انتعاش"الفينيل" بدبي: تجربة موسيقية تتحدى العصر الرقمي

التحوّل السكاني المستمر في دبي يعني أن مُحبي أسطوانات الفينيل مُتنوعون تمامًا مثل أسطواناتها الأصلية.
انتعاش"الفينيل" بدبي: تجربة موسيقية تتحدى العصر الرقمي
تاريخ النشر

في عالم تهيمن عليه قوائم الموسيقى الرقمية، تبدو عودة أسطوانات الفينيل قصة نجاح غير متوقعة. لكن إذا دخلت متجر "ذا فليب سايد" — متجر الأسطوانات المستقل المحبوب والواقع في منطقة الفنون في دبي — ستدرك سريعًا سبب استمرار هذا النمط من الموسيقى. ذلك الخشخشة الدافئة، ووزن الأسطوانة بين يديك، ومتعة البحث بين الصناديق. الفينيل ليس مجرد موسيقى، بل تجربة ومُلكية وصلَة أكثر إنسانية مع الصوت.

ألكسندر كوروتون
ألكسندر كوروتون

يقول "شادي ميغاللا"، مؤسس "ذا فليب سايد"، إنه لاحظ تزايدًا مستمرًا في بيع الأسطوانات. يضيف: "ما أجد صعوبة فيه هو تحديد سبب هذا الازدهار." على عكس بقية مدن العالم، فإن تغير سكان دبي باستمرار — بفعل الوافدين والسياح والمغتربين — يجعل قاعدة زبائن المتجر متنوعة تمامًا مثل ما يحتويه من أسطوانات. "لدينا زبائن أوفياء معنا منذ اليوم الأول، ولكن هناك أيضًا الكثير من الجدد والسياح."

ما الذي يجمعهم؟ يقول ميغاللا: "كلهم عشاق للموسيقى، هذا ما يشتركون فيه. أنا شخصيًا لا أسمع أو أرى الأنواع، ففي النهاية هي موسيقى: إما تعجبك أو لا تعجبك. أتمنى فقط أن يركز الناس أقل على التصنيفات الموسيقية وأن يكونوا أكثر انفتاحًا عند الاستماع."

هذا الانفتاح ينعكس أيضًا على تحديات تنظيم الأسطوانات داخل المتجر. "أصعب شيء بالنسبة لنا هو تحديد القسم الذي يجب وضع أسطوانة معينة فيه. مع الوقت، استلهم الفنانون من أنواع عدة حتى أصبحوا يخلقون شيئًا جديدًا تمامًا."

بالنسبة لميغاللا، يكمن سحر الفينيل في طبيعته الملموسة والدائمة. "لا شيء يضاهي جودة الصوت التي توفرها الأسطوانة. بالنسبة لي، تبدو الموسيقى الرقمية باهتة وباردة — تفتقر إلى العمق والعاطفة." لكن الأهم هو فعل الجمع نفسه، كما يقول: "الموضوع يتعلق بفعل الامتلاك. يمكنك الاشتراك بجميع المنصات الرقمية اليوم، لكنك لا تملك الموسيقى فعليًا. إذا اختفى الإنترنت فجأة، سأظل أمتلك أسطواناتي وذكريات جمعها."

متعة التنقيب

بالنسبة للمحنك في جمع الفينيل المهند البستكي، الذي يمتهن الدي جيه وجمع الأسطوانات من جميع الأنواع، الفينيل تجربة شخصية جدًا. يقول: "الموضوع أولًا وأخيرًا يتعلق بعملية التنقيب والبحث. الذهاب إلى محل حقيقي، سحب الأسطوانات من الصناديق، الاستماع إليها — أجد فيها راحة ومتعة هائلة. يمكنني قضاء ثلاث ساعات دون توقف فقط أفعل ذلك."

مجموعته تضم أكثر من 300 أسطوانة، وهذا الرقم يواصل الازدياد. "بتّ أجمع أكثر منذ بدأت أقدم عروض دي جيه باستخدام الفينيل." معظم مجموعته حصل عليها أثناء سفره — ما يسميه "سياحة الفينيل". في آخر زيارة له إلى لندن عاد بـ60 أسطوانة، واشترى أسطوانات من متاجر في اليابان وأستراليا والمملكة المتحدة وتايلاند وهولندا وغيرها.

"إذا صحّ التعبير، هناك جانب يتعلق بحب الامتلاك يعود إلى الواجهة. خدمات البث الرقمية سلبتنا ذلك. لامتلاك عمل موسيقي فعلاً (شيء أبدعه شخص ما) ولتراه أمامك بملموسية، هذا أمر بالغ الحميمية. إنه كالاحتفاظ بعمل فني حقيقي. يمكنك تقدير جماله وجهًا لوجه وليس عبر شاشة فقط."

