الإمارات ترسخ مكانتها كمركز عالمي لرؤوس الأموال

تتميز الأسواق المالية في الدولة باستقرارها وعمقها والزخم الذي تقوده الإصلاحات.
الإمارات ترسخ مكانتها كمركز عالمي لرؤوس الأموال
تاريخ النشر

تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة دبي وأبوظبي، كمركز عالمي جاذب لرؤوس الأموال، مدعومة بتزايد اهتمام المستثمرين الأجانب، وقوة المؤشرات الاقتصادية، ومجموعة قوية من الاكتتابات العامة الأولية عبر مختلف القطاعات.

في وقت تواجه فيه الأسواق العالمية مرحلة من الرسوم الجمركية المرتفعة وحالة من عدم اليقين الاقتصادي الكلي، تبرز الأسواق المالية في دولة الإمارات باستقرارها وعمقها والزخم الذي تقوده الإصلاحات.

تجسّد هذا التوجه في المؤتمر السنوي الرابع لبورصات مجلس التعاون الخليجي، الذي نظمه بنك "إتش إس بي سي" (HSBC) في لندن، بمشاركة واسعة ضمت أكثر من 300 مستثمر مؤسسي و100 شركة من دول الخليج. وقد شاركت جميع البورصات دول مجلس التعاون الخليجي السبع، بما فيها سوق دبي المالي وسوق أبوظبي للأوراق المالية، مما يعكس الأهمية المتزايدة للمنطقة في توزيع رؤوس الأموال العالمية.

مع بلوغ القيمة السوقية للإمارات العربية المتحدة تريليون دولار أمريكي بنهاية عام 2024، يتزايد الاهتمام الدولي بمنظومة اقتصادها المالي بشكل كبير. ووفقاً لبنك "إتش إس بي سي"، تضاعفت حصة صناديق الأسواق الناشئة العالمية (GEM) التي تتعامل مع الإمارات العربية المتحدة تقريباً منذ منتصف عام 2021، حيث ارتفعت من 35% إلى 65%. ويدعم هذا الارتفاع ثقة المستثمرين في الإصلاحات التنظيمية في الإمارات العربية المتحدة، والمرونة الاقتصادية، وتوسع مجموعة من القطاعات - من الطاقة المتجددة إلى الخدمات اللوجستية وتجارة التجزئة - التي تفتح أبوابها الآن للاستثمار العام.

قال نبيل البلوشي، رئيس خدمات الأسواق والأوراق المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا في بنك إتش إس بي سي: "يعيد المستثمرون العالميون تقييم أوضاعهم المالية، وتجعل قوة الميزانية العمومية لدول مجلس التعاون الخليجي ونظامها المالي المتطور منها وجهةً جاذبةً لرؤوس الأموال. وتُقدم الإمارات العربية المتحدة اليوم واحدةً من أكثر قصص النمو جاذبيةً في الأسواق الناشئة".

أكد البلوشي أن أسواق رأس المال المتنامية في الإمارات العربية المتحدة وتنويع قطاعاتها يوفران بيئة خصبة لاستثمار رأس المال بشكل مستدام. ويعكس تزايد مشاركة المؤسسات الأجنبية تحولاً في استراتيجية مديري الأصول العالميين الذين يسعون إلى الاستثمار في أسواق عالية العائد ومستقرة وموجهة نحو الإصلاح.

لا يزال زخم الاكتتابات العامة الأولية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصةً في دبي، قوياً. وبلغ إجمالي القيمة السوقية لسوق دبي المالي 951 مليار درهم إماراتي في يونيو 2025، مما يؤكد جاذبيته المتزايدة للمستثمرين المؤسسيين. وصرح حامد علي، الرئيس التنفيذي لسوق دبي المالي وناسداك دبي: "تكتسب أسواق رأس المال في دبي مكانة عالمية متزايدة، مما يعكس ثقة المستثمرين في المسار الاقتصادي طويل الأجل للإمارة". وأضاف: "إن حجم القيمة التي نقدمها لا يزال يجذب رؤوس الأموال الدولية الباحثة عن فرص نمو واعدة وذات إدارة رشيدة".

