شباب الخليج يقودون طفرة إنفاق تتجاوز الاقتصادات العالمية

تقرير: التركيبة العمرية الشابة وارتفاع الدخل يعززان نمو الاستهلاك ويمنحان المنطقة ميزة استثنائية
الصورة: ملف KT

الصورة: ملف KT

تاريخ النشر

منطقة الخليج تقف على أعتاب طفرة استهلاكية تمتد لعقود، يقودها جيل شاب ومتنامٍ يتمتع بقدرة متزايدة على الإنفاق، في موجة من الاستهلاك يُتوقع أن تتجاوز نظيراتها في العديد من الاقتصادات المتقدمة.

تُظهر أبحاث جديدة صادرة عن مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس أن القطاع الاستهلاكي في المنطقة سيتفوق على نظيره العالمي لسنوات قادمة، مدعومًا بعوامل ديموغرافية قوية، وزيادة مشاركة القوى العاملة، واستمرار تدفقات الهجرة التي تعزز دخول الأسر والطلب عبر جميع الفئات.

أكد آزاد زانغانا، رئيس قسم التحليل الاقتصادي الكلي لدول مجلس التعاون الخليجي في مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس، أن السكان الشباب، والهجرة المرتفعة، وتزايد مشاركة القوى العاملة ستغذي كلًا من الاستهلاك العام ونصيب الفرد منه في المنطقة.

وأوضح زانغانا أن أحد الركائز الرئيسية للتوقعات هو التغير في هيكل الأعمار فيما يتعلق بالدخل والإنفاق، إذ تدفع زيادة الفئات في منتصف حياتهم المهنية وذوي الدخول الأعلى إلى ارتفاع قدرة الأسر على الإنفاق وتسارع معدل الاستهلاك للفرد تبعًا لذلك.

وفي حالة مجلس التعاون الخليجي، تبدو التوقعات إيجابية على نحو خاص. تُظهر البيانات العامة أن متوسط عمر السكان في المنطقة بلغ 30.7 عامًا في عام 2024، وهو الأدنى بين الكتل الاقتصادية عالية الدخل. وبالمقارنة، بلغ متوسط العمر في الولايات المتحدة 38.3 عامًا، وفي الصين 39.6 عامًا. وتشير التوقعات إلى أن متوسط عمر سكان دول الخليج سيزداد بمعدل 1.8 عام فقط بين عامي 2024 و2050، مقابل 7.2 أعوام في منطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) و12.6 عامًا في الصين، مما يوضح الفارق الكبير الذي يمنح المنطقة أفضلية في دخول مرحلة ذروة الكسب.

وإلى جانب الميزة الديموغرافية، هناك ثلاثة عوامل هيكلية تدعم مسار الإنفاق الاستهلاكي: ارتفاع معدلات الهجرة الوافدة التي تعزز أعداد الفئة العاملة، وزيادة مشاركة اليد العاملة (خاصة المرأة، رغم الحاجة إلى مزيد من التقدم)، وتحسن جودة العمالة عبر مستويات تعليم أفضل. وبصورة عامة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي أقل تأثرًا بأعباء الشيخوخة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، مما يتيح مجالًا أوسع لنمو الدخول وزيادة الاستهلاك الأسري بدلًا من توجيه الموارد إلى التقاعد أو الرعاية الصحية.

البيئة الاقتصادية الكلية تدعم هذه الرؤية أيضًا. ويتوقع البنك الدولي نموًا للمنطقة بنسبة 3.2 في المئة في عام 2025، لترتفع إلى نحو 4.5 في المئة في 2026، مدعومة بنشاط غير نفطي يغذّيه الاستهلاك الخاص والاستثمار. وتعدّ وتيرة نمو الإنفاق الاستهلاكي الحقيقي من أقوى الروابط في هذا المسار؛ فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يرتفع الإنفاق الاستهلاكي الحقيقي في الإمارات بنحو 5 في المئة عام 2024، وهي من أعلى النسب عالميًا.

كما يُظهر قطاع التجزئة توسعًا قويًا، إذ يُتوقع أن ينمو سوق التجزئة في دول الخليج بنسبة نمو سنوي مركب تبلغ نحو 4.6 في المئة حتى عام 2028، ليتجاوز 390 مليار دولار بحلول ذلك العام. وتستحوذ السعودية والإمارات حاليًا على نحو ثلاثة أرباع مبيعات التجزئة في المجلس، ومن المرجح أن تواصلا تعزيز حصتهما. وكان حجم سوق التجزئة الغذائية وحده يقدّر بنحو 127.2 مليار دولار في عام 2023، مع توقعات بوصوله إلى حوالي 162 مليار دولار بحلول 2028.

تعكس هذه الأرقام التحول العالمي الكبير؛ فبينما تكافح الاقتصادات المتقدمة مع تباطؤ أو تراجع أعداد السكان في سن العمل وارتفاع معدلات الإعالة لكبار السن، تركب دول الخليج موجة ديموغرافية صاعدة من فئة السكان في سن الكسب. ففي عام 2024، بلغ معدل الإعالة في المنطقة (عدد المعالين لكل 100 شخص في سن العمل) حوالي 32.1، مع توقع ارتفاعه الطفيف إلى 35.1 بحلول عام 2050، في وقت تجاوزت فيه النسبة 50 أو 60 في العديد من الدول ذات الدخل المرتفع. وهذا يعني أعباء أقل على معاشات التقاعد والرعاية الصحية، ودخولًا متاحة أكبر للإنفاق على السلع والخدمات والترفيه وتحسين نمط الحياة.

ومن الجانب العرضي، تساهم المستويات العالية من الهجرة، خصوصًا من الفئات العاملة، في تعزيز حجم القوة العاملة وزيادة الطلب الكلي. وغالبًا ما يقوم العمال المهاجرون بتحويل جزء من دخلهم إلى الخارج، لكنهم أيضًا ينفقون على السكن والسفر والنقل والترفيه. وفي المقابل، يساهم المواطنون والمقيمون طويلو الأمد في تشكيل نمط استهلاك متطور يشمل إنفاقًا أكبر على السفر والمطاعم والتجارة الإلكترونية والمنتجات الفاخرة. أما على مستوى المشاركة، فإن ارتفاع معدلات عمل المرأة يوسع قاعدة الدخل والإنفاق الأسري، مما يضخم محرّك الاستهلاك الشامل.

وعلى الرغم من هذه العوامل الإيجابية، فإن ظاهرة المستهلك الخليجي ليست نمطية، إذ يتغير نوع الإنفاق تدريجيًا؛ فأسواق التجزئة غير الغذائية (مثل الفخامة، وأنماط الحياة، والتجارة الرقمية) تشهد توسعًا ملحوظًا إلى جانب السلع الأساسية. وتفوق أسواق الفخامة والعناية الشخصية في المنطقة أداء نظيراتها العالمية رغم التباطؤ الاقتصادي الدولي. كما يدعم ارتفاع الثروة في دول الخليج (حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد نحو 70,300 دولار في عام 2023) مع نمو السكان (بمعدل سنوي مركب بنحو 1.5 في المئة ليصل إلى أكثر من 62.5 مليون نسمة بحلول 2028) التوسع في الاستهلاك الموجه للقطاعات المتميزة.

ويُترجم هذا الاتجاه بالنسبة للمستثمرين والعلامات التجارية الاستهلاكية إلى سوق متجهة تدريجيًا نحو القطاعات عالية النمو. ومن المتوقع أن تستفيد شركات البيع بالتجزئة والتجارة الإلكترونية والعلامات التجارية في مجالات نمط الحياة والرقمية من هذا التحول الهيكلي لا من تقلبات مؤقتة. وتبدو موازنات الأسر صحية؛ إذ تُظهر بيانات الثقة الاستهلاكية في الإمارات أن نحو 60 في المئة من السكان يتوقعون تحسن أوضاعهم المالية (مقابل 37 في المئة عالميًا)، بينما صرّح حوالي 42 في المئة أنهم يخططون لزيادة إنفاقهم (مقابل 22 في المئة عالميًا).

أما بالنسبة لصناع السياسات والمحللين، فالرسالة واضحة: مستقبل دول الخليج لا يقوم فقط على النفط، بل على رأس المال البشري، ونمو الاستهلاك، وتعزيز الخدمات المحلية لشريحة سكانية شابة ومتوسعة. فمزيج التركيبة العمرية المواتية، وارتفاع الدخول، وتزايد المشاركة في سوق العمل، ونمو قطاع التجزئة الهيكلي يخلق حالة استثمار استهلاكية فريدة تتميز بالقدرة على الاستهلاك لا مجرد البقاء. وقد تشهد العقود المقبلة ليس فقط استمرار نمو القطاع الاستهلاكي في المنطقة بوتيرة أسرع من نظرائه في الاقتصادات المتقدمة، بل أيضًا حفاظه على هذه الأفضلية على المدى الطويل.

في وقت تكافح فيه العديد من الدول مع شيخوخة سكانها وتباطؤ الإنفاق وارتفاع أعباء الإعالة، تقدم دول مجلس التعاون الخليجي مشهدًا مختلفًا: شبابًا، ونموًا في الدخل، وإنفاقًا متسارعًا.

موصى به

No stories found.
Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com