

الصورة: ملف KT
أحدثت التحركات الأخيرة لأسعار الذهب حيرة بين المستثمرين ومشتري المجوهرات لمعرفة ما إذا كان التراجع الأخير مؤشرًا على بداية انخفاض أعمق أم مجرد فترة تبريد طبيعية بعد ارتفاع استثنائي. وفي الإمارات، ارتفعت أسعار الذهب يوم الجمعة ارتفاعاً طفيفاً، ما يعكس مرونة الطلب المحلي والدعم الواسع من العوامل العالمية.
ووفقًا لمجموعة دبي للذهب والمجوهرات، أغلق سعر الذهب عيار 24 عند 482.75 درهماً للغرام، مرتفعاً من 479 درهماً في اليوم السابق، بينما بلغ سعر عيار 22 نحو 447 درهماً، وعيار 21 نحو 428.50 درهماً، وعيار 18 نحو 367.50 درهماً. وكانت الزيادة محدودة لكنها ملحوظة، خصوصاً أنها جاءت في أسبوع شهد فيه الذهب العالمي تراجعاً من قمم قياسية.
على المستوى العالمي، ارتفع الذهب إلى مستوى تاريخي بلغ نحو 4,300 دولار للأوقية في وقت سابق من الشهر قبل أن ينخفض إلى نحو 4,050 دولاراً — أي بتراجع يناهز 5.8 في المئة. وبينما أثار هذا التراجع قلق بعض المستثمرين الأفراد، وصفه محللون استراتيجيون بأنه تصحيح طبيعي بعد حالة تشبع شرائي مفرطة.
كانت المؤشرات الفنية قد بدأت بإظهار الحاجة إلى مرحلة استقرار. فقد وصل مؤشر القوة النسبية (RSI)، وهو مقياس شائع لزخم الأسعار، إلى قراءة غير مسبوقة بلغت 92 أثناء الارتفاع — وهي نسبة تفوق بكثير عتبة 70 التي تُعتبر عادة دليلاً على حالة شراء مفرط. هذا المستوى عادة ما يُتبع بتراجع في الأسعار، بغض النظر عن العوامل الأساسية.
قال أليكس كوبتسكيفيتش، كبير محللي الأسواق في "FxPro"، إن حركة التصحيح لم تنته بعد، موضحاً أن ارتفاع سعر الذهب كان مدفوعاً بمجموعة نادرة من المخاوف الاقتصادية الكلية التي بدأت الآن بالانحسار. وأضاف: "لقد تمكن الذهب من بلوغ مستوى قياسي بفضل التداولات المرتبطة بتدهور العملات، وتوقعات التوسع النقدي العدواني من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وتهديدات الرئيس دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على الصين، والعوامل الجيوسياسية، والتوقعات المتشائمة للاقتصاد العالمي، والمشتريات النشطة للذهب من قبل البنوك المركزية."
وأضاف قائلاً: "لكن البيئة تتغير. فقد توصلت الولايات المتحدة والصين إلى أرضية مشتركة، وهدأت الصراعات في الشرق الأوسط، بينما يواصل الاحتياطي الفيدرالي توخّي الحذر بشأن خفض أسعار الفائدة، كما تباطأت وتيرة مشتريات البنوك المركزية. المعدن الأصفر بدأ يخسر بعض أوراقه الرابحة".
تعكس هذه التصريحات الجدل الأوسع في الأسواق. فارتفاع الذهب خلال العامين الماضيين حقق مكاسب بنحو 2,300 دولار للأوقية مقارنة بنحو 2,000 دولار في نهاية عام 2023. وفي هذا السياق، فإن التراجع الحالي بمقدار 250 دولاراً يُمثل فقط نحو 11 في المئة من إجمالي مكاسب السوق الصاعدة.
