

صبي يجلس على متن قارب مصنوع من مواد معاد تدويرها في جاكرتا، إندونيسيا.
في جميع أنحاء العالم، تُواجه الدول تحديًا مزدوجًا يتمثل في الحفاظ على أنماط الحياة العصرية مع الحد من الأثر البيئي. تُعدّ أوروبا رائدة في ابتكارات الاقتصاد الدائري، مُشجّعةً على استخدام المواد بطريقة أكثر ذكاءً ونماذج إنتاج مستدامة، بينما تُشجّع اليابان الابتكار في المواد القابلة للتحلل الحيوي. في الولايات المتحدة، تلتزم الشركات بالتغليف المستدام، وتُجري مدنٌ من سيدني إلى كوبنهاغن تجارب على مراكز الاقتصاد الدائري لتحويل النفايات إلى موارد قيّمة.
لطالما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة رائدة إقليميًا في مجال الاستدامة. فمن حظر المواد البلاستيكية أحادية الاستخدام، إلى الاستثمار في مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة، وتطبيق إحدى أولى سياسات الاقتصاد الدائري في المنطقة، تتسارع وتيرة الدولة نحو مستقبل أكثر استدامة. ومع ذلك، ورغم التقدم الملحوظ، لا يزال 95% من نفايات الإمارات العربية المتحدة ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات، بينما يظل نصيب الفرد من نفايات الطعام والبلاستيك من بين أعلى المعدلات عالميًا.
ورغم الوعي المتزايد، يظل التحدي معقداً لأن الاستهلاك العالمي، وأنماط الحياة القائمة على الراحة، وأنظمة إدارة النفايات المجزأة لا تزال تتفوق على الحلول التقليدية.
لا يزال المستهلكون يتوقون للراحة. تُعدّ القهوة الجاهزة، وخدمة التوصيل إلى المنازل، والمنتجات المُغلّفة بعناية جزءًا لا يتجزأ من الحياة العصرية، وكذلك الرغبة في الحد من التلوث. لا يكمن الحل في تقليل الاستهلاك، بل في تحسينه من خلال إعادة النظر في المواد والأنظمة التي تُشكّل أساس الحياة العصرية، وتبنّي حلول مستدامة وقابلة للتطوير، ومتكاملة بسلاسة في الحياة اليومية.
من السياسة إلى الإمكانية
لقد مهدت دولة الإمارات العربية المتحدة الطريق للاقتصاد الدائري من خلال مبادرات استدامة جريئة. تُشجع سياسة الاقتصاد الدائري إعادة التدوير محليًا والإنتاج المستدام، بينما تُشجع سياسة المنتجات أحادية الاستخدام على استخدام المواد القابلة لإعادة الاستخدام، واعتماد المواد الحيوية والقابلة للتحلل في حال تعذر ذلك. إضافةً إلى ذلك، تُحدث استراتيجية "صفر نفايات في مكبات النفايات" نقلة نوعية في كيفية جمع النفايات ومعالجتها وإعادة استخدامها.
هذه ليست مجرد خطوات أولية، بل تُشكل أساسًا لمنظومة صناعية جديدة تُعامل النفايات كمورد، وتُعتبر الاستدامة محركًا للنمو الاقتصادي. في هذا الإطار، تلعب المواد البلاستيكية الحيوية، مثل حمض البولي لاكتيك (PLA)، دورًا محوريًا. فهي مصنوعة من موارد نباتية متجددة، وقابلة لإعادة التدوير الكيميائي أو التسميد، ويتجلى ذلك في كون حمض البولي لاكتيك معتمدًا كمنتجات حيوية وقابلًا للتسميد، تمامًا مثل المنتجات النباتية الأخرى كالخشب والورق وبقايا قصب السكر. يُجسّد حمض البولي لاكتيك (PLA) بين الاستهلاك الحديث والمسؤولية البيئية، ويدعم جهود دولة الإمارات العربية المتحدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تشجيع الإنتاج المحلي، والتصميم الدائري، والحد من النفايات، بما يتماشى تمامًا مع أهداف الاستدامة طويلة المدى.
إعادة الاختراع وليس الاستبدال
لا يعني التوجه نحو البلاستيك الحيوي التخلي عن الأنظمة التي تُشكّل الحياة العصرية، بل إعادة ابتكارها. لا تزال الراحة والأداء والكفاءة عناصر أساسية، لكنها الآن قادرة على التعايش مع الاستدامة. يحتفظ البلاستيك الحيوي، مثل PLA، بوظائفه مع تصميمه الدائري منذ البداية. وهذا يشجع الابتكار في كل مرحلة، بدءًا من تصميم المنتج وتصنيعه، وصولًا إلى إعادة تدويره أو تحويله إلى سماد في نهاية العمر، مما يُحوّل النفايات إلى مورد بدلًا من أن تكون عبئًا. من خلال إعادة تصور كيفية استخدامنا للمواد وإنتاجها، يُمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تقود نموذجًا صناعيًا جديدًا، وأن تحافظ على وسائل الراحة الحديثة، مع ترسيخ المسؤولية البيئية والفرص الاقتصادية في جوهرها.
الفرصة الحاسمة لدولة الإمارات العربية المتحدة
يتحول النقاش العالمي حول البلاستيك من التلوث إلى الابتكار. تُعيد الحكومات والقطاعات الصناعية حول العالم النظر في كيفية الحصول على المواد وإنتاجها وإعادة استخدامها. لطالما اتسمت مسيرة الاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة بالطموح والنطاق الواسع، بدءًا من أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم وصولًا إلى المدن الذكية الرائدة واستثمارات الطاقة النظيفة. يُمثل البلاستيك الحيوي آفاقًا جديدة: فرصة بيئية واقتصادية متكاملة.
من خلال الاستثمار في إنتاج البوليمرات الحيوية محليًا، يُمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة تقليل الاعتماد على الواردات القائمة على الوقود الأحفوري، وتوفير وظائف خضراء عالية المهارة في إطار مبادرة "اصنعها في الإمارات"، وترسيخ مكانتها كمركز إقليمي للمواد المستدامة. ومع توقعات بتجاوز سوق البلاستيك الحيوي العالمي 29 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032، فإن الخدمات اللوجستية المتطورة والبنية التحتية للطاقة المتجددة في الدولة، ونهجها القائم على السياسات، تُمكّنها من الاستحواذ على حصة كبيرة، وتحويل الاستدامة إلى عامل مُضاعِف للصناعة. تُمكّن المواد البلاستيكية الحيوية، مثل PLA، الصناعات من الحفاظ على تنافسيتها مع تعزيز طموحات تحقيق صافي انبعاثات صفري، وتوحيد الابتكار والازدهار والحفاظ على البيئة في رؤية تحويلية واحدة.
خاتمة
تقف دولة الإمارات العربية المتحدة في لحظة محورية تلتقي فيها الاستدامة بالطموح الاقتصادي. يتجاوز البلاستيك الحيوي كونه بديلاً صديقًا للبيئة، ليقود الابتكار الصناعي، ويخلق فرص عمل، ويحقق الريادة الإقليمية في الاقتصاد الدائري. ومن خلال تبني هذه المواد، يمكن للدولة تحويل الاستهلاك الحديث إلى نموذج للازدهار والحفاظ على البيئة، مما يثبت أن مستقبل الصناعة لا يجب أن يكون على حساب كوكبنا.
الكاتب هو الرئيس التجاري لشركة الإمارات للتقنيات الحيوية