

تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على تعزيز مكانتها كقوة عالمية في مجال العملات المشفرة، حيث يشهد قطاع الأصول الرقمية لديها نمواً هائلاً مدفوعاً بالتنظيم التقدمي والتبني المؤسسي والشراكات رفيعة المستوى.
وبحسب خبراء سوق العملات المشفرة، وعلى الرغم من تقلبات السوق العالمية، فإن النظام البيئي للعملات المشفرة في الإمارات العربية المتحدة يتقدم إلى الأمام، ويتميز بالموافقات التنظيمية التاريخية، والتحالفات الاستراتيجية، وتوسيع الخدمات من المؤسسات المالية التقليدية.
حصلت شركة "ريبل"، الرائدة في حلول بلوكتشين للمؤسسات، على ترخيص من سلطة دبي للخدمات المالية للعمل في مركز دبي المالي العالمي. تُمكّن هذه الموافقة، وهي الأولى لشركة "ريبل" في الشرق الأوسط، الشركة من تقديم خدمات دفع بالعملات المشفرة خاضعة للتنظيم وحلول تُركّز على الامتثال للشركات في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة، ممّا يُعالج أوجه القصور المُستمرة في المعاملات العابرة للحدود، مثل ارتفاع الرسوم وبطء أوقات التسوية وثغرات الشفافية.
أكّد "براد جارلينجهاوس"، الرئيس التنفيذي لشركة "ريبل"، على الميزة الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، قائلاً: "ندخل مرحلة نمو غير مسبوقة في قطاع العملات المشفرة، مدفوعةً بشفافية تنظيمية أكبر واعتماد مؤسسي. إن الريادة المبكرة لدولة الإمارات العربية المتحدة في رعاية الابتكار التكنولوجي تُمكّنها من تحقيق استفادة هائلة". ويؤكد سوق التجارة الدولية في المنطقة، الذي يتجاوز حجمه 400 مليار دولار، والطلب المتزايد على حلول البلوك تشين، هذه الإمكانات. وقد كشف استطلاع أجرته "ريبل" عام 2024 أن 64% من قادة القطاع المالي في الشرق الأوسط وإفريقيا يُعطون الأولوية لتسريع المدفوعات كأفضل قيمة مُقترحة لاعتماد العملات المشفرة، بينما أعرب 82% عن ثقتهم الكبيرة في دمج البلوك تشين في عملياتهم.
وأكّد "عارف أميري"، الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي، على هذا الإنجاز باعتباره دليلاً على التزام دبي بدعم الابتكار، قائلاً: "يفخر مركز دبي المالي العالمي بدعم الشركات الرائدة مثل "ريبل" في رسم ملامح مستقبل القطاع المالي وتسريع تبني تقنية البلوك تشين في المدفوعات". ومنذ تأسيس مقرها الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في مركز دبي المالي العالمي عام 2020، عزّزت "ريبل" قاعدة عملائها الإقليميين لتصل إلى 20% من محفظتها العالمية، مع خطط للتوسع بشكل أكبر.
بالتوازي مع ذلك، أقامت "كريبتو.كوم" تحالفاً استراتيجياً مع "تواصل"، الشركة الرائدة في مجال التكنولوجيا السيادية في دولة الإمارات العربية المتحدة، لدمج خدمات العملات المشفرة في تطبيقها الفائق المدعوم بالذكاء الاصطناعي. تهدف هذه الشراكة إلى تبسيط وصول المستهلكين في دولة الإمارات إلى العملات المشفرة، من خلال الجمع بين البنية التحتية للتداول الخاصة بـ"كريبتو.كوم" وخبرة "تواصل" في مجال تقنية البلوك تشين.
قال "إريك أنزياني"، رئيس شركة "كريبتو.كوم"، إن هذا التعاون يُجسّد ازدهار منظومة التكنولوجيا في الإمارات العربية المتحدة من خلال تكامل الأصول الرقمية، ممّا يعود بالنفع على الشركات والمستخدمين على حد سواء. وأضاف "خميس الشامسي"، رئيس مجلس إدارة شركة "تواصل"، أن هذا التعاون سيعزز حضور "كريبتو.كوم" في السوق المحلية، بينما شدّد الرئيس التنفيذي "إريك ليندري" على التركيز على تقديم "تجارب رقمية آمنة وتفاعلية".
