
في الخامس من يونيو من كل عام، يُذكرنا يوم البيئة العالمي بأن صحة كوكبنا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بخياراتنا اليومية. ويُعد شعار هذا العام، "التغلب على التلوث البلاستيكي"، مُلحاً بشكل خاص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في ظلّ مواجهتنا للتكلفة البيئية المتزايدة للمواد البلاستيكية أحادية الاستخدام.
وفي حين تلعب الالتزامات العالمية والسياسات الوطنية دوراً حاسماً، فإن الحلول الأكثر إحداثاً للتغيير غالباً ما تبدأ بالقرب من الوطن، وتبدأ بالمجتمعات التي نعيش فيها. في مدينة الشارقة المستدامة، رأينا بأنفسنا كيف يمكن للمبادرات التي يقودها المجتمع أن تقود إلى تغيير حقيقي ودائم في الحد من النفايات البلاستيكية.
يُعدّ تمكين المجتمعات من فهم تأثير خياراتها وتبنّي ممارسات مستدامة من أكثر الاستراتيجيات فعاليةً لمكافحة النفايات البلاستيكية. ورغم أن تلوث البلاستيك مشكلة عالمية، إلا أنه يتجذر في أعماق خياراتنا الشخصية. فمن أكياس البقالة التي نحملها إلى العبوات التي نتخلص منها، يتراكم كل قرار منزلي.
وللمجتمعات القدرة على تقليد السلوك، والتأثير على الآخرين، وإحداث تغيير جذري. عندما يرى الجيران بعضهم البعض يعيدون استخدام البلاستيك وإعادة تدويره، ويعيدون التفكير في استهلاكهم، تصبح الاستدامة مهمة مشتركة وليست جهداً فردياً. التعليم والمشاركة هما المحفزان.
تأسست مدينة الشارقة المستدامة برؤيةٍ طموحةٍ تتجاوز مجرد مشروعٍ سكني. فهي اليوم تُجسّد نموذجاً يُحتذى به في كيفية تمكين مدن المستقبل من تعزيز الاستدامة على مستوىً أساسي. ومن خلال مجموعةٍ من المبادرات، نُشرك سكاننا بفعاليةٍ في الحد من استخدام البلاستيك وتعزيز الممارسات الدائرية.
وباعتبارها داعماً استراتيجياً لأهداف حكومة الشارقة في التنمية المستدامة، تُرسي المدينة نهجاً إيجابياً نحو العيش المستدام في إمارة الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة. تمتد المدينة على مساحة 7.2 مليون قدم مربع في منطقة الرحمانية بالشارقة، وقد أصبحت أكثر من مجرد مشروع سكني، بل تهدف إلى إلهام المجتمعات المجاورة لتبني مبادرات مستدامة من خلال التثقيف والمشاركة المجتمعية.
على سبيل المثال، خلال تحدي أسبوع الأرض السنوي، شجعنا العائلات على المشاركة في أنشطة ذات طابع مستدام، بما في ذلك عمليات تدقيق النفايات، وأيام العيش بدون بلاستيك، وحملات تنظيف مجتمعية. تُعدّ هذه التجارب الصغيرة والتفاعلية أدوات فعّالة لتغيير السلوك، وخاصةً للأطفال الذين يكبرون بروح المسؤولية تجاه كوكب الأرض. من إعادة تدوير البلاستيك واستخدام الأكياس القابلة لإعادة الاستخدام إلى الحفاظ على المياه واستخدام وسائل نقل صديقة للبيئة في جميع أنحاء المدينة، توحد السكان حول سبل إنقاذ الكوكب.
ومن أكثر مبادراتنا إبداعاً وفعالية ورشة إعادة التدوير، حيث تواصل مجتمعنا، وخاصةً الشباب، مؤخراً عبر جلسات رسم ممتعة، حوّلوا فيها الإطارات المستعملة إلى حوامل دراجات عملية، وهي الآن موزعة في جميع أنحاء المجمع. بالتعاون مع "غلفتينر"، لم تقتصر هذه المبادرة على تحويل النفايات من مكبات النفايات فحسب، بل أثارت أيضاً نقاشات حول إعادة الاستخدام والتفكير التصميمي في الحياة المستدامة.
كما نستضيف أيضاً حملات إعادة تدوير منتظمة وحملات توعية، باستخدام جلسات تفاعلية وألعاب لجعل عملية التعلم جذابة لجميع الفئات العمرية.
الشراكات لتعزيز التأثير
"أؤمن بأن كل مجتمع لا ينعزل، وأن الشراكات ضرورية لتوسيع نطاق التأثير. تعاوننا مع جهات محلية مثل "بيئة" وبلدية مدينة الشارقة يُمكّننا من تعزيز بنيتنا التحتية لإعادة التدوير، وإطلاق حملات توعية مشتركة، والمساهمة في تحقيق الأهداف البيئية الأوسع للإمارة."
"من خلال هذه الشراكات، أنشأنا صناديق إعادة تدوير مخصصة، ونظمنا حملات توعية، وساهمنا في فرز النفايات المنزلية. الهدف هو ترسيخ السلوك المستدام، ليس فقط ضمن حدود مجتمعنا السكني، بل في جميع أنحاء الشارقة وخارجها."
تتماشى إجراءاتنا المحلية بشكل وثيق مع الجهود الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة لمعالجة التلوث البلاستيكي. ومع تطبيق حظر الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام في عدة إمارات، بما فيها الشارقة، تُرسل دولة الإمارات العربية المتحدة رسالة قوية وواضحة مفادها أن الاستدامة لم تعد خياراً.
تعكس سياسة الاقتصاد الدائري لدولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب مبادرات أخرى، تحولاً حاسماً نحو المساءلة البيئية. وبصفتنا مجتمعاً مصمماً لحياة خالية من الطاقة، نفخر بدعم هذه السياسات وتطبيقها عملياً.
المستتقبل
يتطلب القضاء على التلوث البلاستيكي أكثر من مجرد حملة لمرة واحدة أو سلة إعادة تدوير جديدة. بل يتطلب تحولاً ثقافياً يبدأ بالناس وليس فقط بالسياسات. الحلول المجتمعية هي أقوى دفاعاتنا لأنها ترتكز على القيم المشتركة، والتواصل الإنساني، والهدف الجماعي.
في يوم البيئة العالمي هذا، ندعو المجتمعات وصانعي السياسات والشركات إلى التطلع حولنا واكتشاف الإمكانات الكامنة للعمل المحلي. لو أصبح كل حيّ مناصراً للاستدامة، فتخيلوا التغيير العالمي الذي يُمكننا إحداثه.
في مدينة الشارقة المستدامة، نبني هذا الواقع. مبادرة واحدة، أسرة واحدة، شراكة واحدة في كل مرة. من خلال استضافة مبادرات مجتمعية وورش عمل وفعاليات تُركّز على الحفاظ على الموارد واستخدام الطاقة المتجددة، نُرسّخ الوعي البيئي على نطاق واسع. يتماشى هذا مع أهداف الشارقة الحضرية الأوسع، ويُرسّخ مكانة المدينة كنموذجٍ مُحوّلٍ للحياة المستدامة، مُعززاً مستقبلاً منخفض الكربون في جميع أنحاء الإمارة.
لنحارب التلوث البلاستيكي معاً من الأساس!
الكاتب هو مدير العقارات في شركة شروق.