في عام 2024، احتلت الإمارات العربية المتحدة مكانةً بارزةً في مشهد الاكتتابات العامة الأولية القياسي في دول مجلس التعاون الخليجي. ورغم التباطؤ العالمي في جمع رؤوس الأموال، سجلت دول مجلس التعاون الخليجي عائدات اكتتابات عامة أولية أعلى بنسبة 33% في الربع الأول من عام 2025 مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. ويُعزى جزء كبير من هذا النمو إلى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث تُعيد جهود الخصخصة التي تقودها الحكومة وتحرير اللوائح التنظيمية تشكيل أسواق الأسهم المحلية.

لعبت أبوظبي دوراً هاماً في تعزيز أجندة أسواق رأس المال الإماراتية. وسلط عبد الله سالم النعيمي، الرئيس التنفيذي لسوق أبوظبي للأوراق المالية، الضوء على توسع حضور السوق عالمياً.

وقال النعيمي: "في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 وحدها، بلغ صافي الاستثمار الأجنبي في سوق أبوظبي للأوراق المالية حوالي 11 مليار درهم، بزيادة قدرها 78% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي". وأضاف: "شهدت قيم التداول الأجنبي ارتفاعاً حاداً تجاوز 347% خلال السنوات الخمس الماضية".

يستفيد سوق أبوظبي للأوراق المالية أيضاً من اتساع نطاق القطاعات، حيث يُبدي المستثمرون الأجانب اهتماماً متزايداً بشركات الطاقة والخدمات المالية والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية.

وأكد النعيمي أن تركيز السوق على الشفافية والحوكمة والممارسات المستدامة يدعم مشاركة المستثمرين على المدى الطويل.

لا يقتصر تنامي جاذبية الإمارات العربية المتحدة على الأسهم فحسب، بل تشهد منصات الدخل الثابت والائتمان الخاص توسعاً ملحوظاً، مما يتيح للمستثمرين أدوات أوسع للاستفادة من مسيرة النمو في المنطقة. كما تشهد أسواق السندات السيادية وسندات الشركات نمواً متزايداً، مدعومةً باحتياطات مالية قوية وتصنيفات ائتمانية مستقرة.

يُعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في دولة الإمارات — المتوقع أن يبلغ 5.3% في عام 2025 وفقاً لمصرف الإمارات المركزي — من جاذبية الاستثمار في الدولة. وتواصل دبي وأبوظبي قيادة جهود التحول الاقتصادي نحو نموذج قائم على المعرفة. في حين تشهد قطاعات مثل التكنولوجيا والضيافة والطاقة الخضراء والبنية التحتية اهتماماً متزايداً من رؤوس الأموال.

تُعد الإمارات من أبرز الأسواق الناشئة في نظر المحللين الاستراتيجيين، إذ تشير توقعات بنك إتش إس بي سي إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي فيها سيتجاوز متوسط الأسواق الناشئة خلال السنوات الثلاثة المقبلة، ما يعزز مكانتها كوجهة آمنة نسبياً للاستثمارات العالمية، في وقت تتراجع فيه التوقعات في اقتصادات ناشئة أخرى.

يرى محللو أسواق المال أن تصاعد التوترات التجارية والتقلبات الجيوسياسية تدفع المستثمرين نحو وجهات مستقرة تركز على الإصلاح، وتبرز الإمارات بوضوح ضمن هذا التوجّه، إذ تجمع بين الأمان وفرص النمو. وقالوا: "مع استمرار الإصلاحات، وعمليات الخصخصة الاستراتيجية، وتنوّع الفرص الاستثمارية، فإن الإمارات في موقع قوي يؤهلها لتبقى ركيزة أساسية في مشهد جمع رؤوس الأموال على مستوى العالم".

شهد مؤتمر لندن أيضاً مشاركة عدد من كبار قادة الشركات الإماراتية، من بينهم هشام هيكل من إعمار العقارية، وفيصل فلكناز من الدار العقارية، وأريب باشا من دوبيزل. وقد أبرز تفاعلهم مع المستثمرين الدوليين طموح دولة الإمارات في مواءمة الاستراتيجيات المؤسسية مع معايير الاستدامة والابتكار وتوجهات رؤوس الأموال العالمية.

تظل التوقعات إيجابية لأسواق رأس المال في دولة الإمارات، في ظل السياسات الحكومية التي تواصل دعم الإدراجات، وتعزيز الشفافية، ودمج معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (ESG). ويشير تنامي الطابع المؤسسي للأسواق في دبي وأبوظبي إلى تحوّل هيكلي طويل الأمد، وليس مجرد ارتفاع دوري عابر.

موصى به

No stories found.
Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com