

شهدت الارتفاعات المذهلة في أسعار الذهب والفضة توقفاً هذا الأسبوع، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا التراجع الحاد يشير إلى تصحيح صحي أم إلى بداية انهيار أعمق.
بعد أشهر من المكاسب المتواصلة، هبط المعدنان في أحد أشد انخفاضاتهما منذ سنوات، مما أجبر المتداولين والمستثمرين على إعادة تقييم قوة موجة الارتفاع المستمرة في سوق المعادن الثمينة.
هوى الذهب بنسبة وصلت إلى ستة%، ليمحو نحو 235 دولاراً من سعره في يوم واحد، وهو أكبر انخفاض منذ عام 2013، في حين هبطت الفضة بأكثر من سبعة%، وهو أكبر تراجع منذ 2011. ووصف المحللون هذا التحرك بأنه "إعادة ضبط تقنية" أكثر من كونه بداية لانهيار هيكلي، إلا أن سرعة عمليات البيع كشفت مدى المبالغة في ارتفاع السوق خلال الفترة الأخيرة.
قال أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في بنك ساكسو، إن التصحيح كان حتمياً بعد موجة صعود استمرت تسعة أسابيع شهدت ارتفاع الذهب بنسبة 31 في المئة والفضة بنسبة 45 في المئة. وأضاف: "الطلب القوي بشكل استثنائي قبل موسم ديوالي ساهم في دعم الأسعار، لكن مع قوة الدولار، وتزايد شهية المخاطرة في أسواق الأسهم، وضعف الطلب الفعلي في آسيا، بدأ المتداولون في جني الأرباح بدلاً من ملاحقة قمم جديدة". وقد أدّى فشل الذهب المتكرر في اختراق مستوى 4380 دولاراً بشكل حاسم إلى سلسلة من عمليات البيع الآلي وجني الأرباح.
وسلط هذا التحرك الحاد الضوء على حقيقة قديمة تتمثل في أن سيولة الفضة أقل بنحو تسع مرات من سيولة الذهب، ما يجعل كل ارتفاع وتصحيح أكثر حدة. وعندما سارع المتداولون المعتمدون على الرافعة المالية في الخروج من السوق، أدت الطبيعة الأضعف لبنية السوق في الفضة إلى تضخيم الخسائر، رغم أن الطلب الأساسي ظل قوياً.
قال غاري واغنر، محلل المعادن الثمينة في كيتكو، إن حجم تراجع الذهب البالغ 5.39 في المئة في يوم واحد يعكس السمات الكلاسيكية لسوق مُبالغ في ارتفاعه بدأ أخيراً في الخضوع لجاذبية الأرض. وأضاف: "كان التصحيح متوقعاً، ولا ينبغي أن يكون مفاجئاً. فبعد هذا الارتفاع المطوّل من دون أي تراجع يُذكر، كان من الطبيعي أن يأتي انعكاس سريع وحاد".
ومن المثير للاهتمام أن استجابة الفضة كانت أقل حدة مما كان متوقعاً. فعادةً ما تفقد الفضة نحو ضعف ما يفقده الذهب خلال الانخفاضات الحادة، لكن هذه المرة كان الفارق أضيق بنسبة 7.2% مقابل 5.4% ما يشير إلى مرونة كامنة في هيكل سوق الفضة. وقال واغنر: "إن تراجع الفضة، رغم أنه كان حاداً، إلا أنه كان معتدلاً نسبياً مقارنة بالذهب، مما يدل على قوة كامنة في المعدن الأبيض".
وتعكس هذه المرونة جزئياً الأساسيات القوية. إذ لا يزال المعروض العالمي من الفضة يعاني من عجز للعام الرابع على التوالي، وفقاً لمعهد الفضة. فقد ظل الإنتاج المنجمي راكداً، في حين يستمر الطلب الصناعي — المدعوم بتصنيع الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية والإلكترونيات — في الازدياد. كما ارتفعت العلاوات في لندن والهند مع تنافس المشترين على الكميات المحدودة من المعدن الفعلي، إلى جانب تأخر عمليات التسليم وظهور نقص فوري لدى كبار المصنّعين.
وفي الوقت نفسه، لا يزال الأساس الاقتصادي للذهب يبدو قوياً. فمشتريات البنوك المركزية لا تزال قريبة من مستوياتها القياسية — متجاوزة حاجز 1000 طن سنوياً — حيث تواصل بنوك الأسواق الناشئة تنويع احتياطاتها بعيداً عن الدولار.