في تطورٍ مُتصل، استثمرت مجموعة "إم جي إكس" الاستثمارية، المدعومة من أبوظبي، ملياري دولار أمريكي في منصة "باينانس"، ممّا يُعزز العلاقات بين أكبر بورصة عملات رقمية في العالم والإمارات العربية المتحدة. تُعدّ هذه الصفقة، التي وصفتها "باينانس" بأنها أول استثمار مؤسسي لها، من أكبر الصفقات على الإطلاق في قطاع العملات الرقمية. وستُصبح "إم جي إكس" مساهم أقلية بعد استثمارها في العملة المستقرة - وهي نوع من العملات الرقمية المرتبطة بعملة ورقية مثل الدولار الأمريكي.
يتبنى القطاع المالي التقليدي في الإمارات العربية المتحدة أيضاً ابتكارات تقنية البلوك تشين. فقد أطلقت منصة "لِف" للخدمات المصرفية الرقمية التابعة لبنك الإمارات دبي الوطني مؤخراً خدمات العملات المشفرة، في خطوة تُمثل نقطة تحول تُشير إلى قبول واسع النطاق لهذه التقنية. تتماشى هذه الخطوة مع رؤية الإمارات العربية المتحدة لربط التمويل التقليدي بالتقنيات اللامركزية، ممّا يُتيح للعملاء وصولاً سلساً إلى الأصول الرقمية.
تبرز العملات المستقرة كركيزة أساسية في توسع سوق العملات المشفرة في الإمارات العربية المتحدة، إذ توفر مزايا تسوية فورية مقارنةً بالأنظمة المصرفية التقليدية. وقد تجاوزت عملة "ريبل" المستقرة (RLUSD)، التي أُطلقت أواخر عام 2023، قيمتها السوقية البالغة 130 مليون دولار أمريكي، ممّا يعكس الطلب القوي. وفي الوقت نفسه، تتصدر منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا من حيث جاهزية المؤسسات للعملات المشفرة، حيث يثق أكثر من 80% من قادة القطاع المالي في تكامل تقنية البلوك تشين.
بينما يتسارع النمو المحلي في الإمارات العربية المتحدة، تلعب ديناميكيات العملات المشفرة العالمية دوراً أيضاً. فقد ارتفع سعر بيتكوين مؤخراً فوق 80,000 دولار أمريكي عقب بيانات التضخم الأمريكية المتراجعة، ممّا خفّف المخاوف من استمرار الاتجاه الهبوطي. ورغم أن خطط الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" المقترحة لاحتياطي "بيتكوين" قوبلت بردود فعل خافتة، إلا أن تفاؤل السوق لا يزال قائماً بشأن وضوح اللوائح التنظيمية العالمية.
ينبع نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة من إطارها التنظيمي الاستباقي، الذي يوازن بين الابتكار والرقابة. وقد رسّخت هيئة تنظيم الأصول الافتراضية في دبي والمبادئ التوجيهية الشاملة لسوق أبوظبي العالمي مكانة الإمارات العربية المتحدة كملاذٍ آمن لشركات العملات المشفرة التي تسعى إلى الوضوح. وأشاد "ريس ميريك"، المدير العام لشركة "ريبل" في الشرق الأوسط وإفريقيا، بـ"البيئة التنظيمية التقدمية" في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو شعورٌ ردده قادة الصناعة حول العالم.
مع تزايد تبني المؤسسات وتزايد الشراكات، تتأهب الإمارات العربية المتحدة للهيمنة على المرحلة التالية من تطوّر العملات المشفرة. فبفضل موقعها الاستراتيجي، وسياساتها التكنولوجية المتقدمة، ومنظومة التكنولوجيا المالية المزدهرة، لا تكتفي الدولة بتجاوز حالة عدم اليقين العالمية فحسب، بل تُحدد مستقبل التمويل الرقمي أيضاً.
قال خبراء سوق العملات المشفرة إن تضافر الإنجازات التنظيمية والابتكارات المؤسسية والثقة المؤسسية يؤكد تحول الإمارات العربية المتحدة إلى مركز عالمي للعملات المشفرة. ومع توسّع "ريبل" و"كريبتو.كوم" في السوق، وتبني البنوك التقليدية مثل بنك الإمارات دبي الوطني لتقنية البلوك تشين، فإن المنطقة مهيأة لاغتنام فرص جديدة في التمويل اللامركزي، والمدفوعات عبر الحدود، وتقنيات الويب 3، ممّا يعزز مكانتها كمنارة للتقدم في مجال العملات المشفرة.