سلطان بيبرس..من دبي يصنع قصة نجاحه على "تيك توك"
لا يزال الجدل قائماً حول العامل الأهم في خلق المحتوى الرائج: هل هو الاستراتيجية المدروسة أم العفوية التلقائية؟ بالنسبة للعديد من صناع المحتوى، غالباً ما تأتي الشهرة بشكل غير متوقع، كلحظة إبداع عفوية تجد صدى واسعاً لدى الجمهور. وهذا ما حدث بالضبط مع "سلطان بيبرس"، المعروف باسم "أودامار" على وسائل التواصل الاجتماعي، خلال بداياته كصانع محتوى.
لقد نشأ "سلطان" في قرغيزستان، وكانت سنوات تكوينه عبارة عن مزيج من الدفء الأسري والهدوء في التضاريس الجبلية التي كان يعتبرها موطنه. يقول: "أنا نصف كوري من حيث العرق، وهذا المزيج الفريد من الثقافات شكّل شخصيتي ونظرتي للعالم".
ونشأ في أسرة متماسكة مكونة من خمسة أفراد، ووجد أساساً من الحب والدعم الذي سيغذي أحلامه لاحقاً. وفي وقت مبكر، كشف شغفه بالرقص عن نفسه عندما انتقل إلى إيقاعات الموسيقى في طفولته، دون أن يدرك أن هذه الفرحة البسيطة ستحدد يوماً ما هدف حياته.
ورغم الفرص المحدودة المتاحة للعمل الإبداعي، فإن الجمال الطبيعي والتقاليد في قرغيزستان غرست في نفسه تقدير البساطة وغذت قدرته على الحلم منذ الصغر. ويقول الشاب البالغ من العمر 25 عاماً: "أصبح العيش في بلد تلهم فيه الطبيعة الإبداع مصدراً للتحفيز بالنسبة لي".
وفي ديسمبر 2022، اتخذ "سلطان" قراراً محورياً غيّر مسار حياته، وهو الانتقال إلى دبي. ويروي: "لأول مرة، وجدت نفسي في مدينة حيث تُلهم كل التفاصيل، من ناطحات السحاب إلى غروب الشمس في الصحراء، أحلاماً جديدة". لقد أعاد مزيج الفخامة والإبداع في المدينة تشكيل منظوره، وعلمه التفكير على نطاق واسع.
وبدأ رحلته كصانع محتوى برغبة قوية في مشاركة طاقته وإلهام الآخرين. واليوم، يتجاوز عدد متابعيه 9 ملايين متابع: 1.2 مليون على "إنستغرام"، و6.5 مليون على "تيك توك"، ونحو مليون على "يوتيوب".
يتميز محتوى "سلطان" بقدرته على ابتكار حركات رقص سريعة رائجة على أنغام الموسيقى الرائجة. يقول: "يبدأ كل فيديو بفكرة. أبحث عن الموسيقى التي تلهمني، وأعمل على تصميم الرقصات، وأهتم بكل التفاصيل لضمان أن تبدو طبيعية وجذابة".
وتتضمن عمليته الإبداعية اختيار مواقع مذهلة بصرياً وإنتاج مقاطع فيديو لا تقل عن المتعة البصرية. والنتيجة؟ أكثر من 10 حركات رقص عالمية رائجة لم تحظ فقط بملايين المشاهدات بل ألهمت أيضاً الأفراد للتعبير عن أنفسهم من خلال الحركة.
سحر اللحظات العفوية
يتذكر "سلطان": "كانت لحظتي الأولى في الرواج عفوية تماماً، وأعتقد أن هذا هو المكان الذي يكمن فيه سحر المحتوى الرائج". في يوم بارد، بينما كان يمشي مع شقيقه، ضربته موجة مفاجئة من الإلهام. وبينما كانت الموسيقى تُعزف عبر سماعات الرأس، قرر "سلطان" الرقص على ممر للمشاة، هناك في الشارع. كانت خطوة جريئة وغير مخطط لها، وكانت مدفوعة بطاقته في تلك اللحظة. ورغم نظرات المارة الفضولية، فقد وثق في غرائزه.
ويضيف: "حقق الفيديو أكثر من ثلاثة ملايين مشاهدة بين عشية وضحاها، مما أثار اتجاهاً عالمياً حيث بدأ الناس في تكرار الرقصة وإغراق التعليقات بالثناء". "على عكس الاعتقاد السائد، غالباً ما ينبع المحتوى الرائج من لحظات طبيعية وغير مفلترة تلتقط المشاعر والطاقة الحقيقية".
