

بالنسبة للدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن الشك أمر شائع.
تتأرجح النقاشات العالمية حول الذكاء الاصطناعي (AI) بين التفاؤل وعدم الارتياح. وكما لاحظ أحد طلابي الإثيوبيين في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI)، فإن الذكاء الاصطناعي يمثل أكبر مصدر للضجة في الآونة الأخيرة، حتى في ظل الحرب والأوبئة والشعبوية والتغير المناخي.
في أبوظبي، يتجذر خطاب الذكاء الاصطناعي في الحوكمة والمنفعة العامة. فمن خلال جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وهي أول جامعة في العالم تركز كلياً على الذكاء الاصطناعي، تعمل الإمارات على بناء قيم الإنصاف والثقة والمشاركة المدنية في نشرها للذكاء الاصطناعي. وقد أدت استراتيجيتها للذكاء الاصطناعي لعام 2017، وتعيين وزير للذكاء الاصطناعي، إلى وضع أبوظبي كمركز للتطوير المسؤول.
ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة، حيث يثير الذكاء الاصطناعي القلق بشأن تقليل التمكين البشري. واستجابة لذلك، أنشأت دبي الرقمية (Digital Dubai) شخصية افتراضية باسم "لطيفة الرقمية" (Digital Latifa)، والتي تمثل الابتكار التكنولوجي مع الاحتفاظ بهوية ثقافية فردية.
تستخدم لطيفة لغة مألوفة لبناء الثقة بين الإماراتيين، مما يجعل الذكاء الاصطناعي يبدو ودوداً وليس غريباً. وفي الوقت نفسه، تقدم نصائح حول الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي، وتضمن خصوصية البيانات، وتُدرب العائلات على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة الشؤون المنزلية. تمزج لطيفة بين الصدى الثقافي والمعرفة، مما يمكّن الناس من الوصول إلى الخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، من التطبيب عن بعد إلى المعلمين الخصوصيين القائمين على الذكاء الاصطناعي.
بالنسبة للدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، يعتبر التشكيك أمراً شائعاً. تُظهر لطيفة كيف يمكن للشخصيات التي يسهل التواصل معها أن تُضفي طابعاً إنسانياً على عملية التبني – حيث يمكن تأصيل الابتكار في التقاليد المشتركة للمساعدة في إزالة الغموض عن الذكاء الاصطناعي وتعزيز الشفافية من خلال المشاركة.
في المجتمعات ذات التبني المحدود للذكاء الاصطناعي، تُظهر لطيفة أن دمج التكنولوجيا في الخدمات العامة يمكن أن ينجح عندما يكون مرتكزاً ثقافياً بدلاً من أن يكون عاماً. وبالنسبة للاقتصادات الناشئة، حيث الأطر غير متسقة، يمكن لنموذج شبيه بلطيفة أن يوجه الأسر، ويزيد من ثقتها لمنع خيبة الأمل من الذكاء الاصطناعي.
مع وجود ضمانات، يمكن لـ "لطيفة الرقمية" أن تعزز المساواة العالمية. إذ يمكن لتوفير الوصول إلى التعليم أن يسد فجوات التحصيل العلمي. وفي الرعاية الصحية، يمكن فرز الأعراض وربط المرضى بالمتخصصين. ويمكن تبسيط عمليات الرعاية الاجتماعية، مما يقلل البيروقراطية ويوفر الموارد. ويمكن أن تدعم لطيفة وضع الميزانيات الشخصية، لسد الفجوات بين الأجيال والمجتمعات في مجال الثقافة المالية.
يُعد التفاعل بين الإنسان والحاسوب أساسياً لتشكيل شخصيات مُتأقلمة محلياً؛ إن نشر المشاعر والسياق والنبرة المألوفة يتجاوز بكثير مهارات الروبوت النصي المبرمج. ومع الإشراف البشري، يمكن للّطيفة أن تتطور لبناء علاقات هادفة، وفي الوقت المناسب، كسب ثقة المتبنين للذكاء الاصطناعي.
لكن أولاً، تحتاج لطيفة إلى الاستماع. يجب أن تشكل حلقات التغذية الراجعة تطورها جنباً إلى جنب مع الاحتياجات المجتمعية. يمكن للشراكات عبر الحكومة والأوساط الأكاديمية والرعاية الصحية والأعمال أن توسع دورها من مساعدة رقمية إلى مستشار منزلي لا يقدر بثمن. يعكس هذا النهج نموذج "الدولة بأكملها" الذي تتبعه الإمارات، حيث تقود دبي الابتكار الموجه للمواطنين، بينما تعمل أبوظبي كمرتكز للسياسات، ومركز للبحوث، ومنظم، في الوقت الذي تضع فيه مؤسساتها معايير أخلاقية للقطاع.
الثقة هي جوهر استراتيجية أبوظبي للذكاء الاصطناعي، والمفتاح للثقة في أي منزل هو المعرفة بأن التفاعلات المخزنة مع الذكاء الاصطناعي محمية. ومع وضع ذلك في الاعتبار، نفذت المدينة "صناديق رمل تنظيمية" (Regulatory Sandboxes)، حيث يتم اختبار التقنيات التجريبية ومراجعتها وتحسينها قبل طرحها. وبدعم من مؤسسات مثل هيئة أبوظبي الرقمية ودائرة التمكين الحكومي، يتقدم الابتكار والحوكمة والثقة جنباً إلى جنب.
مثل جميع أدوات الذكاء الاصطناعي، يجب أن تُكمل "لطيفة الرقمية" الجهد البشري، وليس أن تحل محله. ويُعد الإشراف أمراً حيوياً، إذ يجب تنظيم بيانات التدريب ومراجعتها لمنع التحيز. كما أن الوصول أمر بالغ الأهمية، فبدون الأجهزة أو الاتصال، تخاطر الأسر بالإقصاء، لذلك يجب أن يتطابق النشر مع سياسات البنية التحتية والتعليم والقدرة على تحمل التكاليف.
في نهاية المطاف، يمكن أن تصبح "لطيفة الرقمية" جسوراً رمزية بين الأفراد والمجتمع الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي. في بعض الأماكن، قد تكون بمثابة مرشد لأولئك الذين لديهم مخاوف من الذكاء الاصطناعي، فكما يثق المرضى بالأطباء الذين يتصرفون بأسلوب تعامل جيد، من المرجح أن يتبنى الناس الذكاء الاصطناعي الذي يُظهر التعاطف، والكفاءة، والموثوقية، والأصالة.
في قرن أصبحت فيه الثقة هي العملة الجديدة، تُظهر لطيفة أن نهجاً غير غربي لحوكمة الذكاء الاصطناعي ممكن، وأن التبني لا يتعلق بتقاعد البشر، بل بإعادة تصور كيف يمكننا التعايش مع الآلات، كسكان محليين، في المستقبل.
الكاتب هو أستاذ زائر في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وأستاذ في جامعة ساسكس.