرك أن أفعالنا تأتي بثمارها بمرور الوقت وتمنحنا ميزة مالية.

د- عدم الراحة:

نحن بحاجة إلى الخروج من نطاق راحتنا، فإن هذه هي أول علامة على أن وجود تطور. يحدث التطور خارج منطقة الراحة. لذا إذا لم نشعر أننا خارج حدودنا المعتادة، فمن المحتمل جداً أننا لا نحاول بما فيه الكفاية لإحداث فرق ملحوظ.

نحن نعلم أن ذلك لا يمثل الوضع المثالي لنا؛ فلا أحد يستمتع بالشعور بالعجز، إنه أمر شاق ومخيف. ولكن كما قال مؤلف ومحاضر المساعدة الذاتية الأسطوري بوب بروكتور، "كل ما ترغب فيه موجود على الجانب الآخر من الخوف". إن وضع أنفسنا في مواقف خارج مناطق الراحة الخاصة بنا يقوي الروح. لا يمكن إنكار أن هذا التطور سيؤدي حتماً إلى مكافآت مالية.

هـ- التثقيف:

إن التثقيف المالي يشكل عنصراً بالغ الأهمية في نظام "ADEPT" لأن العديد من الناس يبالغون في تقدير معرفتهم المالية، مما قد يؤدي إلى أخطاء مكلفة. وتُعرف هذه الثقة المفرطة باسم تأثير دونينج-كروجر، وهو "الانحياز الاستعرافي" حيث يعتقد الأفراد الذين لديهم خبرة محدودة في موضوع ما أنهم أكثر مهارة مما هم عليه بالفعل. وفي سياق المال، يعني هذا أن الناس غالباً ما يظنون أنهم ملمون بالمفاهيم المالية مثل الميزانية، والاستثمار، أو إدارة الديون بشكل أفضل من الواقع، مما قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة - مثل الكثير من الديون أو القيام باستثمارات سيئة. يساعد التعليم المالي المناسب في سد هذه الفجوة، وتمكين الأفراد من اتخاذ خيارات مالية بعلم وذكاء أكثر، وبالتالي تجنب الوقوع في هذه الأخطاء.

ب- الهدف:

إن إيجاد هدفنا في الحياة أمر بالغ الأهمية. ولا يتعلق الأمر باختيار مهنة أو تحديد أهداف فحسب؛ بل يتعلق باكتشاف المعنى الأعمق الذي يحركنا. يمنحنا الهدف شعوراً بالإنجاز، والأهم من ذلك أنه يزودنا بالقدرة على مواجهة التحديات بمرونة. وعندما يتوافق عملنا مع هدفنا، نشعر بسعادة أكبر، وهو ما يؤثر إيجاباً على صحتنا النفسية والعاطفية.

في كتابه "ميزة السعادة"، يزعم المؤلف شون آكور أن السعادة ليست مجرد نتيجة ثانوية للنجاح، بل هي في الواقع الأساس له. ويوضح أن السعادة تغذي الأداء والإنجاز، وتمنحنا ما يسميه "ميزة السعادة". ولا تعمل هذه العقلية على تعزيز الرضا الشخصي فحسب، بل تساهم أيضاً في النجاح المالي والرفاهية العامة.

ت- التفكير على المدى الطويل:

إن أهم عنصر في هذا النظام هو القدرة على التخطيط على المدى البعيد. وهو أيضاً أصعب عنصر؛ وخاصة في عصر الإشباع الفوري. وإذا استخدمناه كاستراتيجية أساسية لاتخاذ القرار، فإنه يساعدنا على استخلاص القرارات الجيدة/الذكية بسهولة من القرارات السيئة/الغبية. وكل ما نحتاج إلى فعله هو أن نسأل أنفسنا "ما هو الأفضل لنا في الأمد البعيد؟" ورغم أن الإجابة قد لا تكون دائماً ما نريده، إلا أنها ستتوافق دائماً مع ما نحتاج إليه.

وكما هي الحال مع أي مهارة أخرى، فإننا نتحسن في هذا الأمر مع الممارسة. وبمرور الوقت، تصبح القدرة على تحديد أولويات التأثير الطويل الأجل الذي تخلفه أفعالنا من الأصول التي لا تقدر بثمن، وهي الأصول التي لا تبعدنا عن القرارات المتهورة فحسب، بل وتضعنا أيضاً في موقف استراتيجي لتحقيق النجاح ــ المالي أو غير ذلك.

يمكننا أن نغير علاقتنا بالمال، بغض النظر عن العمر أو المرحلة التي وصلنا إليها، وأن نضع أنفسنا على مسار لتحقيق الرفاهية المالية الدائمة. قد لا تكون الرحلة سهلة، لكن المكافآت المترتبة على عادات مالية أكثر ذكاءً هي وسيلة أكيدة لتشكيل مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً.

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com