الخوارزميات والجمهور
ورغم أن العفوية تشكل أهمية بالغة، فإن آليات منصات التواصل الاجتماعي تلعب أيضاً دوراً مهماً. ويوضح "سلطان": "لقد عملت خوارزميات "تيك توك" بالتأكيد على تضخيم مدى رواج الفيديو الخاص بي، لكن السحر الحقيقي كان في كيفية تفاعل الناس معه". لقد ألهمت أصالة رقصته المشاهدين للمشاركة - من خلال تكرار الحركات ومشاركة المنشور وترك تعليقات صادقة. وقد أشارت هذه الزيادة في المشاركة إلى خوارزمية "تيك توك" لدفع الفيديو إلى المزيد من المستخدمين، ممّا أدى إلى خلق تأثير كرة الثلج.
كما لعب التوقيت دوراً رئيسياً، فمن المرجح أن يؤدي نشر الفيديو خلال ساعات الذروة إلى زيادة المشهادات الأولية، مما يمنحه الزخم الذي يحتاجه لاختراق المشهد المزدحم لوسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، يؤكد صانع المحتوى أنه في حين يمكن للخوارزميات والتوقيت أن يساعدا في تضخيم المنشور، فإن جوهر الرواج لا يزال يكمن في إنشاء محتوى يتردد صداه بعمق مع الجماهير.
هل هناك صيغة للرواج؟
عندما سُئِل "سلطان" عما إذا كانت هناك صيغة واضحة لمحتوى رائج، أجاب بصراحة: "بصراحة، لا أستطيع أن أقول إن هناك صيغة واضحة. كانت رقصتي الرائجة الأولى عشوائية تماماً. لم أستعد لها أو أخطط لها - كانت مجرد إلهام في تلك اللحظة". إن عدم القدرة على التنبؤ هو جمال وتحدي إنشاء المحتوى الرائج. في حين يمكن للمبدعين استخدام استراتيجيات مثل الاستفادة من الاتجاهات، أو تحسين علامات التصنيف، أو الاستفادة من التحليلات، فإن هذه الخطوات لا تضمن النجاح.
وبدلاً من ذلك، يؤمن "سلطان" بالثقة في العملية الإبداعية. ويقول: "عندما تبتكر شيئاً أصيلاً، شيئاً ينبع من القلب، فإنه يتردد صداه لدى الآخرين". وبالنسبة له، يكمن المفتاح في الأصالة، والشغف، والاستعداد للتجربة. "قد يبدو الرواج في بعض الأحيان وكأنه لعبة حظ، لكن التمسك بهدفك وطاقتك يخلق أرضاً خصبة لحدوث تلك اللحظات السحرية".
بالنسبة لـ"سلطان"، فإن تجربته بمثابة تذكير بأن الإبداع لا يحتاج دائماً إلى اتباع صيغة معينة. الموسيقى والرقص، باعتبارهما لغتين عالميتين تتجاوزان الحدود، يشكلان جوهر جاذبيته الواسعة النطاق. ويضيف: "أهدف إلى إنشاء محتوى يثير المشاعر ويلهم ويجلب الابتسامة إلى وجوه الناس".
ومع ذلك، لم يأت النجاح دون تحديات. فبناء علامة تجارية من الصفر في صناعة تنافسية مثل وسائل التواصل الاجتماعي يتطلب موقفاً قوياً لا يستسلم أبداً. ويعترف قائلاً: "في البداية، كان عليّ أن أتعلم كل شيء بنفسي. يمكن أن تجلب وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً السلبية، لكنني اخترت التركيز على الإيجابية والدعم من جمهوري. أرى التعليقات السلبية كفرص للنمو بشكل أقوى، كل هذا جزء من الرحلة".
أحلام دبي
وقد عزز العيش في دبي طموحاته، حيث أثرت طاقة المدينة النابضة بالحياة ومزيجها الفريد من التقاليد والحداثة على أسلوبه كصانع للمحتوى. ويضيف: "تلهمني دبي لإنشاء محتوى يعكس روحها الفريدة". لا تعرض مقاطع الفيديو التي تعرض سيارات خارقة وديكورات داخلية فاخرة ومواقع عصرية جوهر دبي فحسب، بل تلهم جمهوره أيضاً للحلم بجرأة.
بالنسبة لصنّاع المحتوى الطموحين، وخاصة أولئك القادمين من دول أصغر مثل قيرغيزستان، يقدم "سلطان" نصيحة أساسية واحدة: "لا تخف من الحلم والعمل نحو تحقيق أهدافك. حتى لو كنت قادماً من دولة صغيرة، فلديك كل الفرص لتحقيق النجاح العالمي. العالم مفتوح لأولئك الراغبين في العمل، وأنا على ثقة من أن أي شيء ممكن إذا كنت مستعداً للعمل الجاد والإيمان بأحلامك".
ورغم أن الرواج لا يمكن هندسته بالكامل، إلا أن المبدعين يستطيعون تحسين فرصهم من خلال إيجاد التوازن الصحيح بين الاستراتيجية والأصالة، كما يعتقد صانع المحتوى: "قد تعمل الخوارزميات والتوقيت كأدوات لتضخيم الوصول، لكن جوهر اللحظة الرائجة يكمن في قدرتها على تكوين ارتباط عاطفي مع الجمهور".