يتحدث البستكي عن نشوة اكتشاف موسيقى موجودة فقط على هذه الأسطوانات. "أحيانًا أجد موسيقى لا توجد في أي مكان آخر — ضائعة في الفضاء الموسيقي إلى حد ما. هذا يجعلها مميزة. كثيراً ما لا أستطيع حتى إخبارك باسم الفنان أو عنوان الأغنية. مجرد ملصق أبيض بلا معلومات ولا يمكن لتطبيقات التعرف كمثل 'شازام' تحديدها. تلك الحصرية تمنحها قيمة أكبر لدي."

ونصيحته لمن لا يعرف عالم الفينيل: "اذهب إلى محل أسطوانات، واسحب واحدة من نوع لم تسمع به من قبل. جرب الأسطوانات المستعملة. اختر شيئًا يبدو لك ممتعًا وغير تقليدي. استمع لهذه الأسطوانات دون بحث عن موسيقى تعرفها مسبقًا. تحدث مع البائع. واختبر المزيد."

بحث عالمي

بالنسبة للأخوين وجامعي الأعمال الفنية كوامي وكوبي مينتاح، الفينيل منذ زمن كان امتدادًا لرؤيتهما العالمية. وبصفتهما مؤسسي "إيفي غاليري" للفن المعاصر في دبي، بدآ الجمع منذ إعادة طبع عمل لفنان غاني شهير عام 2014. ما بدأ كهواية عرضية تحوّل إلى مهمة: تجميع مجموعة مختارة من الإصدارات الأصلية من مختلف أنحاء العالم.

يعلق كوامي: "من المثير في جمع الأسطوانات أنك كثيرًا ما تدفع مبلغًا كبيرًا مقابل واحدة ليست بالضرورة الأغلى في مجموعتك." ويتذكر مزادًا اشترا فيه على أسطوانة ظنّ أن مصممها الفنان أنتوني غورملي، ليتضح لاحقًا أن المصمم استخدم صورة لأحد أعمال غورملي فقط. والغريب أن الأسطوانة الأصلية صممها غورملي بيعت لاحقًا بمبلغ أقل بكثير مما دفعه هو.

تمتد مجموعة الأسطوانات والشِلَك الخاصة بالأخوين لأكثر من ألفي أسطوانة، من أربعينيات القرن الماضي حتى اليوم. "نشتري أسطوانات في كل سفرية: أكرا، الرياض، الشارقة، فينيسيا، لندن، بازل، دبي، هونغ كونغ."

ما الذي يشدهم لهذا النوع؟ "حسية هذا الوسيط. هناك إحساس بالامتلاك لا توفره المنصات الرقمية. إحساسك بإضافة أسطوانة إلى مجموعتك يختلف تمامًا عن ضم أغنية لقائمة تشغيل رقمية."

ويعتقد أن هذا التوق للعمق هو سبب انتعاش الفينيل. "التقاط الأسطوانة، إخراجها من الغلاف، وضع الإبرة — كلها طقوس تدفعك للإنصات باتقان أعمق وأكثر هدوءاً في عالم مزدحم."

الميدان الخاص بالدي جيه

بالنسبة للدي جيه المقيم في دبي المعروف باسم 'إيلو'، أكثر ما يقدره هو التفاعل الغامر مع هذا الوسيط. "جودة الصوت، القدرة على التفاعل الحسي أثناء الأداء، والجانب الخيالي الذي يمنحني حرية الاكتشاف."

إيلو، واسمه الحقيقي عادل العوّاد، يتسوق حصريًا من "ذا فليب سايد" ودائمًا ما يثني على حسن اختيار مالكه. "هناك فن في اختيار الأسطوانات، وشادي يتفوق بهذا الأمر. كل أسطوانة عنده تبدو مختارة بحب وحرص."

بالنسبة له، الأسطوانات هي مسألة جودة لا كثرة. "مع تزايد أنظمة الصوت عالية الدقة، ما تقدمه لها من موسيقى يصنع الفارق. الفينيل يظهر القدرات النهائية لهذه الأجهزة، والأهم رأيي المتواضع هو تأثيره على الراقصين."

المستقبل يدور

رغم أن أرقام المبيعات تسجل تفوق أسطوانات الفينيل على الأقراص المدمجة عالميًا مؤخرًا، فإن جوهر عودتها يتعلق بالمشاعر والذكريات والإحساس بالامتلاك. كل جامع ودي جيه أو هاوٍ ضمن مجتمع دبي الصغير للفينيل يتحدث عن علاقة شخصية جداً مع مجموعته. سواء كان نشوة اكتشاف لحن منسي في صندوق مستعمل أو راحة العودة لألبوم مألوف، فإن الفينيل يقدم شيئًا لا يمكن لمنصة رقمية مثل "سبوتفاي" أن تمنحه: علاقة حقيقية.

في المرة القادمة التي تمر فيها بجانب محل أسطوانات تبدو قديمة، توقف. ابحث في الصناديق. اسحب واحدة غير متوقعة. ضع الإبرة واستمع. قد تدمن ذلك أنت أيضاً.

موصى به

No stories found.
Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com