يشهد سوق العقارات في دبي، الذي كان لفترة طويلة نموذجاً للعجائب المعمارية والفخامة المعاد تصورها، تحولاً كبيراً، ليس من خلال ناطحات السحاب الشاهقة أو العقارات الممتدة على الواجهة البحرية، بل من خلال القوة الهادئة للذكاء الاصطناعي.
ومن روبوتات الدردشة التي تعمل كموظفين افتراضيين دؤوبين، إلى المنصات المتطورة التي تتنبأ بعوائد الإيجار ونمو رأس المال، يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورةً في كيفية شراء العقارات وبيعها واستثمارها في جميع أنحاء الإمارة. تُبشر هذه الموجة التكنولوجية بتحول جذري، جاذبةً جيلاً شاباً مُلِماً بالتكنولوجيا إلى قلب المشهد العقاري في دبي، كما تكشف بيانات جديدة.
يرسم تقرير سوقي حديث أصدرته شركة"فام بروبرتيز" (fäm Properties) صورةً واضحةً لهذا المشهد. فقد انخفض متوسط أعمار مشتري العقارات بشكل حاد خلال السنوات الثماني الماضية. ففي قطاع العقارات على الخارطة، انخفض من 54 عاماً عام 2017 إلى 44 عاماً عام 2025، بينما انخفض في سوق العقارات الجاهزة أو إعادة البيع من 53 عاماً إلى 42 عاماً. وهذا ليس مجرد خلل إحصائي، بل هو مؤشر على تحول ديموغرافي أوسع.
وتسيطر الفئة العمرية 36-45 عاماً الآن على السوق، حيث تمثل 40% من مبيعات العقارات على الخريطة و44% من معاملات العقارات الجاهزة وإعادة البيع في عام 2025. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو الارتفاع الكبير بين المشترين الأصغر سناً: فقد استحوذت الفئة العمرية 21-25 عاماً على 38.6% من العقارات على الخريطة و33.3% من العقارات الجاهزة أو إعادة البيع مقارنة بالعام الماضي.
وفي الوقت نفسه، زادت الفئة العمرية من 26 إلى 30 عاماً مشترياتها في سوق العقارات الجاهزة بنسبة 31.9%. ويكمن جوهر هذا التحول في التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي تتجلى في منصات مثل "دي إكس بي إنتراكت" (DXBinteract)، وهي مصدر رائد لمعلومات السوق. تتتبع هذه الأدوات تفضيلات المشترين، وترصد اتجاهات السوق، وتقدم رؤى قائمة على البيانات، مما يُمكّن المستثمرين والمشترين والوكلاء من اتخاذ قرارات سريعة ومستنيرة. بالنسبة للمشترين الأصغر سناً، الذين اعتادوا على الطلاقة الرقمية، تُحدث هذه الشفافية نقلة نوعية. وصرح "فراس المسدي"، الرئيس التنفيذي لشركة "فام بروبرتيز"، قائلاً: "في الماضي، كان السوق يعتمد على المستثمرين الأكبر سناً الذين يثقون بحدسهم وخبرتهم. أما الآن، فإن الذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية تُتيح فرصاً متساوية، وتُثقف المشترين الشباب، وتسهل الوصول للسوق. وبينما يظل الحكم البشري حيوياً في هذا المشهد المعقّد، فإن دور الذكاء الاصطناعي سيتوسع مع تطور التكنولوجيا".
تؤكد البيانات هذا الاتجاه. ففي عام 2025، ستقود الفئة العمرية 41-45 عاماً مبيعات العقارات على الخارطة، حيث استحوذت على 21% من المعاملات، تليها الفئة العمرية 36-40 عاماً بنسبة 19%. ويعكس سوق العقارات الجاهزة أو إعادة البيع هذا النمط، حيث تقود الفئة العمرية 36-40 عاماً 23% من الصفقات وتساهم الفئة العمرية 41-45 عاماً بنسبة 21%. ومع ذلك، فإن الفئات العمرية الأصغر سناً هي التي تحقق أكبر مكاسب سنوية، مما يشير إلى سوق يتشكل بشكل متزايد من قبل المستثمرين من جيل الألفية والجيل (Z). وقد احتل هذا التطور التكنولوجي والديموغرافي أيضاً مركز الصدارة في قمة "مغيرو اللعبة الثانية" (Game Changers 2.0) العقارية الأخيرة، في "كوكاكولا أرينا" بدبي. وألقى صاحب الرؤية التقنية "محمد جودت"، الرئيس التنفيذي السابق للأعمال في شركة "غوغل إكس" (Google [X])، كلمة رئيسية، وانضم إليه "المسدي" والدكتور "محمود البرعي"، المدير الأول لسياسات العقارات والابتكار في دائرة الأراضي والأملاك بدبي. استقطب الحدث رواد الصناعة والمطورين ومبتكري التكنولوجيا المتحمسين لاستكشاف تأثير الذكاء الاصطناعي على العقارات. وسلطت رؤى "جودت" الضوء على أن البيانات الضخمة والابتكار الرقمي ليسا مجرد أدوات، بل هما محفزان لعصر جديد في الاستثمار العقاري.
وكما يقول خبراء العقارات، لطالما ازدهر سوق العقارات في دبي بفضل المبادرات الجريئة، إلا أن الذكاء الاصطناعي يُثبت أنه أقوى قوة تحويلية فيه حتى الآن. فمن خلال تزويد المشترين الشباب بإمكانية وصول غير مسبوقة إلى المعلومات والتحليلات التنبؤية، يُزيل الذكاء الاصطناعي الحواجز ويُعيد صياغة قواعد التعامل. وبينما لا تزال اللمسة البشرية تُوجّه القرارات المعقدة، يُشير صعود الذكاء الاصطناعي إلى مستقبل تُسيطر فيه البيانات على المشهد، وجيل جديد من المستثمرين مُستعدٌّ لإثبات جدارته في أفق دبي المُتألق. ومع استمرار تطور المدينة، يضمن هذا الدمج بين التكنولوجيا والطموح أن يظل سوقها العقاري رائداً عالمياً. issacjohn@khaleejtimes.com