

.
لطالما اعتُبر الذهب ملاذاً آمناً للاستثمار، لكنه لم يكن مصدر دخل منتظم. ومع ذلك، قد تغير الرقمنة هذا المفهوم، وفقاً لتقرير حديث أصدره مجلس الذهب العالمي (WGC).
أصدر المجلس، بالتعاون مع شركة استشارات المستقبل The Future Laboratory، تقريراً بعنوان "عصر ذهبي جديد" يستعرض كيف يمكن للرقمنة أن تعيد تعريف دور الذهب في التمويل العالمي والثقافة.
يرى المجلس، عبر بيانه الذي نقل فيه ديفيد تait، الرئيس التنفيذي، أن "رقمنة صناعة الذهب أمر حاسم لضمان استمرار الذهب كأصل موثوق وعصري"، لافتاً إلى مستقبل يصبح فيه الذهب أكثر من مجرد سلعة مادية، بل أصلاً رقمياً ديناميكياً يمكن الوصول إليه وتتبع ملكيته وتحقيق عوائد منه.
أطلق المجلس برنامج Gold247 الذي يشمل مبادرة Gold Bar Integrity (GBI) لإنشاء قاعدة بيانات دولية تتحقق من ملكية وموثوقية سبائك الذهب، لضمان استخراج الذهب وتنقيته وتداوله في نظام موثوق. كما تهدف مبادرة "الذهب الرقمي بالجملة" إلى توفير إطار قانوني وتقني حيادي للملكية والتسوية.
ومن أبرز الابتكارات المتوقع ظهورها هي وحدة الذهب القياسية (SGU) التي تفصل القيمة النقدية للذهب عن شكله المادي، مما يسمح بتحريك الذهب عبر الأسواق المالية بسهولة ومرونة غير مسبوقة.
يعتقد نافين دسوزا، مدير العمليات في مجموعة Equiti للأصول الرقمية والذهب، أن الرقمنة ستجعل الذهب أكثر سيولة وقابلية للنقل، مما يتيح تصفية حصص الذهب بضغطة زر واحدة فقط، وتسهيل عمليات التسوية والتبديل الفوري للأماكن.
الذهب معروف بازدياد قيمته على المدى الطويل، لكنه لا يولد دخلاً منتظماً. أكثر من نصف المستشارين الماليين يرون أن عدم حصول الذهب على أرباح دورية يمثل عائقاً للاستثمار فيه.
مع الرقمنة وظهور الرموز الذهبية في أنظمة التمويل اللامركزي، قد يتغير هذا الواقع فتظهر منتجات ذهب رقمية تقدم عوائد ثابتة. ووفقاً لدراسة أجراها مجلس الذهب العالمي في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، يُتفق بنسبة 40-41% من المستثمرين بأن القدرة على كسب فوائد على رموز الذهب تجعل الاستثمار أكثر جاذبية.
على الرغم من ذلك، تؤكد ميليسا سونغ، الرئيس التنفيذي لشركة Bity، ضرورة فهم المستثمرين أن الأرباح لا تأتي بمجرد السلعة بل مرتبطة بمخاطر يجب إدارتها.
إذا تحقق هذا السيناريو في "حمى ذهب التمويل اللامركزي"، سيتمكن المستثمرون من امتلاك ذهب يولد عوائد تتناسب مع مستوى تحملهم للمخاطر، مع إمكانية تنويع المحفظة الاستثمارية. قد يُتاح للمستشارين الماليين ومديري الأصول تقديم توصيات لمنتجات ذهبية شفافة تدفع أرباحاً منتظمة، بينما يمكن للمؤسسات المالية التقليدية استثمار موارده بواسطة بروتوكولات التشفير مثل الستيكينغ وتوفير السيولة. كما يمكن للمنتجات الذهبية المفرقة في صناديق مالية رقابية أن تزيد من انسيابية وصول المستثمرين الأفراد حول العالم.
تعد الرقمنة أيضاً بتوفير فرص أوسع للدخول إلى سوق الذهب، عبر نماذج الملكية الجزئية التي تسمح للمستثمرين بشراء كميات صغيرة، مما يجعل الاستثمار أكثر شمولية. يرى روبن لي، الرئيس التنفيذي السابق لـ HelloGold، أن التقسيم الجزئي للذهب سيحدث بطبيعة الحال بالتوازي مع تقسيم الأوراق المالية.
هذا التحول مرتبط بشكل خاص بظاهرة نقل الثروات الكبرى المتوقعة، حيث يُتوقع أن تنتقل ثروات تقدر بـ 105 تريليون دولار للأجيال الشابة خلال العقدين المقبلين، والذين يبحثون عن أصول بديلة، ويُمكن للذهب الرقمي أن يكون خياراً جذاباً لهم.
بعيداً عن الجانب المالي، يمكن للرقمنة أن تدمج الذهب في الثقافة وأنماط الحياة عبر NFTs الذهبية الفيزيائية الرقمية، وهي مقتنيات لها قيمة مادية وافتراضية. تفكر الشركات في التعاون مع فنانين لإنشاء سبائك ذهبية مزينة بأعمال فنية رقمية جذابة.
يمكن للعلامات التجارية الشهيرة والتطبيقات الكبرى أن تلعب دوراً في زيادة سهولة الوصول إلى الذهب، إذ قال دسوزا: "إذا اشتريته من Revolut، فأنا أثق في Revolut، وإذا اشتريته من Apple، فأنا أثق في Apple"، معتبراً أن قنوات التوزيع الموثوقة أمر جوهري.
رغم الوعد الكبير، تبقى التحديات قائمة، خاصة من حيث وضوح الأطر التنظيمية الضرورية. تقول كاثرين كيركباتريك بوس، المستشارة العامة لشركة StarkWare: "بمجرد وجود التشريعات، سيُرفع الحاجز الأخير". تعد مبادرات مجلس الذهب العالمي لتطوير "الذهب الرقمي بالجملة" ووحدة الذهب القياسية خطوات نحو توفير البنية القانونية والتقنية المطلوبة.
مع تزايد التداخل بين العالمين المادي والرقمي، يقف الذهب على أعتاب عصر ذهبي جديد، لا يعرف الخزائن والسبائك فقط، وإنما البلوكتشين والعقود الذكية والوصول العالمي.