لطالما كانت السياحة تعتبر جزء لا يتجزأ من محفزات النمو الاقتصادي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما يؤكده تقرير صادر عن المجلس العالمي للسفر والسياحة، يشير إلى أن هذا القطاع الحيوي شهد نمواً بنسبة 26% في عام 2023، محققاً إيرادات قياسية بلغت 220 مليار درهم إماراتي وساهمت بقوة في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات، أي ما يمثل 11.7% من اقتصاد الدولة.
وبسبب السياحة المتنامية في الدولة، توسع سوق الوظائف الذي يدعمه هذا القطاع بمقدار 41,000 وظيفة لتصل إلى أكثر من 809,000 ، وهو ما يعني أنه من بين كل تسع وظائف موجودة في الإمارات، هناك وظيفة واحدة متعلقة بالقطاع السياحي. ويُوظّف هذا القطاع المهم في إمارة رأس الخيمة 6,000 موظف، حيث من المتوقع أن يتضاعف هذا العدد إلى ثلاثة أضعاف ليصل عدد الموظفين إلى حوالي 25,000 موظف بحلول عام 2030. ومع استمرار الازدهار السياحي، من الضروري أن نركّز ليس فقط على استقطاب الزوار والترويج لرأس الخيمة، بل أيضاً على تمكين المواهب المحلية من خلال مبادرة التوطين، والتي تدعم بشكل كبير الاقتصاد القائم على التنوع، وتسهم في تعزيز دور مواطني دولة الإمارات على صعيد رسم مستقبل القطاع السياحي.
ولا يقتصر التوطين فقط على توظيف عدد أكبر من المواطنين، بل يتضمن جوانب أعمق بالاستفادة من مختلف وجهات النظر المميزة والمعرفة الثقافية العميقة لمواطني دولة الإمارات لتعزيز تجربة الزوار. وبدورهم هذا، فإنهم خير ممثل لدولتهم في قطاع السياحة، وخير من يمثّل ثقافتها وقيمها الوطنية وتقاليدها وعاداتها الأصيلة. وهم الأكثر قدرة على سرد التجارب الإنسانية والثقافية لدولة الإمارات وهويتها المتفردة.
وفي هذا السياق، فإن التوطين ليس مجرد سياسة حكومية تهدف إلى توظيف المواطنين، بل هو عنصر أساسي يسهم في نجاح السياحة القائمة على بناء العلاقات والتواصل وتعزيز الفهم للثقافة الإماراتية. ومن خلال توظيف وإشراك المواطنين في مجالات متنوعة ضمن قطاع السياحة – ومنها الضيافة والتسويق وإدارة الفعاليات وفنون الطهي – فإننا لا نسهم فقط في تقديم تجارب سياحية أصيلة تعكس الثقافة المحلية العريقة، بل نساعد أيضاً في تعزيز مشاعر الفخر والانتماء لدى المواطنين من حيث مشاركتهم رؤاهم وتجاربهم ليبنون علاقة أقوى مع الزوار، عنوانها تجربة سياحية أكثر أصالة وثراء لتستعرض الجوهر الحقيقي لدولة الإمارات. فعلى سبيل المثال، زيارة الحصون القديمة في رأس الخيمة برفقة مرشد إماراتي لديه معرفة عميقة بالتاريخ والثقافة الإماراتية يُمكّن الزوار من التفاعل وتكوين فهم أعمق لتراث الإمارات، وهو ما لا يستطيع المرشد الأجنبي تقديمه بنفس العمق.
ولضمان نجاح التوطين، فإنه من الضروري اتباع نهج متعدد الأبعاد. فأولاً، ينبغي تعزيز الاستثمار في تطوير المواهب. وهنا تركّز المؤسسات والشركات العاملة في القطاع السياحي على تنظيم مبادرات وبرامج تدريبية وعملية مصممة من قبل هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة لمواطني الإمارة، والتي تزود جيل الشباب بالمهارات والمعرفة اللازمة للتفوق في مختلف الأدوار وإعدادهم لمستقبل مهني ناجح في هذا القطاع.
ويمكن أن تسهم الشراكات بين المؤسسات التعليمية والجهات المعنية بهذه الصناعة في تسهيل الانتقال من الدراسة إلى بيئة العمل. فمن خلال مواءمة المناهج الدراسية مع احتياجات قطاع السياحة، يصبح الخريجون مستعدين لتلبية متطلباتها المختلفة والمتنوعة. وإدراكاً لهذا الأمر، تقود هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة مبادرات لتواكب المواهب الإماراتية المتطلبات المتزايدة في هذه الصناعة، حيث تعتبر مشاركتنا في معارض التوظيف بالتعاون مع شركائنا في رأس الخيمة أحد برامجنا الرائدة. ولا يقتصر دور هذه الفعاليات على تعزيز الوعي حول قطاع السياحة وفرصه فحسب، بل تتيح للمواهب الوطنية فرصة التواصل مع قادة القطاع، واستكشاف الفرص الوظيفية، واكتساب المهارات اللازمة للنجاح في قطاعي السياحة والضيافة.
وتهدف هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة من خلال برنامجها للتوطين واستقطاب المواطنين للعمل في قطاعي الضيافة والسياحة الذي تم تنفيذه في إمارة رأس الخيمة بالشراكة مع وكالة الاستشارات "Career Lab" وجامعة لي روش، إلى تزويد مواطني الدولة بالمعرفة والمهارات اللازمة ليكونوا قادة متميزين في فنادق رأس الخيمة. كما يوفر البرنامج فرص النمو المهني، حيث يرتبط بدورات أخرى في مجال الضيافة ويقدم فرصاً مصممة للمواهب الإماراتية لتطوير مسيرتهم المهنية. كما يُعزز البرنامج قدرة المواطنين على تقديم تجربة ضيافة تعكس التراث والثقافة الإماراتية الأصيلة، فقد وفر البرنامج أكثر من 10 فرص عمل للمواطنين الشباب الذين اجتازوه بنجاح فرصة ليحصلوا على وظيفة مميزة في القطاع السياحي. وتساهم تلك الشراكات في حصول المشاركين على تعليم وتدريب متقدم في مجال إدارة الضيافة، وممارسات السياحة المستدامة، والمهارات المتقدمة في خدمة العملاء.
وضمن إطار رؤيتنا الوطنية، نلتزم في هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة بتمكين الكوادر الإماراتية لتكون جزءاً من تحقيق هدفنا في استقطاب 3.5 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2030. ويعتمد نجاح هذا الطموح على وجود قوى عاملة تتمتع بمهارات عالية ولديها القدرة على أداء المهام المطلوبة وملتزمة بتحقيق الأهداف الموضوعة ولديها طموح للتطور والنجاح. وضمن هذا السياق، ندعو جميع الجهات المعنية للتعاون ودعم رؤيتنا المشتركة لتعزيز المشهد السياحي النابض بالحياة، والشامل، والمستدام على المستوى العالمي. معاً، يمكننا بناء مستقبل يدعم ويُمكّن الكوادر الوطنية، وتعزز فيه جسور الثقافة، وتستمر السياحة في دفع عجلة النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.
ميرا زخريا، مدير أول، إدارة الموارد البشرية في هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة