

لوحة فنية صخرية ضخمة في جبل ميسما. — غواغنين وآخرون، نيتشر كوميونيكيشنز، ٢٠٢٥ عبر صحيفة نيويورك تايمز
">
في ربيع عام 2023، في موقع أثري معزول بصحراء النفود شمالي السعودية، كان عامل يومي يُدعى صالح إدريس يقف بجانب خندق اختبار ينتظر سطل الرواسب التالي ليُغربل، لكنه حين رفع نظره إلى الجرف الرملي أمامه، ذُهل مما رآه: سر لم يُوثق من قبل.
كانت هناك لوحة منقوشة بالية ثنائية البعد تُصوّر 19 جملاً بحجمها الطبيعي وثلاثة حمير، محفورة على المنحدر على ارتفاع 130 قدماً. اتضح لاحقاً أن النقوش على جانب جبل يُعرف باسم جبل مصمى قد أُنشئت بين 11,400 و12,800 عام مضت. وهي أقدم فن طبيعي واسع النطاق للحيوانات تم العثور عليه في الشرق الأوسط، ومن بين الأقدم في العالم.
قالت ماريا غوانين، عالمة الآثار في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا الجيولوجية في ألمانيا والتي قادت المشروع الميداني: "كنا محظوظين للغاية بهذا الاكتشاف. النقوش باهتة إلى درجة أنها تُرى لمدة 90 دقيقة فقط في الصباح، عندما تشرق الشمس فوق الجبل ويضرب الضوء الصخور في اللحظة المناسبة تماماً".
تُعد غوانين المؤلفة الرئيسية لدراسة نُشرت الشهر الماضي في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز، تسد فجوة في السجل الأثري لهذه المنطقة. وتجادل الورقة بأن مصادر المياه العذبة مثل البرك والبحيرات الموسمية كانت عاملاً مهيكلاً في استقرار البشر الأوائل في الصحراء بعد العصر الجليدي.
تشمل الأدلة الداعمة لهذا الادعاء تحليلاً لرواسب جبل مصمى، واكتشاف أعمال فنية وأدوات شبيهة بالإزميل تعود إلى الحقبة نفسها في موقعين لم يُنقبا سابقاً، هما جبل عرنان وجبل مليحة، ضمن دائرة قطرها 20 ميلاً. قال ماينرات أندريه، الكيميائي الحيوي في معهد ماكس بلانك للكيمياء: "أُعجبت جداً بالعثور على أدوات النقش الفعلية. من الرائع أن تمسك بين يدي الأدوات نفسها التي استخدمها الفنانون النيوليتيون".
وافق غيوم شارلو، عالم الآثار في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في باريس، على هذا الرأي. وقال: "إن فهمنا لفن ما قبل التاريخ في شبه الجزيرة العربية قد تغير جذرياً. هذه الرسوم قد تكون معاصرة لذروة فن الكهوف في أوروبا الغربية".".
ورغم أن السعودية معروفة بهياكلها الحجرية الضخمة من العصر الحجري الحديث، الذي امتد من عام 10,000 قبل الميلاد إلى 2200 قبل الميلاد، فإن المعرفة بتاريخ المنطقة الأقدم لا تزال محدودة. قال هيو توماس، عالم الآثار في جامعة سيدني والذي لم يشارك في المشروع: "تُقدّم هذه الدراسة أدلة تشير إلى أن الناس لم يكونوا موجودين في شمال الجزيرة العربية قبل 12 ألف عام فحسب، بل كانوا يبدعون فناً صخرياً معقداً ويصنعون أدوات توحي بتواصلهم مع منطقة المشرق".
تمنح النقوش المذكورة في الدراسة لمحة عن ثقافات منسية كانت تتعايش مع الجمال والحمير البرية. تكشف النقوش الـ176 المشكّلة للحفر عن مشهد حيوي يبدو لعيني المعاصر وكأنه مجموعة من الشخصيات المتنوعة، لكنه بالنسبة للفنانين ربما كان يمثل مائدة طعام؛ فبالإضافة إلى الجمال والحمير، كانت قائمتهم تشمل الوعول والخيل والغزلان والثيران البدائية.
تعرض النقوش في أغلبها الإبل في موسم التزاوج، الذي يمتد من نوفمبر إلى مارس. ويظهر ذلك من خلال انتفاخ أعناقها وبطونها ومعاطفها الكثيفة التي لم تتساقط بعد. وأشارت غوانين إلى أن موسم تكاثر الإبل يتزامن عادة مع موسم الأمطار أو الأشهر الباردة، إذ إن توافر الغذاء والماء في هذه الفترة يعزز فرص التكاثر وبقاء الصغار، وحتى لو نُقلت الإبل إلى منطقة مختلفة، فموسم تزاوجها يعاود التكيف مع فترة الرطوبة."
كانت جميع الجمال في النقوش برية، إذ لم تُستأنس الجمال ذات السنام الواحد في شبه الجزيرة العربية إلا بعد نحو 3,200 عام مضت.
أسفرت الحفريات أيضاً عن 532 أداة حجرية، تُظهر تشابهاً مع أدوات تعود لثقافات قديمة أخرى في الشرق الأوسط. لكن الباحثين يتعاملون بحذر مع الاستنتاج بأن المجموعة نفسها هي التي أبدعت الأدوات والفن الصخري المجاور.
يقع جبل مصمى على بعد نحو 185 ميلاً من موقع سهوط، المعروف أحياناً باسم "صخرة الجمل"، حيث بدأ علماء الآثار عام 2018 دراسة سلسلة منحوتات تضم 21 جملاً وخيلاً بالحجم الطبيعي محفورة في النتوءات الرملية. أشارت قياسات التألق بالأشعة السينية المحمولة لطبقة تآكل الصخور في البداية إلى أن المنحوتات تعود إلى نحو 7,600 عام، لكن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن تلك كانت مجرد عمليات ترميم لاحقة، وأن العمل الأصلي أقدم من ذلك بكثير.
وعلى عكس موقع سهوط، الذي ربما كان محطة استراحة أو مكاناً للعبادة، يُعتقد أن مجموعة نقوش الجمال في الدراسة الجديدة كانت تؤدي وظيفة مختلفة: تحديد مصادر المياه ومسارات السفر. ورجح سيري شيبتون، عالم الآثار بجامعة كوليدج لندن المشارك في الدراسة، أن الأعمال قد تمثل أيضاً "حقوقاً إقليمية وذاكرة متوارثة عبر الأجيال."
وبدل أن تكون مخفية في تجاويف كما في مواقع أخرى، تظهر الألواح في المواقع الثلاثة المدرجة في الدراسة على صخور بارزة أو وجوه منحدرات مرتفعة ومهيمنة. وكانت اللوحة التي رآها إدريس – العامل اليومي – تتطلب من الفنانين القدماء العمل في وضع حرج على حواف ضيقة دون استخدام سقالات، ما يبرز الجهد الهائل والأهمية الرمزية للفن المنقوش.
قالت غوانين: "أتصور أن مستوى الأدرينالين لدى النقاشين كان مرتفعاً جداً، لأن خطوة واحدة إلى الوراء كانت كفيلة بأن يُترك جملك غير مكتمل. ربما كان هناك نوع من الفخر المرتبط بعرض عملك في موقع صعب للغاية."
ظهرت هذه المقالة أصلا في صحيفة نيويورك تايمز.