
لطالما وعد التمويل الإسلامي بالعدالة وسهولة الوصول والالتزام بالتعاليم الأخلاقية الإسلامية. مع ذلك، فقد ظلت العديد من أدواته الاستثمارية الرئيسية، شأنها شأن أدوات التمويل التقليدي، حكراً على قلة محدودة. وتُعد الصكوك، وهي أدوات الدخل الثابت في المالية الإسلامية، مثالاً واضحاً على ذلك.
فرغم أنها أصبحت محوراً في أسواق رأس المال الإسلامية، فإنها لا تزال بعيدة المنال عن المستثمرين الأفراد.
لا يعود ذلك إلى نقص الاهتمام أو العرض. فقد بلغ حجم سوق الصكوك العالمية 1.21 تريليون دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 3.99 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2033، مع تجاوز سوق الصكوك البيئية والاجتماعية والحوكمة 50 مليار دولار أمريكي من حيث القيمة القائمة بنهاية عام 2024، وفقاً لتقرير صادر عن مجموعة بورصة لندن.
لكن التحدي كان دائماً يتمثل في الوصول. فالحد الأدنى للاستثمار، الذي يبلغ مئات الآلاف، جعل الصكوك حكراً على المؤسسات والأفراد ذوي الثروات العالية. لكن هذا الوضع يتغير الآن.
الصكوك الجزئية، التي تُقدّم حصصاً أصغر بتكلفة أقل من هذه الأدوات، تتوفر تدريجياً لجمهور أوسع. الفكرة بسيطة: فبدلاً من اشتراط حد أدنى قدره 200,000 دولار أمريكي للمشاركة، يُمكن للمستثمرين الآن البدء بجزء بسيط من ذلك المبلغ. هناك توجه متزايد نحو تسهيل الوصول إلى استثمارات الصكوك، مما يلبي احتياجات المستثمرين الأفراد الذين يُمكنهم الاستثمار بمبلغ لا يتجاوز 1,000 دولار أمريكي في فرص دخل ثابت متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
يمثل هذا التطور تحدياً للاعتقاد السائد منذ زمن بأن أسواق المال بطبيعتها حصرية ومغلقة، لكن إذا كانت الصكوك مصممة لتعكس مشاركة المخاطر، وملكية الأصول، والاستثمار الأخلاقي، فلماذا تُقيَّد إمكانية الوصول إليها؟ هذا التساؤل دفع إلى إعادة نظر شاملة في النموذج القائم.
كما أنها تستجيب لتحول في سلوك المستثمرين. ففي جميع أنحاء العالم، أصبحت الأجيال الشابة أكثر وعياً من حيث المسائل المالية. وقد وجدت دراسة جديدة صادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن 30% من جيل زد بدأوا الاستثمار في الجامعة أو في بداية مرحلة البلوغ، مقارنةً بـ 15% من جيل الألفية، و9% من جيل إكس، و6% من جيل طفرة المواليد. في ظل اقتصاد اليوم العالمي المتقلب الذي يُحدث اضطرابات متكررة في الأسواق التقليدية، يبحث المستثمرون عن ملاذ آمن. وتوفر الصكوك، كأدوات دخل ثابت، موثوقية يصعب الحصول عليها.
بالإضافة إلى ذلك، هذا الجيل يفضل الحلول الرقمية أولاً، ولا يتقبّل بسهولة العمليات الورقية المعقدة وغير الشفافة التي لطالما صاحبت استثمارات الصكوك التقليدية. في هذا السياق، يصبح الدمج بين الملكية الجزئية والوصول الرقمي أمراً بالغ الأهمية.
على سبيل المثال، اتخذ بنك أبوظبي الإسلامي نهجاً يركز على الرقمية من خلال تقديم منصة تدعم الملكية الجزئية من خلال واجهة رقمية مبسطة تسمح للمستخدمين بتصفح الاستثمارات في الصكوك والاشتراك فيها ومراقبتها، مما يجعل الوصول أسهل وأسرع وأكثر انسجاماً مع توقعات المستثمرين الأصليين في المجال الرقمي.
وفقاً لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، ارتفع إصدار الصكوك في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 43% على أساس سنوي في عام 2024 ليصل إلى 87.5 مليار دولار أمريكي، متجاوزاً بذلك إصدار السندات (+1.1%). وتُعدّ البنوك الإسلامية جزءاً كبيراً من النظام المصرفي لدول مجلس التعاون الخليجي، وهي من أبرز المستثمرين والمصدرين للصكوك. وتُعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة لاعباً عالمياً رئيسياً في سوق الصكوك، حيث تُمثّل 6.5% من إجمالي الصكوك العالمية القائمة حتى الربع الأول من عام 2025، مُحتلةً المرتبة الرابعة عالمياً بعد ماليزيا والمملكة العربية السعودية وإندونيسيا.
تعكس الصكوك الجزئية المستقبل المالي الشامل في المنطقة. فمن خلال الجمع بين سهولة الوصول والابتكار المتوافق مع الشريعة الإسلامية، نُمكّن جيلاً جديداً من المستثمرين من بناء ثرواتهم بما يتماشى مع قيمهم. ولا يقتصر الأمر على تقديم أحجام استثمارية أصغر، بل يشمل أيضاً إعادة تصور طريقة خدمة الأفراد، وفقاً لأميت مالهوترا، الرئيس العالمي للخدمات المصرفية للأفراد في مصرف أبوظبي الإسلامي، لصحيفة خليج تايمز.
بطبيعة الحال، فإن خفض حواجز الدخول لا يخلو من المسؤوليات. يجب أن يكون المستثمرون على دراية كافية، كما أن الشفافية في ما يتعلق بالمخاطر والعوائد والشروط تُعد أمراً أساسياً. وسيقع على عاتق الجهات التنظيمية والمؤسسات المالية ضمان ألا تؤدي سهولة الوصول إلى إضعاف الرقابة. ومع ذلك، فإن الصورة العامة تبعث على التفاؤل؛ إذ إن إدخال الصكوك إلى محافظ الأفراد يمنح التمويل الإسلامي فرصة لاستعادة وعده الأساسي: أن تكون المالية في خدمة المجتمع، لا النخبة فقط.
بحسب الخبراء، لا يزال الطريق طويلاً، إذ إن وعي الجمهور بالمنتج لا يزال ضعيفاً في عدد من الأسواق. لكن الاتجاه بات أكثر وضوحاً. وقال أحد المحللين: "الملكية المجزأة قد تبدو تعديلاً تقنياً، لكنها تمثل تحولاً جوهرياً في كيفية تصميم وتوزيع وفهم المنتجات المالية."
في وقت يُعيد فيه المستثمرون النظر في معنى الاستثمار المسؤول، تبرز أمام التمويل الإسلامي فرصة مناسبة، لا من خلال التعقيد، بل عبر أن يصبح أكثر شمولاً، وأسهل وصولاً، وأكثر التزاماً بقيمه الأساسية.
إن جعل الصكوك أكثر سهولة في الحصول عليها يمثل خطوة مهمة نحو نظام مالي أكثر شمولاً، وربما يحدد الفصل التالي من الاستثمار الإسلامي.