"الحب أم الطموح؟ الثراء أم العاطفة؟ الجشع أم الصدق؟" تساؤلاتٌ تطرحها الدراما الاجتماعية "كابهي مين كابهي توم" (أحياناً أنا أحياناً أنت)، والتي تُعرض يومي الاثنين والثلاثاء على قناة "آري ديجيتال" (ARY Digital)، لتُسلّط الضوء على قضايا راهنة استطاعت جذب شريحة واسعة من الجمهور. بدأ عرض المُسلسل، الذي كتبته "فرحات إشتياق" (همسفر، يقين كا سفر) وأخرجه "بدر محمود" (شيخ، مجهي بيار هوا تا)، قبل بضعة أشهر، ليُحقق نجاحاً باهراً لم يكن في الحسبان.
"مصطفى" (فهد مصطفى)، شاب ذكي لكنه يعيش بلا هدف أو شغف، يقضي أيامه في حالة من اللامبالاة. على النقيض منه، نجد شقيقه الأكبر "عادل" (عماد عرفاني)، الابن المثالي الذي حقق الاستقرار المادي ويستعد للزواج من "شارجينا" (هانيا عامر)، الفتاة الجميلة والمتفوقة. لكن تُعلن "رباب" (نعيمة بوت)، رئيسة "عادل" في العمل، حبها له، فيجد "عادل" في ذلك فرصة ذهبية للتقدم في حياته المهنية، فيُقرر التخلي عن "شارجينا" والزواج من "رباب"، مُتحدياً بذلك رغبة عائلته. ينتج عن ذلك طرده من قِبل والده (جاويد شيخ)، وتجد "شارجينا" نفسها في مأزق يدفعها لطلب الزواج من "مصطفى". يوافق "مصطفى" ليبدأ فصلاً جديداً في حياته يكتشف فيه الحب في الصداقة، ويتعلم التضحية، ويواجه الخيانة.
في عصر تسيطر فيه النمطية على المحتوى الدرامي، يثبت مسلسل "كابهي مين كابهي توم" أنه بفضل الاهتمام بأدق التفاصيل، وحتى مع قصة بسيطة كهذه، يمكن تحقيق نجاح مذهل. فقد استطاع المُسلسل، بسحر شخصية "مصطفى" وأسلوب "إشتياق" المُتميز في الكتابة وتطور الشخصيات، أن يلامس روح العصر ويجسّدها ببراعة. وقد تجلّى الحب الجماهيري للمسلسل في انتشار الميمات ومقاطع الفيديو والتعليقات حوله، ووصل الأمر إلى حدّ عرض الحلقة الأخيرة في دور السينما في كراتشي.
تتميز قصة "كابهي مين كابهي توم" بتصويرها الدقيق لخلل شائع في العلاقات الزوجية الحديثة. فـ"مصطفى"، في سعيه الدؤوب نحو الاستقرار المالي، يتجاهل توسلات زوجته التي تُطالبه بالوقت والاهتمام. ويُجسّد "مصطفى" الصراع الذي يعيشه العديد من الرجال الذين يربطون بين النجاح المادي والرضا الشخصي. لقد نشأ "مصطفى" في ظلّ شقيقه "عادل" الذي كان محطّ إعجاب وتقدير الجميع، بينما كان هو الشاب "الفاشل" الذي لم تُقدّر عبقريته وذكاؤه. لذلك، أصبح يسعى بشغف نحو النجاح المادي، ليُؤمّن لأطفاله الحياة التي يعتقد أنهم يستحقونها. على الجانب الآخر، نجد "شارجينا" التي لا تبالي بمغريات الحياة المادية، وتكتفي بقرب "مصطفى" وعيش حياة بسيطة هانئة، فكل ما يهمّها هو وجوده بجانبها.
وهنا يكمن سر نجاح مسلسل "كابهي مين كابهي توم"، فهو يسلّط الضوء بذكاء على الصراعات التي تُعكّر صفو الحياة الزوجية، خاصة في سنواتها الأولى. وقد أثارت قصة "مُصجينا" (مصطفى وشارجينا) الكثير من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انقسم الجمهور بين مؤيد لـ"مصطفى" الذي يكافح من أجل تأمين مستقبل مشرق لطفله، وبين متعاطف مع "شارجينا" التي لا تبحث عن الثراء وإنما عن قرب زوجها وحبه.
ولا يقتصر "كابهي مين كابهي توم" على طرح التساؤلات، بل يقدم أيضاً مجموعة من اللحظات المُرضية والدروس القيمة للمشاهدين. فالزوج الخائن يتلقى درساً قاسياً من زوجته، وتدرك الأم الطماعة خطأها في تفضيل "عادل" على "مصطفى". كما تُضفي اللمسات الفكاهية على المُسلسل نكهة خاصة، منها خوف "مصطفى" و"شارجينا" من فأر في منزلهما، وسخرية "شارجينا" من "رباب" عندما تتفاخر بمالها ومكانتها، وتوبيخ "مصطفى" لأخيه وإلقاء المال في وجهه. ولعلّ أكثر اللقطات تأثيراً في نُفوس المشاهدين هي تلك التي ينتصر فيها "مصطفى" و"شارجينا" على من ظلموهما، فمن منا لا يحلم بردّ الاعتبار لنفسه بهذه القوة؟
في نهاية المطاف، يكمن سر نجاح "كابهي مين كابهي توم" في قدرته على سرد قصة عميقة عن العلاقات المضطربة، دون اللجوء إلى شخصيات شريرة نمطية. فبين "مصطفى" و"شارجينا"، يجد المشاهد نفسه مُتفهماً لوجهة نظر كلّ منهما، ويتعاطف معهما على حد سواء. وتُعزى روعة هذا المسلسل إلى مجموعة من العوامل، منها أداء "مصطفى" الرائع، وإخراج "بدر محمود" المُتقن الذي يُولي اهتماماً بأدق التفاصيل، بالإضافة إلى كتابة "إشتياق" لشخصية نسائية قوية لا تستسلم للظروف. كلّ هذه العوامل اجتمعت لتُقدم لنا عملاً فنياً متميزاً استطاع أن يحافظ على تشويق المشاهدين طوال الأشهر الأربعة الماضية. وفي عصر تسيطر فيه الأعمال السطحية والمحتوى قصير المدى، يُعدّ نجاح "كابهي مين كابهي توم"، الذي تصل مدة الحلقة فيه إلى ساعة كاملة، إنجازاً استثنائياً.