تتحول دولة الإمارات العربية المتحدة بسرعة إلى الوجهة المفضلة لأغنى العائلات في العالم التي تسعى إلى إدارة أصول تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات، وقد أكدت قمة مكاتب العائلات 2025 التي عقدت مؤخراً في أبوظبي هذا التحول.
بفضل مزاياها الضريبية وموقعها الاستراتيجي وإطارها التنظيمي التقدمي، تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على إعادة تعريف إدارة الثروات، حيث تجذب الأفراد ذوي الثروات العالية والأفراد ذوي الثروات الفائقة من جميع أنحاء العالم الذين يبحثون عن طرق مبتكرة وآمنة للحفاظ على ثرواتهم ونموها.
وقد سلطت القمة الضوء على سبب كون دولة الإمارات العربية المتحدة بمثابة نقطة جذب لمكاتب العائلات، حيث جمعت 235 مشاركاً رفيعي المستوى، بما في ذلك 61 مكتباً عائلياً، و82 شركة عائلية، وممثلين يديرون أصولاً تزيد قيمتها عن 500 مليار دولار.
سلطت القمة، التي تُعدّ حدثاً أساسياً للمستثمرين العالميين، الضوء على صعود أبوظبي كمركزٍ لريادة الثروات، مستفيدةً من نجاح دورات دبي السابقة. وتضمنت المناقشات 11 جلسة، غطّت مواضيعَ من الحوكمة إلى مستقبل الإرث، مع التركيز على كيفية تطور مكاتب العائلات.
واستضافت جلسة نقاشية مميزة بعنوان "المكاتب العائلية 2.0"، خبراء مثل "فايدوتاس ميلينافيسيوس" من "سانتوسيدروس كابيتال"، وعامر العوش من جيوان القابضة، اللذين أكدا على دور قادة الجيل القادم في قيادة المكاتب العائلية المدعومة بالتكنولوجيا والمستعدة للمستقبل. يُدمج هؤلاء القادة الشباب الاستدامة والتكنولوجيا والتفكير الريادي في استراتيجياتهم الاستثمارية، مما يعكس تحولاً جيلياً.
وبحسب تقرير حديث، يرى 79% من المستثمرين من الجيل القادم في الشرق الأوسط إمكانات كبيرة في القطاعات الرقمية والتكنولوجية، وهو ما يتماشى مع رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة القائمة على الابتكار.
تكمن جاذبية الإمارات العربية المتحدة في مزيجها الفريد من المزايا. فدبي، التي تضم أكثر من 75% من مكاتب العائلات في المنطقة، تدير أصولاً تتجاوز قيمتها 1.2 تريليون دولار أمريكي من خلال 120 عائلة و800 كيان مرتبط بها، كما أشار عارف أميري، الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي.
ويُشرف مركز دبي المالي العالمي، المركز المالي الرائد في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، على 450 مليار دولار من الثروات الخاصة، وهو محور هذه المنظومة. وبفضل إمكانية الوصول إلى 3 تريليونات دولار من الثروات الخاصة على بُعد ساعة واحدة بالطائرة، فإن موقع دبي الاستراتيجي يجعلها بوابةً للاستثمار العالمي، تربط آسيا وأوروبا والأمريكيتين.
تُعدّ المزايا الضريبية عامل جذب رئيسي. فعدم وجود ضريبة دخل أو أرباح رأس مال في الإمارات العربية المتحدة، وغياب ضريبة الميراث، كلها عوامل تُهيئ بيئةً ضريبيةً فعّالة للحفاظ على الثروة عبر الأجيال. وقد عزز تطبيق ضريبة الشركات في عام 2023 الإطار المالي للدولة، موفراً الوضوح والاستقرار. وتجذب هذه المزايا بشكل خاص أصحاب الثروات العالية الهنود، الذين ينتقلون بشكل متزايد إلى الإمارات العربية المتحدة لتنظيم شؤونهم المالية.
وتوفر لوائح ترتيبات الأسرة لعام 2023 في مركز دبي المالي العالمي دعماً مصمماً خصيصاً للمكاتب العائلية الفردية والمتعددة، مما يضمن عمليات سلسة لإدارة الثروات والتخطيط الضريبي وتخطيط العقارات والاستشارات القانونية.
وتُعدّ البيئة التنظيمية في دولة الإمارات العربية المتحدة عاملاً رئيسياً آخر. وقد وضعت سلطة مركز دبي التجاري العالمي ومركز دبي المالي العالمي أطر عمل واضحة لمكاتب العائلات، تدعم كلاً من مكاتب العائلات الفردية ومكاتب العائلات المتعددة. ويُعدّ المركز العالمي للشركات العائلية والثروات الخاصة التابع لمركز دبي المالي العالمي، والذي أُطلق عام 2022، الأول من نوعه عالمياً، حيث يُقدّم خدمات استشارية، وشبكات تواصل، وحل النزاعات.
وتساهم الشركات العائلية بشكل كبير في اقتصاد الإمارة، بما يتماشى مع أجندة دبي الاقتصادية (D33)، التي تهدف إلى وضع دبي ضمن المراكز المالية الأربعة الأولى في العالم بحلول عام 2033.
فرص الاستثمار في دولة الإمارات العربية المتحدة متنوعة وديناميكية. وتتجه مكاتب العائلات بشكل متزايد نحو الاستثمار في الأسهم الخاصة، لا سيما في مجال الطاقة الخضراء، الذي يتماشى مع أهداف الاستدامة في دولة الإمارات. كما تُعد قطاعات العقارات والضيافة والتكنولوجيا والرعاية الصحية قطاعات مزدهرة، توفر إمكانات نمو عالية.
وسلّطت قمة أبوظبي الضوء على كيفية استفادة مكاتب العائلات من هذه الفرص لتنويع محافظها الاستثمارية وتحقيق قيمة طويلة الأجل. على سبيل المثال، كشفت المناقشات عن اهتمام متزايد بالأصول الرقمية، حيث تُقدّم هيئة تنظيم الأصول الافتراضية في الإمارات العربية المتحدة حلولاً للوضوح والحفظ. ويتبنّى الجيل الجديد من القيادات النسائية العملات المشفرة كفئات أصول استراتيجية، متجاوزين بذلك المضاربة إلى الاستثمارات المُهيكلة.
كان لتركيز القمة على الحوكمة والمرونة صدىً قوياً. وناقشت الجلسات كيفية تمكين المكاتب العائلية من مواكبة عملياتها للمستقبل من خلال الحوكمة الذكية، والإدارة الاستباقية للمخاطر، والتوافق مع الأهداف طويلة المدى. ويتم اعتماد تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي لتعزيز عملية صنع القرار وتخطيط الإرث، لا سيما من قبل القادة الشباب. وأشار "آبيديا أيتون"، رئيس قمة المكاتب العائلية، إلى أن "المكاتب العائلية تُوازن استراتيجياً بين العوائد المالية والتأثير طويل المدى، لا سيما من خلال الاستثمارات في القطاعات ذات الإمكانات العالية مثل الرعاية الصحية والعقارات". وقد عزز التصميم المتقن للحدث، بما في ذلك المقاعد الديناميكية وصالات التواصل الخاصة، روابط قيّمة، حيث شارك 19 مكتباً عائلياً في الإمارات العربية المتحدة لأول مرة.
وكما أشار أحد المتحدثين في الفعالية، فإن "الرؤية المستقلبية لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تتجسد في احتضانها للجيل القادم والقيادات النسائية، تجعلها متميزة".