ويقول المحللون إن مثل هذا التوقف يُعد أمراً طبيعياً ومتوافقاً مع الأنماط التاريخية. ففي دورات الارتفاع السابقة التي شهدت زخماً عالياً، مثل عامي 1979 و2011، سجل الذهب ارتفاعات حادة تبعتها فترات استقرار استمرت لأشهر أو أكثر، ومع ذلك ظل الاتجاه العام صاعداً حتى تغيّرت الأسس الاقتصادية الرئيسية.
ما يميز اللحظة الحالية هو النمط الموسمي. فقد كان شهر أكتوبر منذ فترة طويلة معروفاً بأنه أكثر شهور التقلب بالنسبة للسلع، حيث شهدت ثمانية من أصل عشرة أعوام سابقة ضعفاً في أداء الذهب خلال الخريف بسبب عمليات إعادة التوازن في المحافظ الاستثمارية للمؤسسات.
غالباً ما يقوم مديرو الأصول بتقليص حجم المخاطر قبل نهاية العام، ما يضيف ضغوط بيع قد تطغى على الطلب الفعلي. ويتفاقم هذا الاتجاه أيضاً بسبب الحذر الذي يسود تعاملات نهاية الأسبوع، إذ أصبح المستثمرون أقل استعداداً للاحتفاظ بمراكز مالية قائمة على الرافعة أثناء فترات إغلاق الأسواق، حيث يمكن أن تندلع أخبار جيوسياسية بشكل مفاجئ.
أسهم شركات تعدين الذهب تأثرت بشكل أكبر. ففي حين انخفضت أسعار الذهب بأقل من 6 في المئة، تراجعت أسهم التعدين بين 15 و20 في المئة، وهو ما يوضح التأثير النفسي والتقلب العالي في القطاع. الشركات الكبرى ذات الموازنات القوية تضررت بدرجة أقل، بينما تكبدت الشركات المتوسطة والصغيرة خسائر حادة مع تخفيض المستثمرين لمراكزهم المضاربية. هذا النمط من السلوك يُعد سمة مميزة لمراحل التصحيح في الأسواق الصاعدة للسلع.
أما في دبي، فتبدو الصورة أكثر تدرجاً. فمكانة الإمارة كمركز عالمي لتجارة الذهب وسوق رئيسية لتجزئة المجوهرات تعني أن تقلبات الأسعار تنعكس بسرعة على سلوك الشراء. وأفاد التجار بأن وتيرة الإقبال كانت مستقرة هذا الأسبوع، حيث اعتبر المتسوقون التراجع في الأسعار العالمية فرصة مواتية للشراء. ويتوقع بعض تجار التجزئة زيادة في الطلب مع اقتراب موسم الأعياد والزفاف، خاصة إذا استقرت الأسعار عند المستويات الحالية. عادة ما ينظر المشترون في الخليج، الذين يتميزون بحساسية تجاه الأسعار وحرص على القيمة، إلى انخفاض الأسعار كفرصة لا كتحذير.
ويقول المحللون إن النظرة الطويلة المدى تجاه الذهب تظل إيجابية، إذ تدعمها عوامل هيكلية مستمرة، منها استمرار البنوك المركزية في تنويع احتياطاتها، وارتفاع مستويات الدين الحكومي في الاقتصادات الكبرى، وازدياد اهتمام المستثمرين بالذهب كوسيلة للتحوط من تراجع قيمة العملات. ومع ذلك، فإن الزخم في المدى القريب سيبقى مرتبطاً بسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وديناميات التضخم، ومزاج المخاطرة العالمي.
وقال الخبراء: "لقد تراجع الذهب عن قمته، لكنه لم يُغيّر اتجاهه بالضرورة. حركة التصحيح الحالية تبدو أشبه بالتقاط أنفاس أكثر منها انعكاساً في الاتجاه، رغم احتمالية حدوث بعض التراجع الإضافي على المدى القصير. في الوقت الحالي، الرسالة من المحللين واضحة: الذهب يدخل مرحلة من التماسك، لا الانهيار. المعدن الذي صعد بقوة يأخذ الآن استراحة قصيرة."