

قد تبدو مسألة التقاعد بعيدة بالنسبة للبعض، لكنها واقع لا بد من التفكير فيه، خاصةً لمن يخططون للتقاعد المبكر. فعلى الرغم من المزايا العديدة للحياة في دولة الإمارات، إلا أن نظام التقاعد فيها لا يزال في طور التطوير، سواء من حيث المعاشات أو الخطط المخصصة للمقيمين.
مايك كودي، الرئيس التنفيذي لشركة سكاي باوند ويلث، ومستشار المغتربين العالمي المخضرم في الإمارات العربية المتحدة، يُعبّر عن الأمر بصراحة: "لا يوجد نظام تقاعد تلقائي لمعظم المغتربين. لا شبكة أمان. لا شيك شهري يصل إليك بعد انتهاء مسيرتك المهنية. هذا يعني أن مستقبلك المالي يعتمد عليك كلياً، وعلى مدى ذكائك وحكمتك في التخطيط. إذا كنت ترغب في تأمين وضعك لاحقاً، فعليك العمل على ذلك اليوم."
رغم الإعلان عن برامج جديدة مدعومة من الحكومة وتعديلات في أنظمة التخطيط للتقاعد خلال السنوات الأخيرة، لا تزال الحاجة ملحّة لأن يضع المقيمون خطط ادخار تقاعدية خاصة بهم. تقدم معظم الشركات الخاصة مكافأة نهاية الخدمة، وهي مبلغ يُصرف دفعة واحدة بناءً على عدد سنوات العمل وآخر راتب أساسي، لكنها غالباً لا تكفي لتأمين تقاعد مريح. فما الذي يمكن فعله؟
ابدأ التوفير، وابدأ الآن
من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الكثيرون هو تأجيل التخطيط للتقاعد. تقول راجي كايباليل، مؤسس منصة "Finance with Raji": "الكثير من الناس يرون التقاعد هدفاً بعيد المدى ويفترضون أنه يمكن التفكير فيه لاحقاً، لكن كلما بدأت الادخار والاستثمار مبكراً، قلّ المبلغ الذي تحتاج إلى تخصيصه شهرياً، وأصبح الوصول إلى الهدف أسهل بفضل مفعول العوائد المتراكمة".
يُبرز هذا المثال بوضوح أهمية البدء المبكر في الاستثمار. فلو بدأت في استثمار 1500 درهم شهرياً في سن 25، وبمعدل عائد سنوي يبلغ 8%، قد تنمو محفظتك الاستثمارية لتصل إلى نحو 2 مليون درهم بحلول سن 55. لكن إن بدأت في سن 35، فستحتاج إلى استثمار حوالي 4000 درهم شهرياً للوصول إلى نفس المبلغ. وإذا تأخرت حتى سن 45، فستضطر إلى ادخار نحو 12,000 درهم شهرياً لتحقيق نفس الهدف.
كم يجب عليك أن تدخر؟
الأرقام المذكورة أعلاه مجرد مثال. يقول مايك كودي: استخدم المبالغ التالية كحد أدنى، بناءً على معدل نمو استثماري سنوي قدره 7%. في سن الثلاثين: ادخر 15-20% من دخلك شهرياً. في سن الأربعين: ادخر 25-35% من دخلك. في سن الخمسين فأكثر: قد تحتاج إلى ادخار 40% أو أكثر أو تخطط للتقاعد لاحقاً.
قد يكون من الصعب التنبؤ بالمبلغ الذي ستحتاجه شهرياً للعيش بعد التقاعد. فتكاليف المعيشة والرعاية الصحية وغيرها من النفقات في ازدياد مستمر. لنفترض أنك ترغب في دخل تقاعدي شهري قدره 20,000 درهم إماراتي، بدءاً من سن الستين. ستحتاج إلى تكوين رصيد يتراوح بين 4 و5 ملايين درهم إماراتي. وهذا يعني مدخرات شهرية قدرها 10,000 درهم إماراتي على مدى العشرين عاماً القادمة (بمعدل نمو 7%). إذا كانت مدة الادخار 30 عاماً، فأنت بحاجة إلى ادخار 6,000 درهم إماراتي شهرياً لتحقيق هذا الهدف.
اقترحت ميشيل كاربي، المخططة المالية، فكرة أخرى مثيرة للاهتمام. "إذا انتقلتَ من منطقة خاضعة للضريبة، فإن الحد الأدنى الذي يجب عليك تخصيصه هو النسبة المئوية التي اعتدتَ دفعها سابقاً كضرائب، حيث يُخصَّص هذا المبلغ مباشرةً لرعايتك في المستقبل. وكقاعدة عامة، يُفضَّل اعتبار 20% على الأقل من راتبك الشهري نقطة بداية فعّالة."
أين يمكنك حفظ مدخراتك
لا توجد إجابة واحدة تناسب الجميع حول كيفية الادخار للتقاعد. غالباً ما يُنصح المغتربون باستخدام منصات استثمارية دولية، وحفظ أصولهم في حسابات استثمار مرنة ومعفاة من الضرائب. ونظراً لطول الفترة الزمنية، يُعد الاستثمار في الأسهم خياراً مناسباً، وهناك العديد من صناديق الأسهم للاختيار من بينها، مثل صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) منخفضة التكلفة. واحرص على تنويع استثماراتك عالمياً عبر مناطق جغرافية مختلفة وفئات أصول وعملات متعددة.
يمتلك العديد من المقيمين في الإمارات خطط تقاعد بدأوها في بلدانهم مسبقاً قبل انتقالهم إلى الإمارات، وقد يواصلون المساهمة فيها، خصوصاً إذا كانوا ينوون التقاعد في بلدانهم الأصلية. ومع ذلك، أظهر استطلاع أجرته "يوجوف" بتكليف من "زيوريخ إنترناشونال لايف" أن سبعة من كل عشرة مقيمين يرغبون في التقاعد داخل الإمارات. وأوضح راجي كايباليل أن "من أبرز المزايا أن الإمارات لا تفرض ضريبة دخل، مما يعني أن سحب الأموال من المعاش التقاعدي لن يُفرض عليه ضريبة محلياً إذا بقي المتقاعد مقيماً في الدولة".
الأخطاء
الادخار المبكر للتقاعد يبدو منطقياً تماماً، لكن عدد من يقومون بذلك لا يزال منخفضاً بشكل مقلق. لماذا؟ يوضح كاربي، الشريك الإداري في "هولبورن أسيتس": "غالباً ما يقع الوافدون في عادات إنفاق سيئة، نظراً لجاذبية نمط الحياة الترفيهي في دبي. فقبل أن يدركوا الأمر، تجدهم ينفقون أكثر من 200 درهم في عطلة نهاية الأسبوع على وجبات البرنش. ولو تم ادخار نصف هذا المبلغ فقط لصالح التقاعد، لكان لذلك تأثير كبير. لكن للأسف، القليل فقط من الناس يفكرون بهذه الطريقة".
يقول كودي إن من أبرز الأخطاء التي يقع فيها الناس هو اعتبار مكافأة نهاية الخدمة كخطة تقاعد، بينما هي في الواقع لا تكفي سوى لبضعة أشهر فقط. وأضاف: "كذلك، كثيرون يقعون في 'وهم المغترب'، معتقدين أن الدخل المرتفع يعني أنهم يبنون ثروة. لكن الحقيقة أن الكثيرين من أصحاب الرواتب العالية يغادرون المنطقة دون مدخرات تُذكر، بينما أولئك الذين يدخرون بانتظام – حتى من رواتب متواضعة – يغادرون بملايين. فكن من الفئة الثانية."