وأشار مجلس الذهب العالمي مؤخراً إلى أن مشتريات القطاع الرسمي تمثل الآن ما يقرب من 25 في المئة من إجمالي الطلب العالمي، مما يوفر مستوى استقرار حتى عندما تتراجع التدفقات المضاربية.
ومن الناحية الفنية، يرى المحللون أن مستوى 4000 دولار يُعتبر دعماً أساسياً على المدى القريب للذهب. فاختراق هذا المستوى بشكل مستدام قد يفتح الباب أمام تراجعات أعمق نحو 3945 أو 3845 دولاراً، غير أن الاتجاه الصاعد العام سيبقى قائماً طالما تم الحفاظ على هذه المستويات. أما بالنسبة للفضة، فبعد أن وجدت دعماً قرب 47.80 دولاراً، قد تدخل في مرحلة تماسك قبل استئناف صعودها إذا تعافى الطلب الصناعي واستمرت سياسة التجارة الأميركية مواتية.
كما أن المراجعة المرتقبة ضمن المادة 232 في الولايات المتحدة بشأن واردات المعادن الاستراتيجية — والتي تشمل الفضة والبلاتين والبلاديوم — قد تؤثر أيضاً على المعنويات في المدى القصير. فإذا تقرر عدم فرض رسوم جمركية، فسيخفف ذلك من حدة نقص الإمدادات في لندن ويعيد أسعار الإيجار إلى طبيعتها؛ أما إذا فُرضت الرسوم، فقد يؤدي ذلك إلى احتجاز المعادن داخل السوق الأميركية، مما سيقلص السيولة العالمية ويؤدي إلى ضغوط تصاعدية جديدة على الأسعار.
ولا تزال معظم التوقعات المؤسسية إيجابية. فبنك أوف أمريكا ما زال يرى أن الذهب سيتجاوز مستوى 5000 دولار والفضة 65 دولاراً بحلول عام 2026، مستنداً إلى العوامل الدافعة نفسها للارتفاع — التحوط ضد التضخم، وتنويع البنوك المركزية، والمخاطر الجيوسياسية، وتراجع العوائد الحقيقية. أما بنك يو بي إس فقد جدد هدفه لعام 2025 عند 4600 دولار للذهب، واصفاً الانخفاض الحالي بأنه "تصحيح ضمن سوق صاعدة هيكلية مستمرة".
وبحسب محللي المعادن الثمينة، فإن الانهيار يُعرّف بأنه تراجع مستمر وغير منظم ناتج عن تغيّر أساسي — مثل تحول في السياسة النقدية أو انهيار في الطلب. أما التصحيح فهو عملية طبيعية لتهدئة المضاربات الزائدة. ويعتقد معظم المتداولين المخضرمين بالسيناريو الثاني. وكما لخّص هانسن: "إن العوامل الهيكلية وراء موجات الارتفاع التاريخية هذا العام لا تزال قائمة. فهذه المعادن لم تعد مُبالغاً في شرائها، لكنها ما زالت ناقصة الحصة في المحافظ الاستثمارية".
وقد تعززت توقعات التضخم، وبقيت عوائد السندات متقلبة، بينما تواصل التوترات بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى بؤر الصراع في الشرق الأوسط، دعم الطلب على الملاذات الآمنة. وعلى الرغم من حدة تراجع الذهب، فقد يكون مجرد خطوة ضرورية لتمهيد الطريق أمام صعود أكثر استدامة بمجرد أن تخف حدة المضاربات.
"في الجوهر، يمر السوق بعملية إعادة ضبط علاجية — لا انهيار. فإذا حافظ الذهب على مستوى الدعم عند 4000 دولار والفضة عند 46 دولاراً، فقد يرى المستثمرون على المدى الطويل في هذا التراجع فرصة شراء بدلاً من إشارة تحذير"، بحسب تاجر معادن ثمينة في دبي. "لكن إذا انهارت تلك المستويات وازدادت ندرة السيولة، فقد يتلاشى الحد الفاصل بين التصحيح والانهيار بسرعة." أما في الوقت الحالي، فإن مجمل المؤشرات لا يزال يميل نحو التماسك لا الاستسلام — استراحة قبل أن تستأنف قصة المعادن الثمينة فصولها القادمة.